وبعد أن بين - سبحانه - مثال كلمة الإِيمان ، أتبعه بمثال كلمة الكفر فقال : { وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ } وهى كلمة الكفر .
{ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } أى قبيحة لا نفع فيها ، ولا خبر يرجى منها .
{ اجتثت مِن فَوْقِ الأرض } أى : اقتلعت جثتها وهيئتها من فوق الأرض ، لقرب عروقها وجذورها من سطحها .
يقال : اجتثثت الشئ اجتثاثا ، إذا اقتلعته واستأصلته ، وهو افتعال من لفظ الجثة وهى ذات الشئ .
وقوله : { مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } تأكيد لمعنى الاجتثاث لأن اجتثاث الشئ بسهولة ، سببه عدم وجود أصل له .
أى : ليس لها استقرار وثبات على الأرض ، وكذلك الكفر لا أصل له ولا فرع ، ولا يصعد للكافر عمل ، ولا يتقبل منه شئ .
والمراد بهذه الشجرة الخبيثة : شجرة الحنظل فعن أنس بن مالك أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : " ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة هى الحنظلة . . . " .
وقيل : شجرة الثوم ، وقيل : شجرة الشوك . . . وقيل كل شجر لا يطيب له ثمر ، وفى رواية عن ابن عباس أنها شجرة لم تخلق على الأرض . .
وقال : ابن عطية : الظاهر أن التشبيه وقع بشجرة غير معينة جامعة لتلك الأوصاف التى وصفها الله بها .
وقوله : { وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } هذا مثل كفر الكافر ، لا أصل له ولا ثبات ، وشبه بشجرة الحنظل ، ويقال لها : " الشريان " . [ رواه شعبة ، عن معاوية بن قُرَّة ، عن أنس بن مالك : أنها شجرة الحنظل ]{[15826]} .
وقال أبو بكر البزار الحافظ : حدثنا يحيى بن محمد بن السكن ، حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع ، حدثنا شعبة ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس - أحسَبه رفعه - قال : " مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة " ، قال : هي النخلة ، { وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } قال : هي الشّرْيان{[15827]} .
ثم رواه عن محمد بن المثنى ، عن غُنْدَر ، عن شعبة ، عن معاوية ، عن أنس موقوفا{[15828]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد - هو ابن سلمة - عن شعيب بن الحَبْحاب عن أنس بن مالك ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة " هي الحنظلة " . فأخبرت بذلك أبا العالية فقال : هكذا كنا نسمع .
ورواه ابن جرير ، من حديث حماد بن سلمة ، به{[15829]} ورواه أبو يعلى في مسنده بأبسط من هذا فقال :
حدثنا غسان ، عن حماد ، عن شعيب ، عن أنس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بقناع عليه بُسْر ، فقال : ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة ، أصلها ثابت وفرعها في السماء . تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها فقال : " هي النخلة " { وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ } قال : " هي الحنظل " {[15830]} قال شعيب : فأخبرت بذلك أبا العالية فقال : كذلك كنا نسمع{[15831]} .
وقوله : { اجْتُثَّتْ } أي : استؤصلت { مِنْ فَوْقِ الأرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ } أي : لا أصل لها ولا ثبات ، كذلك الكفر لا أصل له ولا فرع ، ولا يصعد للكافر عمل ، ولا يتقبل منه شيء .
{ ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة } كمثل شجرة خبيثة { اجتُثّت } استؤصلت وأخذت جئتها بالكلية . { من فوق الأرض } لأن عروقها قريبة منه . { ما لها من قرار } استقرار . واختلف في الكلمة والشجرة ففسرت الكلمة الطيبة : بكلمة التوحيد ودعوة الإسلام والقرآن ، والكلمة الخبيثة بالشرك بالله تعالى والدعاء إلى الكفر وتكذيب الحق ، ولعل المراد بهما ما يعم ذلك فالكلمة الطيبة ما أعرب عن حق أو دعا إلى صلاح ، والكلمة الخبيثة ما كان على خلاف ذلك وفسرت الشجرة الطيبة بالنخلة . وروي ذلك مرفوعا وبشجرة في الجنة ، والخبيثة بالحنظلة والكشوث ، ولعل المراد بهما أيضا ما يعم ذلك .
وحكى الكسائي والفراء : أن في قراءة أبي بن كعب «وضرب الله مثلاً كلمة خبيثة »{[7069]} ، و «الكلمة الخبيثة » هي كلمة الكفر وما قاربها من كلام السوء في الظلم ونحوه . و { الشجرة الخبيثة } قال أكثر المفسرين هي شجرة الحنظل -قاله أنس بن مالك ورواه عن النبي عليه السلام{[7070]} ، وهذا عندي على جهة المثال . وقالت فرقة : هي الثوم ، وقال الزجاج : قيل هي الكشوت .
قال القاضي أبو محمد : وعلى هذه الأقوال من الاعتراض : أن هذه كلها من النجم{[7071]} وليست من الشجر ، والله تعالى إنما مثل بالشجرة فلا تسمى هذه إلا بتجوز ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثوم والبصل : من أكل من هذه الشجرة{[7072]} ، وأيضاً فإن هذه كلها ضعيفة وإن لم تجتث ، اللهم إلا أن تقول : اجتثت بالخلقة .
وقال ابن عباس : هذا مثل ضربه الله ولم يخلق هذه الشجرة على وجه الأرض .
والظاهر عندي أن التشبيه وقع بشجرة غير معينة إذا وجدت فيها هذه الأوصاف . فالخبث هو أن تكون كالعضاة ، أو كشجر السموم أو نحوها . إذا اجتثت - أي اقتلعت ، حيث جثتها بنزع الأصول وبقيت في غاية الوهاء والضعف فتقلبها أقل ريح . فالكافر يرى أن بيده شيئاً وهو لا يستقر ولا يغني عنه ، كهذه الشجرة التي يظن بها على بعد أو للجهل بها أنها شيء نافع وهي خبيثة الجني غير باقية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.