95- إن دلائل قدرة الله على البعث ، واستحقاقه وحده للعبادة ، وبعثه للناس من قبورهم ، متوافرة متنوعة ، فهو وحده الذي يشق الحب ، ويخرج منه النبات ، ويشق النوى ويخرج منه الشجر ، ويخرج الحي من الميت كالإنسان من التراب ، ويخرج الميت من الحي كاللبن من الحيوان ، ذلك القادر العظيم هو الإله الحق ، فليس هناك صارف يصرفكم عن عبادته إلى عبادة غيره{[61]} .
وبعد أن ساق - سبحانه - ألواناً من الدلائل على وحدانيته ، وعلى صدق نبيه صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه ، شرع - سبحانه - فى سرد مظاهر قدرته ، وكمال علمه وحكمته عن طريق التأمل فى هذا الكون العجيب ، وفى بدائع مخلوقاته فقال - تعالى - : { إِنَّ الله . . . } .
قوله : { إِنَّ الله فَالِقُ الحب والنوى } .
فالق : أى شاق ، والفلق هو الشق وقيل ، فالق بمعنى خالق وأنكر ابن جرير الطبرى ذلك وقال : لا يعرف فى كلام العرب فلق الشىء بمعنى خلق .
والحب : ما ليس له نوى كالحنطة والشعير .
والنوى : جمع نواة وهو الموجود فى داخل الثمرة ، مثل نوى التمر وغيره .
والمعنى : أن الله وحده هو الذى يشق الحبة اليابسة كالحنطة فيخرج منها النبات الأخضر النامى ، ويشق النواة الصلبة فيخرج منها النخلة والشجرة النامية ، وفى ذلك أكبر دلالة على قدرة الله التى لا تحد وعلى أنه هو المستحق للعبادة لا غيره .
هذا ، وقد أفاض الإمام الرازى وهو يتحدث عن هذه الآية فى بيان قدرة الله فقال ما ملخصه :
" إذا عرفت هذا فنقول : إنه إذا وقعت الحبة أو النواة فى الأرض الرطبة ثم مر بها قدر من المدة أظهر الله - تعالى - فى تلك الحبة والنواة من أعلاها شقا ومن أسفلها شقا آخرن فالأول يخرج من الشجرة الصاعدة إلى الهواء ، والثانى يخرج منه الشجرة الهابطة فى الأرض ثم إن ها هنا عجائب .
فإحداها : أن طبيعة تلك الشجرة إن كانت تقتضى الهوى فى عمق الأرض فكيف تولدت منها الشجرة الصاعدة فى الهواء ؟ وإن كانت تقتضى الصعود فى الهواء فكيف تولدت منها الشجرة الهابطة فى الأرض ؟ فلما تولد منها الشجرتان مع أن الحس والعقل يشهد بكون طبيعة إحدى الشجرتين مضادة لطبيعة الشجرة الأخرى - علمنا أن ذلك ليس بمقتضى الطبع والخاصية ، بل بمقتضى الإيجاد والإبداع والتكوين .
وثانيهما : أن باطن الأرض جرم كثيف صلب لا تنفذ المسلة القوية فيه ولا يغوص السكين الحاد القوى فيه ، ثم إنا نشاهد أطراف تلك العروق فى غاية الدقة واللطافة وبحيث لو دلكها الإنسان بإصبعه بأدنى قوة لصارت كالماء ، ثم إنها مع غاية اللطافة تقوى على النفوذ فى تلك الارض الصلبة ، والغوص فى بواطن تلك الأجرام الكثيفة . فحصول هذه القرى الشديدة لهذه الأجرام الضعيفة التى هى فى غاية اللطافة لا بد وأن يكون بتقدير العزيز الحكيم .
ثم قال - رحمه الله - بعد كلام طويل : فانظر أيها المسكين بعين رأسك فى تلك الورقة الواحدة من تلك الشجرة ، واعرف كيفية خلقه تلك العروق والأوتار فيها ، ثم انتقل من مرتبة إلى ما فوقها حتى تعرف أن المقصود الأخير منها حصول المعرفة والمحبة فى الأرواح البشرية ، فحينئذ ينفتح لك باب من المكاشفات لا آخر له ، ويظهر لك أن أنواع نعم الله فى حقك غير متناهية كما قال : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا } وكل ذلك إنما ظهر من كيفية خلقه تلك الورقة من الحبة والنواة .
وقوله { يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت } أى : يخرج ما ينمو من الحيوان والنبات والشجر مما لا ينمو كالنطفة والحبة .
والجملة الكريمة مستأنفة مبينة لما قبلها ولذلك ترك العطف ، وقيل خبر ثان ولم يعطف لاستقلاله فى الدلالة على عظمة الله - تعالى - .
وقوله : { وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحي } أى : مخرج الميت كالحب والنوى من النبات والبيضة والنطفة من الحيوان .
قال صاحب المنار : فإن قيل إن علماء المواليد يزعمون أن فى كل اصول الأحياء حياة فكل ما ينبت من ذلك ذو حياة كامنة إذا عقم بالصناعة لا ينبت ، قلنا : إن هذا اصطلاح لهم يسمون القوة أو الخاصية التى يكون بها الحب قابلا للإنبات حياة ، ولكن هذا لا يصح فى اللغة إلا بضرب من التجوز وإنما حقيقة الحياة فى اللغة ما يكون به الجسم متغذياً نامياً بالفعل ، وهذا أدنى مراتب الحياة عند العرب ، ولها مراتب أخرى كالإحساس والقدرة والإرادة والعلم والعقل والحكمة والنظام ، وهذا أعلى مراتب الحياة فى المخلوق .
ونقل بعض المفسرين عن ابن عباس أن معنى الجملتين : يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ومثله إخراج البار من الفاجر والصالح من الطالح والعالم من الجاهل وعكسه ، وذلك بحمله الحياة والموت على المعنوى منها كما فى قوله - تعالى - { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ } ويبدو لنا أن حمل الحياة والموت هنا على المعنى المعنوى لا يناسبه سياق الآيات التى معنا ، لأنها تتحدث عن آثار قدرة الله المحسوسة ليزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم ، ويتأمل كل ذى عقل فى مظاهر قدرة الله فى كونه يهتدى إلى طريق الحق والصواب .
وقوله { وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحي } معطوف على ما قبله وهو قوله { يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت } لأنه إخبار بضد مضمونه وهو وضع آخر عجيب دال على كمال القدرة .
وجىء بجملة { يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت } معطوف على { فَالِقُ } لا على { يُخْرِجُ } لأنه بيان لفالق الحب والنوى .
قال - رحمه الله : فإن قلت : كيف قال { وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحي } بلفظ اسم الفاعل بعد قوله : { خْرِجُ الحي مِنَ الميت } ؟ قلت : عطفه على فالق الحب والنوى لا على الفعل ، ويخرج الحى من الميت : موقعه موقع الجملة المبينة لقوله { فَالِقُ الحب والنوى } لأن فالق الحب والنوى بالنبات والشجر الناميين من جنس إخراج الحى من الميت ، لأن النامى فى حكم الحيوان ألا ترى إلى قوله - تعالى - { وَيُحْيِي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } { ذلكم الله فأنى تُؤْفَكُونَ } الأفك - بفتح الهمزة - مصدر أفكه يأفكه من باب ضرب إذا صرفه عن مكان أو عن عمل ، ويقال أفكت الأرض أفكا : أى صرف عنها المطر .
والإشارة بذلكم لزيادة التمييز ، وللتعريض بغباوة المخاطبين والمشركين لغفلتهم عن هذه الدلالة على أنه هو المستحق للعبادة .
والمعنى : ذلكم المتصف بما ذكر من مقتضى الحكمة البالغة والقدرة النفاذة هو الله خالق كل شىء فكيف تصرفون عن عبادة من يخلق إلى عبادة من لا يخلق ، وتشركون معه من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضراً ؟
قال الإمام الرازى : والمقصود منه أن الحى والميت متضادات متنافيان ، فحصول المثل عن المثل يوهم أن يكون بسبب الطبيعة والخاصية .
أما حصول الضد من الضد فيمتنع أن يكون بسبب الطبيعة والخاصية بل لا بد أن يكون بتقدير المقدر الحكيم والمدبر العليم " .
يخبر تعالى أنه فالق الحب والنوى ، أي : يشقه في الثرى فتنبت الزروع على اختلاف أصنافها من الحبوب ، والثمار على اختلاف أشكالها وألوانها وطعومها من النوى ؛ ولهذا فسر [ قوله ]{[10977]} { فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى } بقوله { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } أي : يخرج النبات الحي من الحب والنوى ، الذي هو كالجماد الميت ، كما قال : { وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ [ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ ]{[10978]} وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ } [ يس : 33 - 36 ] .
وقوله : { وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ } معطوف على { فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى } ثم فسره ثم عطف عليه قوله : { وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ }
وقد عبروا عن هذا [ وهذا ]{[10979]} بعبارات كلها متقاربة مؤدية للمعنى ، فمن قائل : يخرج الدجاجة من البيضة ، والبيضة من الدجاجة ، من قائل : يخرج الولد الصالح من الكافر ، والكافر من الصالح ، وغير ذلك من العبارات التي تنتظمها الآية وتشملها .
ثم قال : { ذَلِكُمُ اللَّهُ } أي : فاعل هذه الأشياء هو الله وحده لا شريك له { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } أي : فكيف تصرفون من الحق وتعدلون عنه إلى الباطل فتعبدون مع الله غيره .
{ إِنّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبّ وَالنّوَىَ يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيّتِ مِنَ الْحَيّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنّىَ تُؤْفَكُونَ }
وهذا تنبيه من الله جلّ ثناؤه هؤلاء العادلين به الاَلهة والأوثان على موضع حجته عليهم ، وتعريف منه لهم خطأ ما هم عليه مقيمون من إشراك الأصنام في عبادتهم إياه . يقول تعالى ذكره : إن الذي له العبادة أيها الناس دون كلّ ما تعبدون من الاَلهة والأوثان ، هو الله الذي فلق الحبّ ، يعنِي : شقّ الحبّ من كلّ ما ينبت من النبات ، فأخرج منه الزرع والنوى من كلّ ما يغرس مما له نواة ، فأخرج منه الشجر . والحبّ جمع حبة ، والنوى : جمع النواة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى أما فالق الحبّ والنوى : ففالق الحبّ عن السنبلة ، وفالق النواة عن النخلة .
حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : يفلق الحبّ والنوى عن النبات .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : الله فالق ذلك ، فلقه فأنبت منه ما أنبت فلق النواة فأخرج منها نبات نخلة ، وفلق الحبة فأخرج نبات الذي خلق .
وقال آخرون : معنى «فالق » خالق . ذكر من قال ذلك .
حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : خالق الحبّ والنوى .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : خالق الحبّ والنوى .
وقال آخرون : معنى ذلك أنه فلق الشقّ الذي في الحبة والنواة . ذكر من قال ذلك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي جريج ، عن مجاهد ، في قول الله : فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : الشقان اللذان فيهما .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا خالد ، عن حصين ، عن أبي مالك ، في قول الله : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى قال : الشقّ الذي يكون في النواة وفي الحنطة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن القاسم ابن أبي بزّة ، عن مجاهد : فالِقُ الحَبّ وَالنّوَى قال : الشقان اللذان فيهما .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : ثني عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فالِقُ الحَبّ والنّوَى يقول : خالق الحبّ والنوى ، يعني : كل حبة .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي ما قدمنا القول به ، وذلك أن الله جلّ ثناؤه أتبع ذلك بإخباره عن إخراجه الحيّ من الميت والميت من الحيّ ، فكان معلوماً بذلك أنه إنما عنى بإخباره عن نفسه أنه فالق الحبّ عن النبات والنوى عن الغروس والأشجار ، كما هو مخرج الحيّ من الميت والميت من الحيّ . وأما القول الذي حُكي عن الضحاك في معنى فالق أنه خالق ، فقولٌ إن لم يكن أراد به أنه خالق منه النبات والغروس بفلقه إياه ، لا أعرف له وجهاً ، لأنه لا يُعرف في كلام العرب فلق الله الشيء بمعنى : خلق .
القول في تأويل قوله تعالى : يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ ومُخْرِجُ المَيّتِ مِنَ الحَيّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأنّى تُؤْفَكُونَ .
يقول تعالى ذكره : يخرج السنبل الحيّ من الحبّ الميت ، ومخرج الحبّ الميت من السنبل الحيّ ، والشجر الحيّ من النوى الميت ، والنوى الميت من الشجر الحيّ . والشجر ما دام قائماً على أصوله لم يجفّ والنبات على ساقه لم ييبس ، فإن العرب تسميه حيّا ، فإذا يبس وجفّ أو قطع من أصله سموه ميتاً .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، أما : يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ فيخرج السنبلة الحية من الحبة الميتة ، ويخرج الحبة الميتة من السنبلة الحية ، ويخرج النخلة الحية من النواة الميتة ، ويخرج النواة الميتة من النخلة الحية .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن السديّ ، عن أبي مالك : يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ ومُخْرِجُ المَيّتِ مِنَ الحَيّ قال : النخلة من النواة والنواة من النخلة ، والحبة من السنبلة والسنبلة من الحبة .
حدثني به المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : قوله : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ ومُخْرِجُ المَيّتِ مِنَ الحَيّ قال : يخرج النطفة الميتة من الحيّ ، ثم يخرج من النطفة بشراً حيّا .
وإنما اخترنا التأويل الذي اخترنا في ذلك ، لأنه عقيب قوله : إنّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنّوَى على أن قوله : يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ ومُخْرِجُ المَيّتِ مِنَ الحَيّ وإن كان خبراً من الله عن إخراجه من الحبّ السنبل ومن السنبل الحبّ ، فإنه داخل في عمومه ما رُوي عن ابن عباس في تأويل ذلك وكلّ ميت أخرجه الله من جسم حيّ ، وكلّ حيّ أخرجه الله من جسم ميت .
وأما قوله : ذَلِكُمُ اللّهُ فإنه يقول : فاعل ذلك كله الله جلّ جلاله . فَأنّى تُؤْفَكُونَ يقول : فأيّ وجوه الصدّ عن الحقّ أيها الجاهلون تصدّون عن الصواب وتُصرفون ، أفلا تتدبرون فتعلمون أنه لا ينبغي أن يجعل لمن أنعم عليكم بفلق الحبّ والنوى ، فأخرج لكم من يابس الحبّ والنوى زروعاً وحروثاً وثماراً تتغذون ببعضه وتفكهون ببعضه ، شريك في عبادته ما لا يضرّ ولا ينفع ولا يسمع ولا يبصر ؟
{ إن الله فالق الحب والنوى } بالنبات والشجر . وقيل المراد به الشقاق الذي في الحنطة والنواة . { يخرج الحي } يريد به ما ينمو من الحيوان والنبات ليطابق ما قبله . { من الميت } مما لا ينمو كالنطف والحب . { ومخرج الميت من الحي } ومخرج ذلك من الحيوان والنبات ، ذكره بلفظ الاسم حملا على فالق الحب فإن قوله : يخرج الحي واقع موقع البيان له . { ذلكم الله } أي ذلكم المحي المميت هو الذي يحق له العبادة . { فأنا تؤفكون } تصرفون عنه إلى غيره .