المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَيَلۡبَسُونَ ثِيَابًا خُضۡرٗا مِّن سُندُسٖ وَإِسۡتَبۡرَقٖ مُّتَّكِـِٔينَ فِيهَا عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِۚ نِعۡمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتۡ مُرۡتَفَقٗا} (31)

31- هؤلاء لهم جنات يقيمون فيها منعَّمين أبدا ، تنساب الأنهار من بين أشجارها وقصورها ، يتحلون فيها بمظاهر السعادة في الدنيا ، كالأساور الذهبية ، وملابسهم فيها الثياب الخضر من الحرير على اختلاف أنواعه ، متكئين فيها على السرر بين الوسائد والستائر ، نعم الثواب لهم ، وحَسُنت الجنة دار مقام وراحة ، يجدون فيها كل ما يطلبون .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَيَلۡبَسُونَ ثِيَابًا خُضۡرٗا مِّن سُندُسٖ وَإِسۡتَبۡرَقٖ مُّتَّكِـِٔينَ فِيهَا عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِۚ نِعۡمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتۡ مُرۡتَفَقٗا} (31)

ثم بين - سبحانه - ما أعده لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات من ألوان النعيم فقال : { أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ } .

ولفظ { عدن } بمعنى إقامة لا رحيل بعدها ولا تحول . وأصله من عدن فلان بالمكان . إذ أقام به واستقر فيه .

أى : أولئك الذين عمروا دنياهم بالإِيمان والعمل الصالح لهم جنات يقيمون فيها إقامة دائمة ، تجرى من تحت مساكنهم الأنهار .

{ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } والأساور : جمع سوار . وهو نوع من الحلى يلبس بزند اليد .

أى : يلبسون فى تلك الجنات أساور من ذهب على سبيل التزين والتكريم .

ولا مانع من أن يضاف إلى هذه الأساور الذهبية ، أساور أخرى من فضة ، وثالثة من لؤلؤ كما فى قوله - تعالى - :

{ وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ }

وقوله - سبحانه - :

{ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً . . }

وفى الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " .

وقوله { وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ } معطوف على ما قبله .

والسندس : ما رق من الحرير واحده سندسة .

والإِستبرق : ما غلظ منه وثخن ، واحده إستبرقة .

أى : يتزينون فى الجنات بأساور من ذهب ، ويلبسون فيها ثيابا خضرا من رقيق الحرير ومن غليظه .

ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَآئِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً } .

والأرائك : جمع أريكة . وهو كل ما يتكأ عليه من سرير أو فراش .

أى : متكئين فى الجنات على الأرائك شأن المتنعمين المترفهين { نعم الثواب } ذلك الذى وعدهم الله - تعالى - به { وحسنت } تلك الأرائك فى الجنات { مرتفقا } .

أى : متكأ ومقرا ومجلسا ومسكنا .

وبذلك نرى الآية الكريمة قد اشتملت على ألوان متعددة من التكريم والثواب لأولئك المؤمنين الذين عمروا دنياهم بالعمل الصالح .

فقد بشرهم - سبحانه - بجنات عدن ، ثم بشرهم ثانيا بأن الأنهار تجرى من تحتهم ، ثم بشرهم ثالثا بأنهم يحلون فيها من أساور من ذهب ، ثم بشرهم رابعا بأنهم يلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق ، ثم بشرهم خامساً ، بأنهم يتكئون فى تلك الجنات على الأرائك .

وفى هذه البشارات ما فيها من الحض على المسارعة إلى العمل الصالح ، الذى يرفع درجات المؤمن إلى أعلى عليين ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم ، نسأل الله - تعالى - أن يرزقنا هذا الفضل ، فهو أكرم مسئول ، وأعظم مأمور .

ثم ساقت السورة الكريمة مثلا للنفس الإِنسانية المغرورة المتفاخرة بزينة الحياة الدنيا ، الجاحدة لنعم الله . . . وللنفس الإِنسانية المتواضعة ، المعتزة بعقيدتها السليمة ، الشاكرة لربها . . . لكى يكون فى هذا المثل عبرة وعظة لمن كان له قلب ، فقال - تعالى - : { وَاضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَيَلۡبَسُونَ ثِيَابًا خُضۡرٗا مِّن سُندُسٖ وَإِسۡتَبۡرَقٖ مُّتَّكِـِٔينَ فِيهَا عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِۚ نِعۡمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتۡ مُرۡتَفَقٗا} (31)

لما ذكر تعالى حال الأشقياء ، ثنى بذكر السعداء ، الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين فيما جاؤوا به ، وعملوا بما أمروهم به من الأعمال الصالحة ، فلهم { جَنَّاتُ عَدْنٍ } والعدن : الإقامة .

{ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ } أي : من تحت غرفهم ومنازلهم ، قال [ لهم ]{[18163]} فرعون : { وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي } [ الزخرف : 51 ] .

{ يُحَلَّوْنَ } أي : من الحلية { فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ } وقال في المكان الآخر : { وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } [ الحج : 23 ] وفصله هاهنا فقال : { وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ } فالسندس : لباس{[18164]} رقاع رقاق كالقمصان وما جرى مجراها ، وأما الإستبرق فغليظ الديباج وفيه بريق .

وقوله : { مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ } الاتكاء قيل : الاضطجاع وقيل التربع في الجلوس . وهو أشبه بالمراد هاهنا ومنه الحديث [ في ]{[18165]} الصحيح : " أما أنا فلا آكل متكئًا " {[18166]} فيه القولان .

والأرائك : جمع أريكة ، وهي السرير تحت الحَجَلة ، والحجلة كما يعرفه{[18167]} الناس في زماننا هذا بالباشخاناه ، والله أعلم .

قال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَرُ ، عن قتادة : { عَلَى الأرَائِكِ } قال : هي الحجال . قال معمر : وقال غيره : السّرُر في الحجال{[18168]}

وقوله : { نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا } [ أي : نعمت الجنة ثوابًا على أعمالهم { وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا } أي : حسنت منزلا ومقيلا ومقامًا ، كما قال في النار : { بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } [ الكهف : 29 ]{[18169]} ، وهكذا قابل بينهما في سورة الفرقان في قوله : { إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } [ الفرقان : 66 ] ثم ذكر صفات المؤمنين فقال : { أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } [ الفرقان : 76 ، 75 ] .


[18163]:زيادة من ت.
[18164]:في ت، ف، أ: "ثياب".
[18165]:زيادة من ت، ف.
[18166]:صحيح البخاري برقم (5398).
[18167]:في ت، ف: "تعرفه".
[18168]:تفسير عبد الرزاق (1/339).
[18169]:زيادة من ف.