البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَيَلۡبَسُونَ ثِيَابًا خُضۡرٗا مِّن سُندُسٖ وَإِسۡتَبۡرَقٖ مُّتَّكِـِٔينَ فِيهَا عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِۚ نِعۡمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتۡ مُرۡتَفَقٗا} (31)

السوار :ما جعل في الذراع من ذهب أو فضة أو نحاس أو رصاص ويجمع على أسورة في القلة كخمار وأخمرة ، وعلى خمر وفي الكثرة كخمار وخمر إلاّ أنه تسكن عينه إلاّ في الشعر فتحرك ، وأساور جمع أسورة . وقال أبو عبيدة : جمع أسوار ويقال لكل ما في الذراع من الحليّ وعنه وعن قطرب : هو على حذف الزيادة وأصله أساوير . وأنشد ابن الأنباري :

والله لولا صبية صغار ***  كأنما وجوههم أقمار

تضمهم من الفنيك دار***أخاف أن يصيبهم إقتار

أو لاطم ليس له أسوار *** لما رآني ملك جبار

ببابه ما وضح النهار

السندس رقيق الديباج ، والإستبرق ما غلظ منه ، والإستبرق رومي عرب وأصله استبره أبدلوا الهاء قافاً قاله ابن قتيبة . وقيل : مسمى بالفعل وهو إستبرق من البريق فقطعت بهمزة وصله . وقيل : الإستبرق اسم الحرير . وقالا لمرقش :

تراهنّ يلبسن المشاعر مرة  *** وإستبرق الديباج طور إلباسها

وقال ابن بحر : الإستبراق المنسوج بالذهب . الأريكة السرير في حجلة ، فإن كان وحده فلا يسمى أريكة . وقال الزجاج : الأرائك الفرش في الحجال .

ولما ذكر مكان أهل الكفر وهو النار . ذكر مكان أهل الإيمان وهي { جنات عدن } ولما ذكر هناك ما يغاثون به وهو الماء كالمهل ذكر هنا ما خص به أهل الجنة من كون الأنهار تجري من تحتهم ، ثم ذكر ما أنعم عليهم من التحلية واللباس اللذين هما زينة ظاهرة .

وقال سعيد بن جبير : يحلى كل واحد ثلاثة أساور سوار من ذهب ، وسوار من فضة ، وسوار من لؤلؤ ويواقيت .

وقال الزمخشري : و { من } الأول للابتداء والثانية للتبيين ، وتنكير { أساور } لإبهام أمرها في الحسن انتهى .

ويحتمل أن تكون { من } في قوله { من ذهب } للتبعيض لا للتبيين .

وقرأ أبان عن عاصم من أسورة من غير ألف وبزيادة هاء وهو جمع سوار .

وقرأ أيضاً أبان عن عاصم وابن أبي حماد عن أبي بكر : { ويلبسون } بكسر الباء .

وقرأ ابن محيصن { واستبرق } بوصل الألف وفتح القاف حيث وقع جعله فعلاً ماضياً على وزن استفعل من البريق ، ويكون استفعل فيه موافقاً للمجرد الذي هو برق كما تقول : قر واستقر بفتح القاف ذكره الأهوازي في الإقناع عن ابن محيصن .

قال ابن محيصن .

وحده : { واستبرق } بالوصل وفتح القاف حيث كان لا يصرفه انتهى .

فظاهره أنه ليس فعلاً ماضياً بل هو اسم ممنوع الصرف .

وقال ابن خالويه : جعله استفعل من البريق ابن محيصن فظاهره أنه فعل ماض وخالفهما صاحب اللوامح .

قال ابن محيصن : { واستبرق } بوصل الهمزة في جميع القرآن فيجوز أنه حذف الهمزة تخفيفاً على غير قياس ، ويجوز أنه جعله عربية من برق يبرق بريقاً .

وذلك إذا تلالأ الثوب لجدته ونضارته ، فيكون وزنه استفعل من ذلك فلما تسمى به عامله معاملة الفعل في وصل الهمزة ، ومعاملة المتمكنة من الأسماء في الصرف والتنوين ، وأكثر التفاسير على أنه عربية وليس بمستعرب دخل في كلامهم فأعربوه انتهى .

ويمكن أن يكون القولان روايتين عنه فتح القاف وصرفه التنوين ، وذكر أبو الفتح بن جنيّ قراءة فتح القاف ، وقال : هذا سهو أو كالسهو انتهى .

وإنما قال ذلك لأنه جعله اسماً ومنعه من الصرف لا يجوز لأنه غير علم ، وقد أمكن جعله فعلاً ماضياً فلا تكون هذه القراءة سهواً .

قال الزمخشري : وجمع بين السندس وهو ما رقَّ من الديباج ، وبين الاستبرق وهو الغليظ منه جمعاً بين النوعين ، وقدمت التحلية على اللباس لأن الحلي في النفس أعظم وإلى القلب أحب ، وفي القيمة أغلى ، وفي العين أحلى ، وبناء فعله للمفعول الذي لم يسم فاعله إشعاراً بأنهم يكرمون بذلك ولا يتعاطون ذلك بأنفسهم كما قال الشاعر :

غرائر في كن وصون ونعمة ***تحلين ياقوتاً وشذراً مفقرا

وأسند اللباس إليهم لأن الإنسان يتعاطى ذلك بنفسه خصوصاً لو كان بادي العورة ، ووصف الثياب بالخضرة لأنها أحسن الألوان والنفس تنبسط لها أكثر من غيرها ، وقد روي في ذلك أثر إنها تزيد في ضوء البصر وقال بعض الأدباء :

أربعة مذهبة لكل هم وحزن***الماء والخضرة والبستان والوجه الحسن

وخص الاتكاء لأنها هيئة المنعمين والملوك على أسرَّتهم .

وقرأ ابن محيصن : { على الأرائك } بنقل الهمزة إلى لام التعريف وإدغام لام على { فيها } فتنحذف ألف { على } لتوهم سكون لام التعريف والنطق به علرائك ومثله قول الشاعر :

فما أصبحت علرض نفس برية***ولا غيرها إلاّ سليمان بالها

يريد على الأرض ، والمخصوص بالمدح محذوف أي نعم الثواب ما وعدوا به ، والضمير في { حسنت } عائد على الجنات .