{ إن الذين آمنوا } هذا شروع في وعد المؤمنين بعد الفراغ من وعيد الكافرين والمعنى أن الذين آمنوا بالحق الذي أوحي إليك { وعملوا الصالحات } من الأعمال { إنا لا نضيع أجر من أحسن } منهم { عملا } وفيها إقامة الظاهر مقام المضمر ، والمعنى أجرهم أي نثيبهم بما تضمنه قوله { أولئك لهم جنات عدن } أي إقامة مستأنفة لبيان الأجر ، والإشارة إلى من تقدم ذكره ، وقيل أولئك خبر إن الذين آمنوا ، وجملة إنا لا نضيع اعتراض وقيل غير ذلك .
{ تجري من تحتهم الأنهار } لأن أفضل المساكن ما كان يجري فيه الماء ، وقد تقدم الكلام في كيفية جري الأنهار من تحتها { يحلون فيها من أساور من ذهب } .
قال الزجاج : أساور جمع أسورة وهي جمع سوار وهي زينة تلبس في الزند من اليد وهي من زينة الملوك ، وظاهر الآية أنها جميعها من ذهب ، وجاء في آية أخرى من فضة ، وفي أخرى من ذهب ولؤلؤ ، فيلبسون الأساور الثلاثة ، فيكون في يد الواحد منهم سوار من ذهب وآخر من فضة وآخر من لؤلؤ . فعلم من هذا أن كلا من هذه الآية ومن آية هل أتى على الإنسان ، ومن آية الحج ومن آية فاطر فيه الإخبار ببعض ما يحلون به ، و { من } في من أساور للابتداء وقيل زائدة بدليل سقوطها في سورة هل أتى ، { وحلوا من أساور من فضة } و { من } في من ذهب للبيان ، وحكا الفراء يحلون بفتح الياء وسكون الحاء وفتح اللام يقال : حليت المرأة تحلى فهي حالية إذا لبست الحلي .
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الضوء ) {[1114]} .
{ ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق } عطف على من يحلون وبني الفعل في التحلية للمفعول إيذانا بكرامتهم وأن غيرهم يفعل بهم ذلك ويزينهم به بخلاف اللبس فإن الإنسان يتعاطاه بنفسه . وقدم التحلي على اللباس لأنه أشهى للنفس ، وخص الأخضر لأنه الموافق للبصر ، ولكونه أحسن الألوان . قال الكسائي :السندس الرقيق واحده سندسة ، والإستبرق ما ثخن واحده استبراقة ، وكذا قال المفسرون ، وقيل ليسا جمعين ، وقيل الاستبرق هو الديباج ، وقيل هو المنسوج بالذهب ، قال القتيبي : وهو فارسي معرب ، قال الجوهري : وتصغيره أبيراق قال السمين : وهل استبرق عربي الأصل مشتق من البريق أو معرب أصله استبره خلاف بين اللغويين .
قال مرثد بن عبد الله : في الجنة شجرة تنبت السندس منه تكون ثياب أهل الجنة ، وعن عكرمة قال : الاستبراق الديباج الغليظ ، وعن مجاهد مثله ، وفي آية الرحمن { بطائنها من استبرق } أي الفرش فيقاس عليها اللباس الذي الكلام فيه فظاهرة الكل من سندس وبطانته من إستبرق قال المحلى في سورة { هل أتى } فالاستبراق بطانة ثيابهم والسندس ظهارتها .
{ متكئين فيها على الأرائك } أصل اتكأ أو اتكأ وأصل متكئين متوكئين والاتكاء التحامل على الشيء أي يجلسون متربعين ومضطجعين . أخرج ابن أبي حاتم عن الهيثم بن مالك الطائي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الرجل ليتكئ مقدار أربعين سنة لا يتحول منه ولا يمله يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه ) .
قال الزجاج : الأرائك جمع أريكة وهي السرر في الحجال وقيل هي أسرة من ذهب مكللة بالدر والياقوت ، وعن ابن عباس قال :الأرائك السرر في جوف الحجال عليها الفرش منضود في السماء فرسخ ، وعنه قال لا يكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة وعن عكرمة : الأرائك هي الحجال على السرر ، وفي القاموس الأريكة كسفينة سرير في حجلة ، أو كل ما يتكأ عليه من سرير ومنصة وفراش ، أو سرير متخذ مزين في قبة أو بيت فإن لم يكن فيه سرير فهو حجلة والجمع أرائك .
{ نعم الثواب } ذلك الذي أثابهم به الله وهو الجنة { وحسنت } تلك الأرائك في الجنات { مرتفقا } أي متكأ ومقرا ومجلسا ومنتفعا ومسكنا ومنزلا وقد تقدم قريبا . وقد اشتمل هذا القول على خمسة أنواع من الثواب :الأول :لهم جنات عدن ، الثاني : تجري من تحتهم إلخ ، الثالث :يحلون فيها ، الرابع :ويلبسون ، الخامس : متكئين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.