قوله : { مِنْ أَسَاوِرَ } : في " مِنْ " هذه أربعةُ أوجه ، أحدُها : أنَّها للابتداءِ . والثاني : أنها للتعيض . والثالث : أنها لبيان الجنسِ ، لأي : شيئاً مِنْ أساور . والرابع : أنها زائدةٌ عند الأخفش ، ويَدُلُّ عليه قولُه : { وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ }
[ الإِنسان : 21 ] . ذكر هذه الثلاثةَ الأخيرةَ أبو البقاء .
وأساوِر جمع أَسْوِرة ، وأَسْوِرة جمعُ سِوار ، كحِمار وأَحْمِرة ، فهو جمعُ الجمع . جمع إسْوار . وأنشد :
واللهِ لولا صِبْيَةٌ صِغارُ *** كأنَّما وجوهُهمْ أَقْمارُ
- أخافُ أَنْ يُصِيبهم إقتارُ *** أو لاطِمٌ ليسَ له إسْوارُ
- لمَّا رآني مَلِكٌ جَبَّارُ *** ببابِه ما طَلَعَ النَّهارُ
وقال أبو عبيدة : " هو جمعُ " إسوار " على حذف الزيادة ، وأصله أساوِيرْ .
وقرأ أبان بن عاصم " أَسْوِرة " جمعَ سِوار وستأتي إنْ شاء الله تعالى في الزخرف هاتان القراءتان في المتواتر ، وهناك أذكُر إن شاء الله تعالى الفرقَ .
والسَّوارُ يُجمع في القِلَّة على " أَسْوِرة " وفي الكثرة على " سُور " بسكون الواو ، وأصلُها كقُذُل وحُمُر ، وإنما سُكِّنَتْ لأجلِ حرفِ العلة . وقد يُضَمُّ في الضرورة ، وقال :
عن مُبْرِقاتٍ بالبُرِيْنَ وتَبْ *** دُو في الأكفِّ اللامعاتِ سُوُرْ
وقال أهل اللغة : السَّوار ما جُعِلَ في الذِّراعِ مِنْ ذهبٍ أو فضة أو نُحاس ، فإن كان مِنْ عاج فهو قُلْبٌ .
قوله : { مِن ذَهَبٍ } يجوز أن تكونَ للبيان ، وأَنْ تكونَ للتبعيض . ويجوز أَنْ تتعلَّقَ بمحذوفٍ صفةً لأساوِر فموضعُه جر ، وأن تتعلَّقَ بنفس " يُحَلُّوْنَ " فموضعها نصب .
قوله : { وَيَلْبَسُونَ } عطفٌ على " يُحَلَّوْن " . وبُني الفعل في التحلية للمفعول إيذاناً بكرامتِهم ، وأنَّ غيرَهم يَفعل لهم ذلك ويُزَيِّنُهم به ، كقولِ امرئِ القيس .
غرائرُ في كِنٍّ وصَوْنٍ ونَعْمةٍ *** يُحَلِّيْنَ ياقُوتاً وشَذْراً مُفَقَّراً
بخلافِ اللَّبس فإنَّ الإِنسان يتعاطاه بنفسه . وقُدِّم التحلِّي على الِّلباس لأنه أَشْهَى للنفسِ .
وقرأ أبان بن عاصم " وَيَلْبِسُونَ " بكسر الباء .
قوله : { مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ } " مِنْ " لبيانِ الجنس وهي نعتٌ لثياب .
والسُّنْدُسُ : ما رَقَّ من الدِّيباج . والإِستبرق : ما غَلُظَ منه وهما جمعُ سُنْدُسة واسْتَبْرَقَة . وقيل : ليسا جمعَيْنِ . وهل " اسْتَبْرق " عربيُّ الأصلِ مشتق من البريق ، أو معرِّبٌ أصلُه استبره ؟ خلافٌ بين اللغويين . وقيل : الإِستبرق اسم للحرير . وأنشد للمرقش :
تراهُنَّ يَلْبِسْنَ المشاعِرَ مَرَّةً *** وإستبرقُ الديباجُ طَوْراً لِباسُها
وهو صالحٌ لِما تقدَّم . وقال ابنُ بحر : " الإِستبرق : ما نُسج بالذهب " .
ووَزْنُ سُنْدُس : فُعْلُل ونونُه أصلية .
وقرأ ابن محيصن " واسْتَبرقَ " بوصلِ الهمزة وفتح القافِ غيرَ منونة . فقال ابن جني : هذا سهوٌ أو كالسهوِ " . قلت : كأنه زعم أنَّه مَنَعه الصرفَ ولا وجهَ لمنعِه ، لأنَّ شرطَ مَنْعِ الاسمِ الأعجمي أَنْ يكونَ عَلَماً وهذا اسمُ جنسٍ . وقد وجَّهها غيرُه على أنه جَعَلَه فعلاً ماضياً من البريق ، واستَفْعَلَ بمعنى فَعَلَ المجرد نحو : قَرَّ واستقرَّ .
وقال الأهوازيُّ في " الإِقناع " : " واستبرق بالوصلِ وفتحِ/ القاف حيث كان لا يَصْرِفُه " فظاهرُ هذا أنه اسمٌ ، وليس بفعلٍ وليس لمنعِه وجهٌ ، كما تقدَّم عن ابن جني ، وصاحب " اللوامح " لمَّا ذكر وَصْلَ الهمزةِ لم يَزِد على ذلك ، بل نَصَّ على بقائِه منصرفاً ولم يذكر فتح القاف أيضاً فقال : " ابن محيصن " واستبرق " يوصلِ الهمزة في جميع القرآن ، فيجوز أنه حذف الهمزةَ تخفيفاً على غيرِ قياسٍ ، ويجوز أنَّه جعله عربياً مِنْ بَرِق يَبْرُقُ بَرْيقاً ، ووزنُه استفعل ، فلمَّا سُمِّي به عامَلَه معاملَةَ الفعل في وَصْلِ الهمزةِ ، ومعاملةَ الممتكنةِ من الأسماء في الصرف والتنوين ، وأكثرُ التفاسيرِ على أنَّه عربية وليس بمستعربٍ ، دَخَل في كلامِهم فاعربوه " .
قوله : " مُتَّكئين " حال والأرائِكُ : جمعُ أَرِيْكَة وهي الأَسِرَّة بشرط أن تكونَ في الحِجالِ فإن لم تكنْ لم تُسَمَّ أَرْيْكَة . وقيل : الأرائِكُ : الفُرُش في الحَجال أيضاً . وقال الارغب : " الأَرِيْكة : حَجَلَةٌ على سريرٍ ، وتسميتها بذلك : إمَّا لكونِها في الأرض مُتَّخَذَةً مِنْ أَراك ، أو مِنْ كونها مكاناً للإِقامة من قولهم : أَرَك بالمكان أُرُوكاً ، وأصل الأُروك الإِقامةُ على رَعْيِ الأَراكِ ، ثم تُجُوِّز به في غيره من الإِقامات " .
وقرأ ابن محيصن : " عَلَّرَائك " وذلك : أنَّه نَقَل حركةَ الهمزةِ إلى لامِ التعريف فالتقى مِثْلان : لامُ " على " - فإنَّ ألفها حُذفَتْ لالتقاءِ الساكنين- ولامُ التعريف ، واعتدَّ بحركة النقل فأدغم اللامَ في اللامِ ، فصار اللفظُ كما ترى ، ومثلُه قولُ الشاعر :
فما أصبحَتْ عَلَّرْضِ نَفْسٌ بريئةٌ *** ولا غيرُها إلا سليمانُ نالها
يريد " على الأرض " . وقد تقدَّم قراءةٌ قريبةٌ مِنْ هذه أولَ البقرة : بما أُنْزِلَّيْكَ " ، أي : أُنْزِلَ إليك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.