السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَيَلۡبَسُونَ ثِيَابًا خُضۡرٗا مِّن سُندُسٖ وَإِسۡتَبۡرَقٖ مُّتَّكِـِٔينَ فِيهَا عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِۚ نِعۡمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتۡ مُرۡتَفَقٗا} (31)

{ أولئك لهم جنات عدن } ، أي : إقامة فكأنه قيل فما لهم فيها فقيل : { تجري من تحتهم } ، أي : من تحت منازلهم { الأنهار } وذلك لأنّ أفضل المساكن ما كان تجري فيه الأنهار أو الماء فكأنه قيل ثم ماذا فقيل : { يحلون فيها } وبنى الفعل المجهول لأنّ المقصود وجود التحلية وهي لعزتها إنما يؤتى بها من الغيب فضلاً من الله تعالى .

ولما كانت نعم الله لا تحصى نوع منها قال تعالى مبعضاً : { من أساور } جمع أسورة كأحمرة جمع سوار كما يلبس ذلك ملوك الدنيا من جبابرة الكفرة في بعض الأقاليم كأهل فارس وقيل من زائدة ، وقيل للابتداء ومن في قوله تعالى : { من ذهب } للبيان صفة لأساور وتنكيرها لتعظيم جنسها عن الإحاطة به . وقيل للتبعيض . ولما كان اللباس جزاء العمل فكان موجوداً عندهم أسند الفعل إليهم فقال : { ويلبسون ثياباً خضراً } لأنّ الخضرة أحسن الألوان وأكثرها طراوة ثم وصفها بقوله تعالى : { من سندس } وهو ما رقّ من الديباج { وإستبرق } وهو ما غلظ منه جمع بين النوعين للدلالة على أنّ فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وفي آية أخرى { بطائنها من إستبرق } [ الرحمن ، 54 ] فيكون الغليظ بطانة للرقيق ، ثم استأنف الوصف عن حال جلوسهم فيها بأنه جلوس الملوك المتمكنين من النعيم فقال تعالى : { متكئين فيها } ، أي : لأنهم في غاية الراحة { على الأرائك } جمع أريكة وهي السرير في الحجلة وهي بيت يزين بالثياب والستور للعروس ثم مدح هذا بقوله تعالى : { نعم الثواب } ، أي : الجزاء الجنة لو لم يكن لها وصف غير ما سمعتم فكيف ولها من الأوصاف ما لا يعلمه حق علمه إلا الله تعالى وإلى ذلك أشار بقوله تعالى : { وحسنت } ، أي : الجنة كلها وبين ذلك بقوله تعالى : { مرتفقاً } ، أي : مقرّاً ومرتفقاً ومجلساً .