المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُۥ وَأَهۡلَهُۥ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِۦ مَا شَهِدۡنَا مَهۡلِكَ أَهۡلِهِۦ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ} (49)

49- قال أولئك المشركون بعضهم لبعض : تبادلوا القسم بالله لنغيرن عليه هو وأهله ونقتلهم ، ثم نقول لولي دمه : ما شهدنا هلاكه ولا هلاك أهله ، وإنا لصادقون فيما ذكرنا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُۥ وَأَهۡلَهُۥ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِۦ مَا شَهِدۡنَا مَهۡلِكَ أَهۡلِهِۦ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ} (49)

وقوله : { تَقَاسَمُواْ } فعل أمر محكى بالقول ، بمعنى : احلفوا بالله ، ويجوز أن يكون فعلا ماضيا مفسرا لقالوا ، فكأنه قيل : ما الذى قالوا ؟ فكان الجواب : تقاسموا أى : أقسموا .

وقوله : { لَنُبَيِّتَنَّهُ } من البيات وهو مباغتة العدو ليلا لقتله . يقال بيت القوم العدو ، إذا أوقعوا به ليلا .

والمراد بوليه : المطالبون بدمه من أقاربه ، وفى ذلك إشارة إلى أن هؤلاء الظالمين لم يكونوا ليستطيعوا قتل صالح - عليه السلام - علانية ، خوفا من مناصرة أقاربه له .

و { مَهْلِكَ } بضم الميم وفتح اللام - من أهلك الرباعى ، فهو أيضا مصدر ميمى من أهلك ، ويجوز أن يكون اسم زمان أو مكان .

والمعنى : وكان فى المدينة التى يسكنها صالح - عليه السلام - وقومه ، تسعة أشخاص ، دأبهم وديدنهم ، الإفساد فى الأرض ، وعدم الإصلاح فيها ، بأى حال من الأحوال .

وقد تعاهد هؤلاء التسعة . وأكدوا ما تعاهدوا عليه بالأيمان المغلظة . على أن يباغتوا نبيهم وأهله ليلا ، فيقتلوهم جميعا ، ثم ليقولن بعد جريمتهم الشنعاء لأقارب صالح - عليه السلام - : ما حضرنا هلاك أهله وهلاك صالح معهم ، ولا علم عندنا بما حل بهم وبه من قتل ، وإنا لصادقون فى كل ما قلناه .

وهكذا المفسدون فى الأرض ، يرتكبون أبشع الجرائم وأشنعها ، ثم يبررونها بالحيل الساذجة الذميمة ثم بعد ذلك يحلفون بأغلظ الأيمان أنهم بريئون من تلك الجرائم .

ومن العجيب أن هؤلاء المجرمين الغادرين يقولون فيما بينهم : { تَقَاسَمُواْ بالله } أى : احلفوا بالله ، على أن تنفذوا ما اتفقنا عليه من قتل صالح وأهله ليلا غيلة وغدرا . فهم يؤكدون إصرارهم على الإجرام بالحلف بالله ، مع أن الله - تعالى - برئى منهم ومن غدرهم .

وقولهم : { مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ } نفى منهم لحضور قتلهم ، فضلا عن مباشرة قتلهم ، كأنهم أرادوا بهذه الجملة الإتيان بحيلة يبررون بها كذبهم ، أى : أننا قتلناهم فى الظلام ، فلم نشاهد أشخاصهم ، وإنا لصادقون فى ذلك .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُۥ وَأَهۡلَهُۥ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِۦ مَا شَهِدۡنَا مَهۡلِكَ أَهۡلِهِۦ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ} (49)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{قالوا تقاسموا بالله} يعني: تحالفوا بالله عز وجل {لنبيتنه وأهله} ليلا بالقتل يعني: صالحا وأهله، {ثم لنقولن لوليه} يعني: ذا رحم صالح إن سألوا عنه {ما شهدنا مهلك أهله} قالوا: ما ندري من قتل صالحا وأهله، ما نعرف الذين قتلوه {وإنا لصادقون} فيما نقول.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"قالُوا تَقاسَمُوا باللّهِ لَنُبَيّتَنّهُ وأهْلَهُ" يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء التسعة الرهط الذين يُفسدون في أرض حجر ثمود ولا يصلحون، تقاسموا بالله: تحالفوا بالله أيها القوم، ليحلف بعضكم لبعض: لنبيتنّ صالحا وأهله، فلنقتلنه، ثم لنقولنّ لوليه: ما شهدنا مهلك أهله...

وقوله: "وَإنّا لَصَادقُونَ "نقول لوليه: وإنا لصادقون، أنا ما شهدنا مُهلِكَ أهله.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} أي لنقتلنه وأهله ليلاً، والبيات: قتل الليل.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما اقتضى السياق السؤال عن بيان بعض حالهم، أجاب بقوله: {قالوا تقاسموا} أمر مما منه القسم، أي أوقعوا المقاسمة والمحالفة بينكم {بالله} أي الذي لا سمى له لما شاع من عظمته، وشمول إحاطته في علمه وقدرته، فليقل كل منكم عن نفسه ومن معه إشارة إلى أنكم كالجسد الواحد: {لنبيتنّه} أي صالحاً {وأهله} أي لنهلكن الجميع ليلاً، فإن البيات مباغتة العدو ليلاً.

ولما كانت العادة جارية بأن المبيتين لا بد أن يبقى بعضهم، قالوا: {ثم لنقولن لوليّه} أي المطالب بدمه إن بقي منهم أحد: {ما شهدنا} أي حضرنا حضوراً تاماً {مهلك} أي هلاك {أهله} أي أهل ذلك الولي فضلاً عن أن نكون باشرنا، أو أهل صالح عليه السلام فضلاً عن أن نكون شهدنا مهلك صالح أو باشرنا قتله ولا موضع إهلاكهم. ولما كانت الفجيعة من وليه بهلاكه -عليه السلام- أكثر من الفجيعة بهلاك أهله وأعظم، كان في السياق بالإسناد إلى الولي -على تقدير كون الضمير لصالح عليه السلام- أتم إرشاد إلى أن التقدير: ولا مهلكه.

ولما كانوا قد صمموا على هذا الأمر، وظنوا أنفسهم على المبالغة في الحلف والاجتراء على الكذب فقالو: {وإنا} أي ونقول في جملة القسم تأكيداً للقسم، إيهاماً لتحقق الصدق: وإنا {لصادقون} فيا للعجب من قوم إذا عقدوا اليمين فزعوا إلى الله العظيم، ثم نفروا عنه نفور الظليم، إلى أوثان أنفع منها الهشيم.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

... وهذا الجزء من قصة ثمود لم يذكر في غير هذه السورة. وأحسب أن سبب ذكره أن نزول هذه السورة كان في وقتتٍ تآمرَ فيه المشركون على الإيقاع بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو التآمر الذي حكاه الله في قوله: {وإذ يمكُرُ بك الذين كفروا ليُثْبِتُوك أو يَقْتُلُوك أو يُخْرِجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} [الأنفال: 30]؛ فضرب الله لهم مثلاً بتآمر الرهط من قوم صالح عليه ومكرِهم وكيف كان عاقبة مكرهم، ولذلك ترى بين الآيتين تشابهاً وترى تكرير ذكر مكرهم ومكر الله بهم، وذكر أن في قصتهم آية لقوم يعلمون.