وقوله - تعالى - : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى } إرشاد منه - سبحانه - إلى الطريقة التى ينبغى لهما أن يسلكاها فى مخاطبة فرعون .
أى : اذهبا إليه ، وادعواه إلى ترك ما هو فيه من كفر وطغيان ، وخاطباه بالقول اللين ، وبالكلام الرقيق .
فإن الكلام السهل اللطيف من شأنه أن يكسر حدة الغضب ، وأن يوقظ القلب للتذكر ، وأن يحمله على الخشية من سوء عاقبة الكفر والطغيان .
وهذا القول اللين الذى أمرهما الله - تعالى - به هنا قد جاء ما يفسره فى آيات أخرى ، وهى قوله - تعالى - : { اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى فَقُلْ هَل لَّكَ إلى أَن تزكى وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فتخشى . . } فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد اشتملت على ألطف أساليب المخاطبة وأرقها وألينها وأحكمها .
قال ابن كثير : قوله { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً . . } هذه الآية فيها عبرة عظيمة ، وهى أن فرعون كان فى غاية العتو والاستكبار ، وموسى كان صفوة الله من خلقه إذ ذاك ، ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين كما قال يزيد الوقاشى عند قراءته لهذه الآية : يا من يتحبب إلى من يعاديه ، فكيف بمن يتولاه ويناديه ؟
والحاصل أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين قريب سهل ، ليكون أوقع فى النفوس وأبلغ وأنجع ، كما قال - تعالى - : { ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ . . } والترجى فى قوله - تعالى - : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى } على بابه إلا أنه يعود إلى موسى وهارون .
أى : اذهبا إليه ، وألينا له القول ، وباشرا الأمر معه مباشرة من يرجو ويطمع فى نجاح سعيه ، وحسن نتيجة قوله .
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : والترجى لهما أى : اذهبا على رجائكما وطمعكما وباشرا الأمر مباشرة من يرجو أن يثمر عليه فهو يجتهد بطوقه ، ويحتشد - أى - يستعد ويتأهب - بأقصى وسعه ، وجدوى إرسالهما إليه مع العلم أنه لن يؤمن ، إلزام الحجة ، وقطع المعذرة ، كما قال - تعالى - : { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ونخزى } ويرى بعضهم أن الترجى هنا للتعليل . أى : فقولا له قولا لينا لأجل أن يتذكر أو يخشى .
قال الآلوسى : قال الفراء : " لعل " هنا بمعنى كى التعليلية . . . وعن الواقدى : أن جميع ما فى القرآن من " لعل " فإنها للتعليل ، إلا قوله - تعالى - { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } فإنها للتشبيه أى : كأنكم تخلدون .
( فقولا له قولا لينا )فالقول اللين لا يثير العزة بالإثم ؛ ولا يهيج الكبرياء الزائف الذي يعيش به الطغاة . ومن شأنه أن يوقظ القلب فيتذكر ويخشى عاقبة الطغيان .
اذهبا إليه غير يائسين من هدايته ، راجيين أن يتذكر ويخشى . فالداعية الذي ييأس من اهتداء أحد بدعوته لا يبلغها بحرارة ، ولا يثبت عليها في وجه الجحود والإنكار .
وإن الله ليعلم ما يكون من فرعون . ولكن الأخذ بالأسباب في الدعوات وغيرها لا بد منه . والله يحاسب الناس على ما يقع منهم بعد أن يقع في عالمهم . وهو عالم بأنه سيكون . فعلمه تعالى بمستقبل الحوادث كعلمه بالحاضر منها والماضي في درجة سواء .
والقول اللين قالت فرقة : معناه كنياه{[2]} وقالت فرقة بل أمرهما بتحسين الكلمة .
قال القاضي أبو محمد : وهذا هو الوجه ، وذلك أن كل من يريد دعاء إنسان إلى أمر يكرهه فإنما الوجه أن يحرر في عبارته الذي يريد حتى لا يخل به ولا يخر منه ، ثم يجتهد بعد ذلك في أن تكون عبارة لطيفة ومقابلته لينة وذلك أجلب للمراد فأمر الله تعالى موسى وهارون أن يسلكا مع فرعون إكمال الدعوة في لين من القول . وقوله { لعله } معناه على رجائكما وطمعكما فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.