وبعد هذا الحديث المتنوع عن قصص بعض الأنبياء ، ساق - سبحانه - ما يدل على وحدانيته ، وكمال قدرته ، وسعة فضله على عباده ، فقال - تعالى - : { قُلِ الحمد لِلَّهِ . . . } .
قال صاحب البحر المحيط : لما فرغ - سبحانه - من قصص هذه السورة ، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بحمده - تعالى - والسلام على المصطفين ، وأخذ فى مباينة واجب الوجود وهو الله - تعالى - ومباينة الأصنام والأديان التى أشركوها مع الله وعبدوها ، وابتدأ فى هذا التقرير لقريش وغيرهم بالحمد لله ، وكأنها صدر خطبة ، لما يلقى من البراهين الدالة على الوحدانية والعلم والقدرة . وقد اقتدى بذلك المسلمون فى تصانيف كتبهم ، وخطبهم ، ووعظهم ، فافتتحوا بتحميد الله ، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وتبعهم المتراسلون فى أوائل كتب الفتوح والتهانى والحوادث التى لها شأن .
والمعنى : قل - أيها الرسول الكريم - للناس : { الحمد لِلَّهِ } - تعالى - وحده ، فهو - سبحانه - صاحب النعم والمنن على عباده ، وهو - عز وجل - الذى له الخلق والأمر وليس لأحد سواه .
وقل - أيضا - { وَسَلاَمٌ على عِبَادِهِ الذين اصطفى } أى : أمان وتحية لعباده الذين اصطفاهم واختارهم - سبحانه - لحمل رسالته وتبليغ دعوته ، والاستجابة لأمره ونهيه ، والطاعة له فى السر والعلن .
والاستفهام فى قوله { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } للإنكار والتقريع ، والألف منقلبة عن همزة الاستفهام .
أى : وقل لهم - أيها الرسول الكريم - آلله الذى له الخلق والأمر ، والذى أنعم عليكم بالنعم التى لا تحصى ، خير ، أم الآلهة الباطلة التى لا تنفع ولا تضر ، والتى يعبدها المشركون من دون الله - تعالى - . إن كل من عنده عقل ، لا يشك فى أن المستحق للعبادة والطاعة ، هو الله رب العالمين .
ولفظ { خَيْرٌ } ليس للتفضيل ، وإنما هو من باب التهكم بهم ، إذ لا خير فى عبادة الأصنام أصلا . وقد حكى عن العرب أنهم يقولون : السعادة أحب إليك أم الشقاوة ، مع أنه لا خير فى الشقاوة إطلاقا .
قال الآلوسى : وقوله { ءَآللَّهُ } بالمد لقلب همزة الاستفهام ألفا ، والأصل أألله ؟ { خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } والظاهر أن ( ما ) موصولة ، والعائد محذوف أى : آلله الذى ذكرت شئونه العظيمة خير أم الذى يشركونه من الأصنام و { خَيْرٌ } أفعل تفضيل ، ومرجع الترديد إلى التعريض بتبكيت الكفرة من جهته - عز وجل - وتسفيه آرائهم الركيكة ، والتهكم بهم ، إذا من البين أنه ليس فيما أشركوه به - سبحانه - شائبة خير ، حتى يمكن أن يوازن بينه وبين من هو خير محض . .
قل : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . آلله خير أم ما يشركون ? . .
يأمر الله رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يقول الكلمة التي تليق أن يفتتح بها المؤمن حديثه ودعوته وجداله ، وأن يختمه كذلك : ( قل : الحمد لله ) . . المستحق للحمد من عباده على آلائه ، وفي أولها هدايتهم إليه ، وإلى طريقه الذي يختاره ، ومنهجه الذي يرضاه . ( وسلام على عباده الذين اصطفى )لحمل رسالته وتبليغ دعوته ، وبيان منهجه .
وبعد هذا الإفتتاح يأخذ في توقيعاته على القلوب المنكرة لآيات الله ، مبتدئا بسؤال لا يحتمل إلا إجابة واحدة ، يستنكر به أن يشركوا بالله هذه الآلهة المدعاة :
وما يشركون أصنام وأوثان ، أو ملائكة وجن ، أو خلق من خلق الله على أية حال ، لا يرتقي أن يكون شبيها بالله - سبحانه - فضلا على أن يكون خيرا منه . ولا يخطر على قلب عاقل أن يعقد مقارنة أو موازنة . ومن ثم يبدو هذا السؤال بهذه الصيغة وكأنه تهكم محض ، وتوبيخ صرف ، لأنه غير قابل أن يوجه على سبيل الجد ، أو أن يطلب عنه جواب !
يقول تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول : { الْحَمْدُ لِلَّهِ } أي : على نعَمه على عباده ، من النعم التي لا تعد ولا تحصى ، وعلى ما اتصف به من الصفات العُلى والأسماء الحسنى ، وأن يُسَلِّم على عباد الله الذين اصطفاهم واختارهم ، وهم رسله وأنبياؤه الكرام ، عليهم من الله الصلاة والسلام ، هكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيره : إن المراد بعباده الذين اصطفى : هم الأنبياء ، قال : وهو كقوله تعالى : { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الصافات : 180 - 182 ] .
وقال الثوري ، والسدي : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، رضي [ الله ]{[22094]} عنهم أجمعين ، وروي نحوه عن ابن عباس .
ولا منافاة ، فإنهم إذا كانوا من عباد الله الذين اصطفى ، فالأنبياء بطريق الأولى والأحرى ، والقصد أن الله تعالى أمر رسوله ومن اتبعه بعد ما ذكر لهم{[22095]} ما فعل بأوليائه من النجاة والنصر والتأييد ، وما أحل بأعدائه من الخزي والنكال والقهر ، أن يحمدوه على جميع{[22096]} أفعاله ، وأن يسلموا على عباده المصطفين الأخيار .
وقد قال أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عمارة بن صَبِيح ، حدثنا طَلْق بن غنام ، حدثنا الحكم بن ظُهَيْر ، عن السدي - إن شاء الله - عن أبي مالك ، عن ابن عباس : { وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى } قال : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اصطفاهم الله لنبيه ، رضي الله عنهم{[22097]} .
وقوله : { آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ } : استفهام إنكار على المشركين في عبادتهم مع الله آلهة أخرى .
قرأ أبو السمال «قلَ » بفتح اللام وكذلك في آخر السورة{[9042]} وهذا ابتداء تقرير وتنبيه لقريش وهو بعد يعم كل مكلف من الناس جميعاً ، وافتتح ذلك بالقول بحمده وتحميده وبالسلام على عباده الذين اصطفاهم للنبوءة والإيمان ، فهذا اللفظ عام لجميعهم من بني آدم ، وكان هذا صدر خطبة للتقرير المذكور . وقال ابن عباس العباد المسلم عليهم هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واصطفاهم لنبيه .
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا الاختصاص توبيخ للمعاصرين من الكفار ، وقال الفراء الأمر بالقول في هذه الآية هو للوط عليه السلام .
قال القاضي أبو محمد : وهذه عجمة من الفراء رحمه الله ، ثم وقف قريشاً والعرب على جهة التوبيخ على موضع التباين بين الله عز وجل وبين الأوثان والأنصاب ، وقرأ جمهور الناس «تشركون » بالتاء من فوق ، وحكى المهدوي عن أبي عمرو وعاصم «يشركون » بالياء من تحت ، وفي هذا التفضيل بلفظة { خير } أقوال ، أحدها أن التفضيل وقع بحسب معتقد المشركين إذ كانت تعتقد أن في آلهتها خيراً بوجه ما ، وقالت فرقة في الكلام حذف مضاف في موضعين التقدير أتوحيد الله خير أم عبادة ما تشركون ، ف { ما } في هذه الآية بمعنى الذي ، وقالت فرقة «ما » مصدرية وحذف المضاف إنما هو أولاً تقديره أتوحيد الله خير أم شرككم ، وقيل { خير } هنا ليست بأفعل إنما هي فعل كما تقول الصلاة خير دون قصد تفضيل .
قال القاضي أبو محمد : وقد تقدم أن هذه الألفاظ التي تعم معاني كثيرة كخير وشر وأحب ونحو ذلك قد يقع التفضيل بها بين أشياء متباينة لأن المتباينات قدر بما اشترك فيها ولو بوجه ضعيف بعيد ، وأيضاً فهذا تقرير والمجادل يقرر خصمه على قسمين أحدهما فاسد ، ليرى وقوعه وقد استوعبنا هذا فيما مضى ، وقالت فرقة تقدير هذه الآية «الله ذو خير أما تشركون » .
قال القاضي أبو محمد : وهذا النوع من الحذف بعيد تأوله ، وقرأ الحسن وقتادة وعاصم «يشركون » بالياء من تحت ، وقرأ أهل المدينة ومكة والكوفة بالتاء من فوق .
{ قل الحمد لله وسلام على عبادة الذين اصطفى }
لما استوفى غرض الاعتبار والإنذار حقه بذكر عواقب بعض الأمم التي كذبت الرسل وهي أشبه أحوالاً بأحوال المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالكتاب الذي أنزل عليه ، وفي خلال ذلك وحَفَافيه تسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ما يلقاه من قومه أقبل الله بالخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يلقنه ماذا يقوله عقب القصص والمواعظ السالفة استخلاصاً واستنتاجاً منها ، وشكر الله على المقصود منها .
فالكلام استئناف والمناسبة ما علمت . أمر الرسول بالحمد على ما احتوت عليه القصص السابقة من نجاة الرسل من العذاب الحال بقومهم وعلى ما أعقبهم الله على صبرهم من النصر ورفعة الدرجات . وعلى أن أهلك الأعداء الظالمين كقوله { فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين } [ الأنعام : 45 ] ونظيره قوله في سورة العنكبوت ( 63 ) { قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون } وقوله في آخر هذه السورة ( 93 ) { وقل الحمد لله سيريكم } الآية . فأمر الرسول بحمد الله على ذلك باعتبار ما أفاده سوق تلك القصص من الإيماء إلى وعد الرسول بالنصر على أعدائه . فقوله { قل الحمد لله } أمر للرسول صلى الله عليه وسلم بإنشاء حمد الله . وقد تقدمت صيغة الحمد في أول الفاتحة .
وعطف على المأمور بأن يقوله من الحمد أمر بأن يتبعه بالسلام على الرسل الذين سبقوه قدراً لقدر ما تجشموه في نشر الدين الحق .
وأصل { سلام } سلمت سلاماً ، مقصود منه الإنشاء فحذف الفعل وأقيم مفعوله المطلق بدلاً عنه . وعدل عن نصب المفعول المطلق إلى تصييره مبتدأ مرفوعا للدلالة على الثبات والدوام كما تقدم عند قوله { الحمد لله } في أول سورة الفاتحة ( 2 ) .
والسلام في الأصل اسم يقوله القائل لمن يلاقيه بلفظ : سلام عليك ، أو السلام عليك . ومعناه سلامة وأمنٌ ثابت لك لا نكول فيه ، لما تؤذن به ( على ) من الاستعلاء المجازي المراد به التمكن كما في { أولئك على هدى من ربهم } [ البقرة : 5 ] .
وأصل المقصود منه هو التأمين عند اللقاء إذ قد تكون بين المتلاقين إحَن أو يكون من أحدهما إغراء بالآخر ، فكان لفظ ( السلام عليك ) كالعهد بالأمان . ثم لما كانت المفاتحة بذلك تدل على الابتداء بالإكرام والتلطف عند اللقاء ونية الإعانة والقرى ، شاع إطلاق كلمة : السلام عليك ، ونحوها عند قصد الإعراب عن التلطف والتكريم وتنوسي ما فيها من معنى بذل الأمن والسلامة ، فصار الناس يتقاولونها في غير مظان الريبة والمخافة فشاعت في العرب في أحيائهم وبيوتهم وصارت بمنزلة الدعاء الذي هو إعراب عن إضمار الخير للمدعو له بالسلامة في حياته . فلذلك قال تعالى { فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة } كما تقدم في سورة النور ( 61 ) وصار قول : السلام ، بمنزلة قول : حياك الله ، ولكنهم خصُّوا كلمة : ( حياك الله ) بملوكهم وعظمائهم فانتقلت كلمة ( السلام عليكم ) بهذا إلى طور آخر من أطوار استعمالها من عهد الجاهلية وقد قيل إنها كانت تحية للبشر من عهد آدم .
ثم ذكر القرآن السلام من عند الله تعالى على معنى كونه معاملة منه سبحانه بكرامة الثناء وحسن الذكر للذين رضي الله عنهم من عباده في الدنيا كقوله حكاية عن عيسى إذ أنطقه بقوله { والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت } [ مريم : 33 ] . وكذلك في الآخرة وما في معناها من أحوال الأرواح بعد الموت كقوله عن عيسى { ويوم أبعث حياً } [ مريم : 33 ] ، وقوله عن أهل الجنة { لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولاً من رب رحيم } [ يس : 57 ، 58 ] .
وجاء في القرآن السلام على خمسة من الأنبياء في سورة الصافات . وأيضاً أمر الله الأمة بالسلام على رسولها فقال { يأ أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً } [ الأحزاب : 56 ] أي قولوا : السلام عليك أيها النبي لأن مادة التفعيل قد يُؤتى بها للدلالة على قول منحوب من صيغة التفعيل ، فقوله : { سلّموا تسليماً } معناه : قولوا كلمة السلام . مثل بسمل ، إذا قال : بسم الله ، وكبر ، إذا قال : الله أكبر . وفي الحديث تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين .
ومعنى { وسلام على عباده الذين اصطفى } إنشاء طلب من الله أن يسلم على أحد المصطفين ، أي أن يجعل لهم ذكراً حسناً في الملأ الأعلى .
فإذا قال القائل : السلام على فلان ؛ وفلان غائب أو في حكم الغائب كان ذلك قرينة على أن المقصود الدعاء له بسلام من الله عليه . فقد أزيل منه معنى التحية لا محالة وتعين للدعاء ، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين . عن أن يقولوا في التشهد : السلام على الله السلام على النبي السلام على فلان وفلان . فقال لهم " إن الله هو السلام " أي لا معنى للسلام على الله في مقام الدعاء لأن الله هو المدعو بأن يسلم على من يطلب له ذلك .
فلما أمر تعالى في هذه السورة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول { سلام على عباده الذين اصطفى } فقد عيّن له هذه الجملة ليقولها يسأل من الله أن يكرم عباده الذين اصطفى بالثناء عليهم في الملأ الأعلى وحسن الذكر ، إذ قصارى ما يستطيعه الحاضر من جزاء الغائب على حسن صنيعه أن يبتهل إلى الله أن ينفحه بالكرامة .
والعباد الذين اصطفاهم الله في مقدمتهم الرسل والأنبياء ويشمل ذلك الصالحين من عباده كما في صيغة التشهد : « السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » . وسيأتي الكلام على التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الأحزاب .
{ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا تشركون }
هذا مما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقوله فأمر أن يقول : { الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى } تمهيداً لقوله : { آللَّه خير أما تشركون } لأن العباد الذين اصطفاهم الله جاؤوا كلهم بحاصل هذه الجملة .
وأمر أن يشرع في الاستدلال على مسامع المشركين فيقول لهم هذا الكلام ، بقرينة قوله { أما تشركون } بصيغة الخطاب في قراءة الجمهور ، ولأن المناسب للاستفهام أن يكون موجهاً إلى الذين أشركوا بالله ما لا يخلق ولا يرزق ولا يفيض النعم ولا يستجيب الدعاء ، فليس هذا لقصد إثبات التوحيد للمسلمين .
والاستفهام مستعمل في الإلجاء وإلزام المخاطب بالإقرار بالحق وتنبيهه على خطئه . وهذا دليل إجمالي يقصد به ابتداء النظر في التحقيق بالإلهية والعبادة . فهذا من قبيل ما قال الباقلاني وإمام الحرمين وابن فورك إن أول الواجبات أول النظر أو القصد إلى النظر ثم تأتي بعده الأدلة التفصيلية ، وقد ناسب إجماله أنه دليل جامع لما يأتي من التفاصيل فلذلك جيء فيه بالاسم الجامع لمعاني الصفات كلها ، وهو اسم الجلالة . فقيل : { آللَّه خير } . وجيء فيما بعد بالاسم الموصول لما في صلاته من الصفات .
وجاء { خير } بصيغة التفضيل لقصد مجاراة معتقدهم أن أصنامهم شركاء الله في الإلهية بحيث كان لهم حظ وافر من الخير في زعمهم ، فعبّر ب { خير } لإيهام أن المقام لإظهار رجحان إلهية الله تعالى على أصنامهم استدراجاً لهم في التنبيه على الخطأ مع التهكم بهم إذ آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله . والعاقل لا يؤثر شيئاً على شيء إلا لداع يدعو إلى إيثاره ، ففي هذا الاستفهام عن الأفضل في الخير تنبيه لهم على الخطأ المفرط والجهل المورط لتنفتح بصائرهم إلى الحق إن أرادوا اهتداء . والمعنى : ءالله الحقيق بالإلهية أم ما تشركونهم معه .
والاستفهام على حقيقته بقرينة وجود { أم } المعادلة للهمزة فإن التهكم يبنى على الاستعمال الحقيقي .
وهذا الكلام كالمقدمة للأدلة الآتية جميعها على هذا الدليل الإجمالي كما ستعلمه . .
وقرأ الجمهور { تشركون } بتاء الخطاب . وقرأه أبو عمرو وعاصم ويعقوب بياء الغيبة فيكون القول الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم محكياً بالمعنى روعي فيه غيبة المشركين في مقام الخطاب بالأمر .
و { ما } موصولة والعائد محذوف . والتقدير : ما يشركونها إياه ، أي أصنامكم .