فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ وَسَلَٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَىٰٓۗ ءَآللَّهُ خَيۡرٌ أَمَّا يُشۡرِكُونَ} (59)

{ قل الحمد لله } قال الفراء ، قال أهل المعاني : قيل للوط قل الحمد لله على هلاكهم ، وخالفه جماعة المفسرين فقالوا : إن هذا خطاب لنبينا صلى الله عليه وسلم أي : قل الحمد لله على هلاك كفار الأمم الخالية ، قال النحاس : هذا أولى لأن القرآن منزل على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل ما فيه مخاطب به ، إلا ما لم يصح معناه إلا لغيره ، وكان هذا صدر خطبة لما يلقى من البراهين الدالة على الوحدانية ، والعلم والقدرة الآتي ذكرها بقوله : أمن خلق الخ قيل : والمراد بقوله :

{ وسلام على عباده الذين اصطفى } أمته صلى الله عليه وسلم والأولى حمله على العموم ، وهم كل المؤمنين من السابقين واللاحقين ، فيدخل في ذلك الأنبياء وأتباعهم ، قال ابن عباس : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اصطفاهم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وروي مثله عن سفيان الثوري ؛ والأولى ما قدمناه من التعميم ، فيدخل في ذلك أصحابه صلى الله عليه وسلم دخولا أوليا ، وهو تعليم لكل متكلم في كل أمر ذي بال ، بأن يتبرك بهما ويستظهر لمكانهما .

{ آلله ؟ } فيه وجهان يجريان في خمسة مواضع في القرآن غير هذا الموضع أحدهما تسهيل الهمزة الثانية مقصودة ، والثاني إبدالها ألفا ممدودة مدا لازما والمعنى الله الذي ذكرت أفعاله ، وصفاته الدالة على عظيم قدرته .

{ خير أما يشركون ؟ } به من الأصنام وفيه تبكيت للمشركين : وإلزام الحجة عليهم بعد هلاك الكفار و ( أم ) هذه متصلة عاطفة لاستكمال شروطها ، والتقدير أيهما خير ، وهذه الخيرية ليست بمعناها الأصلي ، بل هي كقول الشاعر :

أتهجوه ولست له بكفء ؟ *** فشركما لخيركما الفداء

فيكون ما في الآية من باب التهكم بهم ، إذ لا خير فيهم أصلا ، وقد حكى سيبويه : إن العرب تقول : السعادة أحب إليك أم شقاوة ولا خير في الشقاوة أصلا ، وقيل : المعنى أثواب الله خير ؟ أم عقاب ما تشركون به ؟ وقيل : قال لهم ذلك جريا على اعتقادهم ، لأنهم كانوا يعتقدون أن في عبادة الأصنام خيرا . وقيل : المراد من هذا الاستفهام الخبر ، وقرأ الجمهور تشركون بالفوقية على الخطاب وقرئ بالتحية .