فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ وَسَلَٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَىٰٓۗ ءَآللَّهُ خَيۡرٌ أَمَّا يُشۡرِكُونَ} (59)

{ قُلِ الحمد لِلَّهِ وسلام على عِبَادِهِ } قال الفراء : قال أهل المعاني : قيل للوط قل الحمد لله على هلاكهم ، وخالفه جماعة فقالوا : إن هذا خطاب لنبينا صلى الله عليه وسلم ، أي قيل الحمد لله على هلاك كفار الأمم الخالية ، وسلام على عباده { الذين اصطفى } قال النحاس : وهذا أولى ؛ لأن القرآن منزل على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلّ ما فيه فهو مخاطب به إلاّ ما لم يصحّ معناه إلا لغيره . قيل والمراد بعباده الذين اصطفى : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، والأولى حمله على العموم ، فيدخل في ذلك الأنبياء وأتباعهم { ءَآللَّهِ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } أي آلله الذي ذكرت أفعاله وصفاته الدالة على عظيم قدرته خير أما يشركون به من الأصنام ، وهذه الخيرية ليست بمعناها الأصلي ، بل هي كقول الشاعر :

أتهجوه ولست له بكفء *** فشركما لخيركما الفداء

فيكون ما في الآية من باب التهكم بهم ، إذ لا خير فيهم أصلاً . وقد حكى سيبويه أن العرب تقول : السعادة أحبّ إليك أم الشقاوة ، ولا خير في الشقاوة أصلاً . وقيل المعنى : أثواب الله خير ، أم عقاب ما تشركون به ؟ وقيل : قال لهم ذلك جرياً على اعتقادهم ، لأنهم كانوا يعتقدون أن في عبادة الأصنام خيراً . وقيل المراد من هذا الاستفهام الخبر . قرأ الجمهور : { تشركون } بالفوقية على الخطاب ، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم . وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب { يشركون } بالتحتية ، و«أم » في { أَمَّا يُشْرِكُونَ } هي المتصلة .

/خ66