اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ وَسَلَٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَىٰٓۗ ءَآللَّهُ خَيۡرٌ أَمَّا يُشۡرِكُونَ} (59)

قوله تعالى{[39244]} : { قُلِ الحمد لِلَّهِ } الآية ، العامة على كسر لام قل ، لالتقاء الساكنين ، وأبو السمال بفتحها{[39245]} تخفيفاً ، وكذا في قوله : { وَقُلِ الحمد للَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } [ النمل : 93 ] ، «وَسَلاَمٌ » : مبتدأ ، سوَّغ الابتداء به كونه دعاء .

فصل :

المعنى : «الحمد لله » على هلاكهم ، وهذا خطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يحمد الله على هلاك كفار الأمم الخالية ، و { وَسَلاَمٌ على عِبَادِهِ الذين اصطفى } بأن أرسلهم ونجّاهم{[39246]} . وقيل : هذا كلام مبتدأ ، فإنه تعالى لما ذكر أحوال الأنبياء - عليهم السلام{[39247]} - وكان محمد - عليه السلام{[39248]} - كالمخالف لمن قبله - في العذاب ؛ لأن عذاب الاستئصال مرتفع عن قومه - أمره الله تعالى بأن يشكر ربّه على ما خصّه به من هذه النعم ، وبأن يسلم على الأنبياء الذين صبروا على مشاق الرسالة{[39249]} .

قوله : { وَسَلاَمٌ على عِبَادِهِ الذين اصطفى } قال مقاتل : هم الأنبياء والمرسلون بدليل قوله تعالى : { وَسَلاَمٌ على المرسلين }{[39250]} [ الصافات : 181 ] . وقال ابن عباس - في رواية أبي مالك - هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم{[39251]} - وقال الكلبي : هم أمة محمد{[39252]} وقيل : هم كل المؤمنين من السابقين واللاحقين{[39253]} .

قوله : «أَمّا » أمْ هذه متصلة عاطفة ، لاستكمال شروطها{[39254]} ، والتقدير : أَيُّهُمَا خَيْرٌ ، و «خَيْرٌ » إمَّا تفضيل - على زعم الكفار - وإلزام{[39255]} الخصم ، أو صفةٌ لا تفضيل فيها{[39256]} . و «مَا » في «أَمْ مَا » بمعنى الذي ، وقيل : مصدرية ، وذلك على حذف مضاف من الأول ، أي أتوحيد الله خير أم شرككم{[39257]} ؟ وقرأ أبو عمرو وعاصم : «أَمَّا يُشْرِكُونَ » بالغيبة حملاً على ما قبله من قوله : «وَأَمْطَرنَا عَلَيْهِمْ » ، وما بعده من قوله : «بَلْ أَكْثَرَهُمْ » ، والباقون على الخطاب{[39258]} ، وهو التفات للكفار ، بعد خطاب نبيه - عليه السلام{[39259]} - وهذا تبكيت للمشركين بحالهم ، لأنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى ، ولا يؤثر عاقل شيئاً على شيء إلا لزيادة خير ومنفعة ، فقيل لهم هذا الكلام تنبيهاً لهم على نهاية ضلالهم وجهلهم{[39260]} ، وروي أنّ رسول - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأها قال : «بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم »{[39261]} .


[39244]:تعالى: سقط من ب.
[39245]:انظر تفسير ابن عطية 11/224، البحر المحيط 7/88.
[39246]:انظر البغوي 6/294.
[39247]:في ب: عليهم الصلاة والسلام.
[39248]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[39249]:انظر الفخر الرازي 24/205.
[39250]:انظر البغوي 6/294-295.
[39251]:انظر البغوي 6/295.
[39252]:المرجع السابق.
[39253]:المرجع السابق.
[39254]:لأن "أم" المتصلة هي الواقعة بعد همزة التسوية، أو همزة يطلب بها و بـ "أم" التعيين، وسميت متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا تستغني بأحدهما عن الآخر، وتسمى معادلة لمعادلتها للهمزة في إفادة التسوية في النوع الأول والاستفهام في النوع الثاني. انظر المغني 1/41، الهمع 2/132.
[39255]:في ب: والدام. وهو تحريف.
[39256]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/153، البيان 2/225.
[39257]:انظر تفسير ابن عطية 11/225-226، البحر المحيط 7/88.
[39258]:الكشف 2/163-164، الإتحاف (338).
[39259]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[39260]:انظر الفخر الرازي 24/205.
[39261]:انظر الفخر الرازي 24/205، القرطبي 13/121.