السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ وَسَلَٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَىٰٓۗ ءَآللَّهُ خَيۡرٌ أَمَّا يُشۡرِكُونَ} (59)

ولما أتم سبحانه وتعالى هذه القصص الدالة على كمال قدرته وعظيم شأنه وما خص به رسله من الآيات والانتصار من البعداء أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحمده على هلاك الأمم الخالية بقوله : { قل } يا أفضل الخلق . { الحمد } أي : الوصف بالإحاطة بصفات الكمال { لله } على إهلاك هؤلاء البعداء البغضاء ، وأن يسلم على من اصطفاه بالعصمة من الفواحش والنجاة من الهلاك بقوله تعالى : { وسلام على عباده الذين اصطفى } أي : اصطفاهم ، واختلف فيهم فقال مقاتل : هم الأنبياء والمرسلون بدليل قوله تعالى : { وسلام على المرسلين } ( الصافات ، 181 ) وقال ابن عباس في رواية أبي مالك هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقيل : هم كل المؤمنين من السابقين واللاحقين .

تنبيه : سلام مبتدأ وسوغ الابتداء به كونه دعاء .

ولما بين أنه تعالى أهلكهم ولم تغن عنهم آلهتهم من الله شيئاً قال تعالى : { آلله } أي : الذي له الجلال والإكرام { خير } أي : لعباده الذين اصطفاهم وأنجاهم { أم ما يشركون } أي : الكفار من الآلهة خير لعبادها فإنهم لا يغنون عنهم شيئا . ً

تنبيه : لكل من القراء السبعة في هاتين الهمزتين وجهان : الأوّل : تحقيق همزة الاستفهام وإبدال همزة الوصل ألفاً مع المدّ ، والثاني : تحقيق همزة الاستفهام أيضاً وتسهيل همزة الوصل مع القصر ، وقرأ أبو عمرو وعاصم يشركون بالياء التحتية بالغيبة حملاً على ما قبله من قوله تعالى : { وأمطرنا عليهم مطراً } وما بعده من قوله تعالى : { بل أكثرهم } والباقون بالتاء الفوقية على الخطاب ، وهو التفات للكفار ، بعد خطاب نبيه صلى الله عليه وسلم وهذا تبكيت للمشركين بحالهم لأنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى ، ولا يؤثر عاقل شيئاً على شيء إلا لزيادة خير ومنفعة ، فقيل لهم هذا الكلام تنبيهاً لهم على نهاية ضلالهم وجهلهم وتهكماً بهم وتسفيهاً لرأيهم إذ من المعلوم أنه لا خير فيما أشركوه رأساً حتى يوازنون بينه وبين من هو مبتدأ كل خير .

وروي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال : «بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم » .