المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (54)

54- ولو أن كل ما في الأرض مملوك لكل نفس ارتكبت ظلم الشرك والجحود ، لارتضت أن تقدمه فداء لما تستقبل من عذاب تراه يوم القيامة وتعاين هوله ، وحينئذ يتردد الندم والحسرة في سرائرهم لعجزهم عن النطق به ، ولشدة ما دهاهم من الفزع لرؤية العذاب ، ونفذ فيهم قضاء الله بالعدل ، وهم غير مظلومين في هذا الجزاء . لأنه نتيجة ما قدَّموا في الدنيا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (54)

ثم بين - سبحانه - أنهم لن يستطيعوا افتداء أنفسهم من العذاب عند وقوعه فقال - تعالى - : { وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا في الأرض لاَفْتَدَتْ بِهِ } .

أى : ولو أن لكل نفس تلبست بالظلم بسبب شركها وفسوقها ، جميع ما في الأرض من مال ومتاع ، وأمكنها أن تقدمه كفداء لها من العذاب يوم القيامة ، لقدمته سريعا دون أن تبقى منه شيئا حتى تفتدي ذاتها من العذاب المهين .

ومفعول { افتدت } محذوف . أي لافتدت نفسها به .

ولو هنا امتناعية ، أى : امتنع افتداء كل نفس ظالمة ، لامتناع ملكها لما تفدى به ذاها وهو جميع ما في الأرض من أموال ، ولامتناع قبول ذلك منها فيما لو ملكته على سبيل الفرض .

وقوله { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور } والندامة والندم : ما يجده الإِنسان في نفسه من آلام وحسرات على أقوال أو أفعال سيئة ، فات أوان تداركها .

أى : وأخفى هؤلاء الظالمين الندامة حين رأوا بأبصارهم مقدمات العذاب ، وحين أيقنوا أنهم لا نجاة لهم منه ، ولا مصرف لهم عنه .

قال صاحب الكشاف : " قوله - سبحانه - { وَأَسَرُّواْ الندامة لَمَّا رَأَوُاْ العذاب } لأنهم بهتوا لرؤيتهم ما لم يحتسبوه ، ولم يخطر ببالهم ، وعاينوا من شدة الأمر وتفاقمه ، ما سلبهم قواهم ، وبهرهم ، فلم يطيقوا عنده بكاء ولا صراخا ولا ما يفعله الجازع ، سوى إسرار الندم والحسرة في القلوب ، كما ترى القدم للصلب يثخنه ما دهمه من فظاعة الخبط ويغلب ، حتى لا ينبس بكلمة ويبقى جامدا مبهوتا .

وقيل : أسر رؤساؤهم الندامة من سفلتهم الذين أضلوهم ، حياء منهم وخوفا من توبيخهم . .

وقيل أسروا الندامة : أظهروها من قولهم أسر الشيء إذا أظهره وليس هناك تجلد " .

وقوله : { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالقسط وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } بيان لعدالة الله في أحكامه بين عباده .

أى : وقضى الله - تعالى - بين هؤلاء الضالمين وبين غيرهم بالعدل دون أن يظلم أحدا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (54)

26

وبينما نحن معهم على هذه الأرض في استنباء وجواب . إذا نحن فجأة - مع السياق في نقلة من نقلات الأسلوب القرآني المصور - في ساحة الحساب والجزاء . مبدئياً على وجه الفرض والتقدير .

ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به . .

فلا يقبل منها حتى على فرض وجوده معها .

ولا تكتمل الآية حتى يكون الفرض قد وقع وقضي الأمر :

( وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ) . .

أخذتهم وهلة المفاجأة فسقط في أيديهم ، والتعبير يرسم للخيال صورة الكمد يظلل الوجوه ، دون أن تنطق الشفاه !

( وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ) . .

وانتهى المشهد الذي بدأ منذ نصف آية فرضاً وانتهى واقعاً ، على طريقة التصوير القرآني المؤثر المثير .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (54)

ثم أخبر تعالى أنه إذا قامت القيامة يودّ الكافر لو افتدى من عذاب الله بملء الأرض ذهبا ، { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } أي : بالحق ، { وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (54)

{ ولو أن لكل نفس ظلمت } بالشرك أو التعدي على الغير { ما في الأرض } من خزائنها وأموالها . { لافتدت به } لجعلته فدية لها من العذاب ، من قولهم افتداه بمعنى فداه . { وأسرّوا الندامة لما رأوا العذاب } لأنهم بهتوا بما عاينوا مما لم يحتسبوه من فظاعة الأمر وهوله فلم يقدروا أن ينطقوا . وقيل { أسروا الندامة } أخلصوها لأن إخفاءها إخلاصها ، أو لأنه يقال سر الشيء لخالصته من حيث إنها تخفى ويضن بها . وقيل أظهروها من قولهم أسر الشيء وأسره إذا أظهره . { وقُضي بينهم بالقسط وهم لا يُظلمون } ليس تكريرا لأن الأول قضاء بين الأنبياء ومكذبيهم والثاني مجازاة المشركين على الشرك أو الحكومة بين الظالمين والمظلومين ، والضمير إنما يتناولهم لدلالة الظلم عليهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (54)

هذا إخبار للكفار في سياق إخبارهم بأن ذلك الوعد حق ، { وأسروا } لفظة تجيء بمعنى : أخفوا ، وهي حينئذ من السر ، وتجيء بمعنى أظهروا ، وهي حينئذ من أسارير الوجه{[6138]} ، قال الطبري : المعنى وأخفى رؤساء هؤلاء الكفار الندامة عن سفلتهم ووضعائهم .

قال القاضي أبو محمد : بل هو عام في جميعهم .


[6138]:- من شواهد مجيئها بمعنى أظهروا قول كثير: فأسررت الندامة يوم نادى برد جمال غاضرة المُنادي أي: أظهرت الندامة، ويقوّي معنى الإظهار في الآية أن يوم القيامة ليس بيوم تصبر ولا تجلّد، ولا يقدر فيه الكافر على كتمان ما ناله، ولأنه عند رؤية العذاب يوم القيامة يتحسّر الإنسان على ارتكاب ما سببه له وأوجبه عليه، ويظهر الندامة على ما فاته من الفوز والخلاص من العذاب، ولهذا يقولون: {ربنا غلبت علينا شقوتنا}.