نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَوۡ أَنَّ لِكُلِّ نَفۡسٖ ظَلَمَتۡ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ لَٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۖ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (54)

ولما أخبرهم بحقيقته ، أخبرهم بما يكون منهم{[38087]} من الظلم أيضاً عند معاينته بالسماح ببذل جميع ما في الأرض حيث لا ينفع البذل بعد ترك المأمور به وهو من أيسر الأشياء وأحسنها فقال : { ولو أن لكل نفس ظلمت } أي عند المعاينة { ما في الأرض } أي كلها من خزائنها ونفائسها { لافتدت به } أي جعلت فدية لها من العذاب لكنه ليس لهم ذلك ، ولو كان من قبل منهم ، فإذا وقع ما يوعدون استسلموا { وأسروا الندامة } أي اشتد ندمهم ولم يقدروا على الكلام { لما رأوا العذاب } لأنهم بهتوا لعظم ما دهمهم فكان فعلهم فعل المسر ، لأنهم لم يطيقوا بكاء ولا شكاية ولا شيئاً مما يفعله الجازع ؛ والاستنباء : طلب النبأ كما أن الاستفهام طلب الفهم ؛ والنبأ : خبر عن يقين في أمر كبير ؛ والحق : عقد على المعنى على ماهو به تدعو لحكمة إليه ، وكل ما بنى على هذا العقد{[38088]} فهو حق لأجله ، والحق في الدين ما شهد به الدليل على الثقة فيما طريقه العلم ، والقوة فيما طريقه غالب الأمر ، وذلك فيما يحتمل أمرين أحدهما أشبه بالأصل الذي جاء به النص ؛ والافتداء : إيقاع الشيء بدل غيره لرفع المكروه ، فداه فدية وأفداه{[38089]} وافتداه افتداء وفاداه {[38090]}مفاداة وفداه{[38091]} تفدية وتفادى منه تفادياً{[38092]} ؛ والإسرار : إخفاء الشيء في النفس ؛ والندامة : الحسرة على ما كان يتمنى أنه لم يكن أوقعها{[38093]} ، وهي حال معقولة يتأسف صاحبها على ما وقع منها ويود أنه لم يكن أوقعها .

ولما اشتملت الآيات الماضيات على تحتم إنجاز الوعد والعدل في الحكم ، وختمت بقوله : { وقضي } أي وأوقع القضاء على أيسر وجه وأسهله ؛ ولما استغرق القضاء جميع وقائعهم . دل بنزع الجار فقال : { بينهم } أي الظالمين والمظلومين والظالمين{[38094]} والأظلمين { بالقسط } أي العدل ؛ ولما كان وقوع ذلك لا ينفي وقوع{[38095]} الظلم في وقت آخر قال : { وهم } أي والحال أنهم { لا يظلمون* } أي لا يقع فيهم ظلم من أحد أصلاً كائناً من كان في وقت ما .


[38087]:زيد من ظ.
[38088]:من ظ، وفي الأصل: انضد ـ كذا.
[38089]:في الأصل وظ: فداه.
[38090]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[38091]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[38092]:في ظ: تفادا.
[38093]:سقط من ظ.
[38094]:سقط من ظ.
[38095]:سقط من ظ.