{ قَالُواْ } بعد خروجهم من قبورهم بسرعة وفزع { ياويلنا } أى : يا هلاكنا احضر فهذا أوان حضورك .
ثم يقولون بفزع أشد : { مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } أى من أثارَنا من رقادنا ، وكأنهم لهول ما شاهدوا قد اختلطت عقولهم ، وأصيبت بالهول ، فتوهموا أنهم كانوا نياما .
قال ابن كثير - رحمه الله - { قَالُواْ ياويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } يعنون قبورهم التى كانوا يعتقدون فى الدار الدنيا أنهم لا يبعثون منها ، فلما عاينوا ما كذبوه فى محشرهم قالوا : يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ، وهذا لاينفى عذابهم فى قبورهم ، لأنه بالنسبة إلى ما بعده فى الشدة كالرقاد .
وقوله : { هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون } رد من الملائكة أو من المؤمنين عليهم ، أو هو حكاية لكلام الكفرة فى رد بعضهم على بعض على سبيل الحسرة واليأس .
و " ما " موصولة والعائد محذوف ، أى : هذا الذى وعده الرحمن والذى صدّقه المرسلون .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : إذا جعلت " ما " مصدرية ، كان المعنى : هذا وعد الرحمن ، وصدق المرسلين ، على تسمية الموعود والمصدق فيه بالوعد والصدق ، فما وجه قوله : { وَصَدَقَ المرسلون } ؟ إذا جعلتها موصولة ؟
قلت : تقديره : هذا الذى وعده الرحمن ، والذى صدقه المرسلون ، بمعنى : والذى صدق فيه المرسلون ، من قولهم : صدقوهم الحديث والقتال . . .
{ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا } ؟ يعنون : [ من ]{[24774]} قبورهم التي كانوا يعتقدون في الدار الدنيا أنهم لا يبعثون منها ، فلما عاينوا ما كذبوه في محشرهم { قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا } ، وهذا لا ينفي عذابهم في قبورهم ؛ لأنه بالنسبة إلى ما بعده في الشدة كالرقاد .
وقال أُبَيّ بن كعب ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة : ينامون نومة قبل البعث .
قال قتادة : وذلك بين النفختين .
فلذلك يقولون : { مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا } ، فإذا قالوا ذلك أجابهم المؤمنون - قاله غير واحد من السلف - : { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } . وقال الحسن : إنما يجيبهم بذلك الملائكة .
ولا منافاة إذ الجمع ممكن ، والله أعلم .
وقال عبد الرحمن بن زيد : الجميع من قول الكفار : { يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } .
نقله ابن جرير ، واختار الأول ، وهو أصح ، {[24775]} وذلك كقوله تعالى في الصافات : { وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } [ الصافات : 20 ، 21 ] ، وقال [ الله ]{[24776]} تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [ الروم : 55 ، 56 ] .
وقوله : قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا ما وَعَدَ الرّحْمَنُ وَصَدَقَ المُرْسَلُونَ يقول تعالى ذكره : قال هؤلاء المشركون لما نُفخ في الصور نفخة البعث لموقف القيامة فردّت أرواحهم إلى أجسامهم ، وذلك بعد نومة ناموها : يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا وقد قيل : إن ذلك نومة بين النفختين . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن خيثمة ، عن الحسن ، عن أُبيّ بن كعب ، في قوله : يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا قال : ناموا نومة قبل البعث .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن رجل يقال له خيثمة في قوله : يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا قال : ينامون نومة قبل البعث .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا قول أهل الضلالة . والرّقدة : ما بين النفختين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا قال : الكافرون يقولونه .
ويعني بقوله : مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا من أيقظنا من منامنا ، وهو من قولهم : بعث فلان ناقته فانبعثت ، إذا أثارها فثارت . وقد ذُكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود : «مَنْ أهَبّنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا » . وفي قوله : هَذَا وجهان : أحدهما : أن تكون إشارة إلى «ما » ، ويكون ذلك كلاما مبتدأ بعد تناهي الخبر الأوّل بقوله : مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا فتكون «ما » حينئذٍ مرفوعة بهذا ، ويكون معنى الكلام : هذا وعد الرحمن وصدق المرسلون . والوجه الاَخر : أن تكون من صفة المرقد ، وتكون خفضا وردّا على المرقد ، وعند تمام الخبر عن الأوّل ، فيكون معنى الكلام : من بعثنا من مرقدنا هذا ، ثم يبتدىء الكلام فيقال : ما وعدَ الرحمن ، بمعنى : بعثكم وعد الرحمن ، فتكون «ما » حينئذٍ رفعا على هذا المعنى .
وقد اختلف أهل التأويل في الذي يقول حينئذٍ : هذا ما وعد الرحمن ، فقال بعضهم : يقول ذلك أهل الإيمان بالله . ذكر من قال ذلك :
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : هَذَا ما وَعَدَ الرّحمَنُ مما سرّ المؤمنون يقولون هذا حين البعث .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : هَذَا ما وَعَدَ الرّحمَنُ وَصَدَقَ المُرْسَلُونَ قال : قال أهل الهدى : هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون .
وقال آخرون : بل كلا القولين ، أعني يا وَيْلَنا مَنْ بَعثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا ما وَعَدَ الرّحْمَنُ وَصَدَق المُرْسَلُونَ من قول الكفار . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنا ثم قال بعضهم لبعض : هَذَا ما وَعَدَ الرّحْمَنُ وَصَدَقَ المُرْسَلُونَ كانوا أخبرونا أنا نبعث بعد الموت ، ونُحاسب ونُجازَى .
والقول الأوّل أشبه بظاهر التنزيل ، وهو أن يكون من كلام المؤمنين ، لأن الكفار في قيلهم : مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا دليل على أنهم كانوا بمن بعثهم من مَرْقَدهم جُهّالاً ، ولذلك من جهلهم استثبتوا ، ومحال أن يكونوا استثبتوا ذلك إلاّ من غيرهم ، ممن خالفت صفته صفتهم في ذلك .