المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (31)

31- كونوا راجعين إليه ، وافعلوا ما أمركم به ، واتركوا ما نهاكم عنه ، وحافظوا على الصلاة ، ولا تكونوا من الذين عبدوا مع الله غيره .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (31)

ثم حرضهم - سبحانه - على الاستمرار فى اتباع توجيهات هذا الدين القيم فقال : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ واتقوه وَأَقِيمُواْ الصلاة } .

قال القرطبى : وفى أصل الإِنابة قولان : أحدهما ، أنه القطع . ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع ، فكأن الإِنابة هى الانقطاع إلى الله - عز وجل - بالطاعة . والثانى : أن أصله الرجوع ، مأخوذ من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد أخرى ، ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة ، ولفظ { مُنِيبِينَ } منصوب على الحال .

والمعنى : أقيموا وجوهكم - أيها الناس - لخالقكم وحده ، كونكم راجعين إليه بالتوبة والطاعة ، ومقبلين إليه بالاستغفار والعبادة ، ومتقين له فى كل أحوالكم ، ومداومين على إقامة الصلاة فى أوقاتها بخشوع واطمئنان .

{ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المشركين } المبدلين لفطرة الله - تعالى - المتبعين لأهوائهم وشهواتهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (31)

( منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين . من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا . كل حزب بما لديهم فرحون ) . .

فهي الإنابة إلى الله والعودة في كل أمر إليه . وهي التقوى وحساسية الضمير ومراقبة الله في السر والعلانية ؛ والشعور به عند كل حركة وكل سكنة . وهي إقامة الصلاة للعبادة الخالصة لله . وهي التوحيد الخالص الذي يميز المؤمنين من المشركين . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (31)

القول في تأويل قوله تعالى : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتّقُوهُ وَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الّذِينَ فَرّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } .

يعني تعالى ذكره بقوله : مُنِيبِينَ إلَيْهِ تائبين راجعين إلى الله مقبلين ، كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : مُنيبِينَ إليْهِ قال : المنيب إلى الله : المطيع لله ، الذي أناب إلى طاعة الله وأمره ، ورجع عن الأمور التي كان عليها قبل ذلك . كان القوم كفارا ، فنزعوا ورجعوا إلى الإسلام .

وتأويل الكلام : فأقم وجهك يا محمد للدين حنيفا منيبين إليه إلى الله فالمنيبون حال من الكاف التي في وجهك .

فإن قال قائل : وكيف يكون حالاً منها ، والكاف كناية عن واحد ، والمنيبون صفة لجماعة ؟ قيل : لأن الأمر من الكاف كناية اسمه من الله في هذا الموضع أمر منه له ولأمته ، فكأنه قيل له : فأقم وجهك أنت وأمتك للدين حنيفا لله ، منيبين إليه .

وقوله : وَاتّقُوهُ يقول جلّ ثناؤه : وخافوا الله وراقبوه أن تفرّطوا في طاعته ، وتركبوا معصيته . وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ يقول : ولا تكونوا من أهل الشرك بالله بتضييعكم فرائضه ، وركوبكم معاصيه ، وخلافكم الدين الذي دعاكم إليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (31)

وقوله { منيبين } يحتمل أن يكون حالاً من قوله { فطر الناس عليها } لا سيما على رأي من رأى أن ذلك خصوص في المؤمنين ، ويحتمل أن يكون حالاً من قوله { أقم وجهك } وجمعه لأن الخطاب بإقامة الوجه للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته ، نظيرها قوله

{ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء }{[9314]} [ الطلاق : 1 ] ، والمنيب الراجع المخلص المائل إلى جهة ما بوده ونفسه ، و «المشركون » المشار إليهم في هذه الآية هم اليهود والنصارى ، قاله قتادة وقال ابن زيد : هم اليهود ، وقالت عائشة وأبو هريرة : هي في أهل القبلة{[9315]} .

قال الفقيه الإمام القاضي : فلفظة الإشراك على هذا فيها تجوز فإنهم صاروا في دينهم فرقاً .


[9314]:من الآية 1 من سورة الطلاق.
[9315]:فيكون معنى قوله تعالى: {من المشركين} "من أهل الأهواء والبدع" كذا وضحه القرطبي، ولعل هذه الجملة قد سقطت من النساخ، وهو تأويل أبي أمامة أيضا.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (31)

{ مُنِيبِينَ } حال من ضمير { فَأقِمْ } [ الروم : 30 ] للإشارة إلى أن الخطاب الموجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مراد منه نفسه والمؤمنون معه كما تقدم .

والمنيب : الملازم للطاعة . ويظهر أن معنى أناب صار ذا نوبة ، أي ذا رجوع متكرر وأن الهمزة فيه للصيرورة ، والنوبة : حصة من عمل يتوزعه عدد من الناس وأصلها : فَعْلَة بصيغة المرة لأنها مرة من النَّوْب وهو قيام أحد مقام غيره ، ومنه النيابة ، ويقال : تناوبوا عمل كذا . وفي حديث عمر : « كنت أنا وجار لي من الأنصار نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم فينزل يوماً وأنزل يوماً » الحديث ، فإطلاق المنيب على المطيع استعارة لتعهد الطاعة تعهداً متكرراً ، وجعلت تلك الاستعارة كناية عن مواصلة الطاعة وملازمتها قال تعالى : { إن إبراهيم لحليم أوّاه مُنيب } في سورة هود ( 75 ) . وفسّرت الإنابة أيضاً بالتوبة . وقد قيل : إن ناب مرادف تاب ، وهو المناسب لقوله في الآية الموالية { دعوا ربهم منيبين إليه } [ الروم : 33 ] . والأمر الذي في قوله { واتقوه وأقيموا الصلاة } مستعمل في طلب الدوام .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{۞مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (31)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

: {منيبين إليه}: راجعين إليه من الكفر إلى التوحيد لله تعالى ذكره.

{واتقوه} يعني واخشوه، {وأقيموا} يعني وأتموا {الصلاة ولا تكونوا من المشركين} يقول لكفار مكة كونوا من الموحدين لله عز وجل...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني تعالى ذكره بقوله:"مُنِيبِينَ إلَيْهِ": تائبين راجعين إلى الله مقبلين... قال ابن زيد، في قوله: "مُنيبِينَ إليْهِ "قال: المنيب إلى الله: المطيع لله، الذي أناب إلى طاعة الله وأمره، ورجع عن الأمور التي كان عليها قبل ذلك. كان القوم كفارا، فنزعوا ورجعوا إلى الإسلام.

وتأويل الكلام: فأقم وجهك يا محمد للدين حنيفا "منيبين إليه": إلى الله...

فأقم وجهك أنت وأمتك للدين حنيفا لله، منيبين إليه.

وقوله: "وَاتّقُوهُ "يقول جلّ ثناؤه: وخافوا الله وراقبوه أن تفرّطوا في طاعته، وتركبوا معصيته.

"وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ" يقول: ولا تكونوا من أهل الشرك بالله بتضييعكم فرائضه، وركوبكم معاصيه، وخلافكم الدين الذي دعاكم إليه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{منيبين إليه واتقوه} هو صلة قوله: {فأقم وجهك للدين حنيفا}.

ثم الإنابة تقع على ما يقع به الأمر، لأنه يقول: أنيبوا إلى الله بما يأمركم به، واتقوه عما نهاكم عنه. والتقوى من الإنابة {أن تبروا وتتقوا} [البقرة: 244} بما يأمركم به، وتتقوه عما نهاكم عنه.

{وأقيموا الصلاة} يحتمل وجوها: أحدها: {وأقيموا} أي الزموا، وداوموا فعلها إلى آخر عمركم ليس على أن يقع الأمر بها مرة واحدة.

الثاني: {وأقيموا الصلاة} أي أتموها بركوعها وسجودها والقراءة وغير ذلك. والثالث: {وأقيموا الصلاة} أي أوفوا إقامتها بأسبابها التي جعلت لها.

وفي الصلاة أحوال ثلاث: أحدها: الجواز، والثاني: التمام والكمال، والثالث: التزيين والتحسين. ثم الجواز بحق الأركان، والتمام والكمال بحق الشعوب، والتزيين والتحسين بحق الحواشي.

ويجب على كل مصل خصال ثلاث: صدق النية، وحق الإخلاص له، والخشوع.

{ولا تكونوا من المشركين} يحتمل أي لا تكونوا من المشركين غير الله في الصلاة والعبادة، أي لا تصلوا لغير الله، ولا تعبدوا من دونه، {ولا تكونوا من المشركين} من دونه في تسمية الألوهية والربوبية لأنهم كانوا يسمون الأصنام التي يعبدونها آلهة، أو أن يكون صلة قوله: {منيبين إليه} موحدين مقبلين على طاعته مخلصين {ولا تكونوا من المشركين} له غيره...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

قوله: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} فيه أربعة تأويلات:... الثاني: داعين إليه، قاله عبيد بن يعلى...

وفي أصل الإنابة قولان: أحدهما: أن أصله القطع، ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع، فكأن الإنابة هي الانقطاع إلى الله عز وجل بالطاعة. الثاني: أن أصله الرجوع، مأخوذ من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد مرة، ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أي راجعين إلى الله بالكلية من غير أن تبقى بقية، متصفين بوفاقه، منحرفين بكل وجهٍ عن خلافه، مُتَّقين صغيرَ الإثم وكبيره، قليلَه وكثيره، مُؤثرين يسيرَ وفاقه وعسيره، مقيمين الصلاة بأركَانها وسننها وآدابها جهراً، متحققين بمراعاة فضائلها سِراً...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{واتقوه} يعني إذا أقبلتم عليه وتركتم الدنيا فلا تأمنوا فتتركوا عبادته بل خافوه وداوموا على العبادة وأقيموا الصلاة أي كونوا عابدين عند حصول القربة كما قلتم قبل ذلك.

{ولا تكونوا من المشركين} قال المفسرون يعني ولا تشركوا بعد الإيمان أي ولا تقصدوا بذلك غير الله.

وههنا وجه آخر وهو أن الله بقوله: {منيبين} أثبت التوحيد الذي هو مخرج عن الإشراك الظاهر وبقوله: {ولا تكونوا من المشركين} أراد إخراج العبد عن الشرك الخفي أي لا تقصدوا بعملكم إلا وجه الله ولا تطلبوا به إلا رضاء الله فإن الدنيا والآخرة تحصيل وإن لم تطلبوها إذا حصل رضا الله.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان من الناس من منّ الله عليه بأن كان في هذا الميدان، وسمت همته إلى مسابقة الفرسان، فلما رأى أنه لم يلتفت إليه، ولم يعول أصلاً عليه، كادت نفسه تطير، وكانت عادة القوم أن يخاطبوا القوم لمخاطبة رئيسهم تعظيماً له وحثاً لهم على التحلي بما خص به، جُبرت قلوبهم وشرحت صدورهم فبينت لهم حال من ضمير "أقم "أو من العامل في "فطرت" إعلاماً بأنهم مرادون بالخطاب، مشار إليهم بالصواب، فقال: {منيبين} أي راجعين مرة بعد مرة بمجاذبة النفس والفطرة الأولى {إليه} تعالى بالنزوع عما اكتسبتموه من رديء الأخلاق إلى تلك الفطرة السليمة المنقادة للدليل، الميالة إلى سواء السبيل. ولما لم يكن بعد الرجوع إلى المحجة إلا الأمر بلزومها خوفاً من الزيغ عنها دأب المرة الأولى، قال عاطفاً على {فأقم}: {واتقوه} أي خافوا أن تزيغوا عن سبيله يسلمكم في أيدي أولئك المضلين، فإذا خفتموه فلزمتموها كنتم ممن تخلى عن الرذائل {وأقيموا الصلاة} تصيروا ممن تحلى بالفضائل -هكذا دأب الدين أبداً تخلية ثم تحلية: أول الدخول إلى الإسلام التنزيه، وأول الدخول في القرآن الاستعاذة، وهو أمر ظاهر معقول، مثاله من أراد أن يكتب في شيء إن مسح ما فيه من الكتابة انتفع بما كتب، وإلا أفسد الأول ولم يقرأ الثاني.

ولما كان الشرك من الشر بمكان ليس هو لغيره، أكد النهي عنه بقوله: {ولا تكونوا} أي كوناً ما {من المشركين} أي لا تكونوا ممن يدخل في عدادهم بمواددة أو معاشرة أو عمل تشابهونهم فيه فإنه "من تشبه بقوم فهو منهم" وهو عام في كل شرك سواء كان بعبادة صنم أو نار أو غيرهما، أو بالتدين بما يخالف النصوص من أقوال الأحبار والرهبان وغير ذلك...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} لكون الشرك مضادا للإنابة التي روحها الإخلاص من كل وجه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فهي الإنابة إلى الله والعودة في كل أمر إليه. وهي التقوى وحساسية الضمير ومراقبة الله في السر والعلانية؛ والشعور به عند كل حركة وكل سكنة. وهي إقامة الصلاة للعبادة الخالصة لله. وهي التوحيد الخالص الذي يميز المؤمنين من المشركين...

.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمنيب: الملازم للطاعة. ويظهر أن معنى أناب صار ذا نوبة، أي ذا رجوع متكرر وأن الهمزة فيه للصيرورة، والنوبة: حصة من عمل يتوزعه عدد من الناس وأصلها: فَعْلَة بصيغة المرة لأنها مرة من النَّوْب وهو قيام أحد مقام غيره، ومنه النيابة، ويقال: تناوبوا عمل كذا. وفي حديث عمر: « كنت أنا وجار لي من الأنصار نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم فينزل يوماً وأنزل يوماً» الحديث، فإطلاق المنيب على المطيع استعارة لتعهد الطاعة تعهداً متكرراً، وجعلت تلك الاستعارة كناية عن مواصلة الطاعة وملازمتها قال تعالى: {إن إبراهيم لحليم أوّاه مُنيب} في سورة هود (75).

وفسّرت الإنابة أيضاً بالتوبة. وقد قيل: إن ناب مرادف تاب، وهو المناسب لقوله في الآية الموالية {دعوا ربهم منيبين إليه} [الروم: 33]. والأمر الذي في قوله {واتقوه وأقيموا الصلاة} مستعمل في طلب الدوام...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

{واتقوه} لأنه لا يجوز أن تنيب إلى الله، وأن ترجع إليه، وأن تجعله في بالك ثم تنصرف عن منهجه الذي شرعه لينظم حركة حياتك، فالإنابة وحدها والإيمان بالله لا يكفيان؛ بل لا بد من تطبيق المنهج بتقوى الله، لذلك كثيرا ما يجمع القرآن بين الإيمان والعمل الصالح

{واتقوه} أي: اتقوا غضبه، واجعلوا بينكم وبين غضب الله وقاية، وهذه الوقاية تتحقق باتباع المنهج في افعل ولا تفعل.

{وأقيموا الصلاة} أدوها على الوجه الأكمل، وأدوها على ما أحب منكم في أدائها... ما تصورك لآلة تعرض على صانعها كل يوم خمس مرات أيبقي بها عطب؟ لذلك يعلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه إذا حزبنا أمر أن نهرع إلى الصلاة، وكذلك كان يفعل صلى الله عليه وسلم إذا عز عليه شيء، أو ضاقت به الأسباب، وإلا فما معنى الإيمان بالله إن لم تلجأ إليه. وما دام ربك غيبا، فهو سبحانه يصلحك بالغيب أيضا، ومن حيث لا تدري؛ لذلك أمرنا ربنا بإقامة الصلاة، وجعلها عماد الدين والركن الذي لا يسقط عنك بحال، فالزكاة والحج مثلا يسقطان عن الفقير وعن غير القادر، والصوم يسقط عن المريض أو المسافر، في حين مرضه أو سفره، ثم يقضيه بعد انقضاء سبب الإفطار. أما الصلاة فهي الركن الدائم، ليس مرة واحدة في العمر، ولا مرة واحدة في العام، إنما خمس مرات في اليوم والليلة، فبها يكون إعلان الولاء لله تعالى إعلانا دائما، وهذا إن دل فإنما يدل على عظمة الإنسان ومكانته عند ربه وخالقه.

وسبق أن قلنا: إنك إن أردت مقابلة أحد المسئولين أو أصحاب المنزلة كم تعاني ليؤذن لك، ولا بد أن يحدد لك الموعد والمكان، بل وموضوع المقابلة وما ستقوله فيها، ثم لصاحب المقابلة أن ينهيها متى يشاء. إذن: لا تملك من عناصر هذا اللقاء شيئا، أما في لقائك بربك –عز وجل- فالأمر على خلاف ذلك، فربك هو الذي يطلبك ويناديك لتقبل عليه، لا مرة واحدة بل خمس مرات كل يوم، ويسمح لك أن تناجيه بما تحب، وتطلب منه ما تريد. ولك أن تنهي أنت المقابلة بقولك: السلام عليكم، فإن أحببت أن تطيل اللقاء، أو أن تعتكف في بيت ربك فإنه سبحانه لا يمل حتى تملوا، فهذه –إذن ليست عبودية، بل عز وسيادة...

ولأن للصلاة هذه المنزلة بين أركان الإسلام لم تفوض بالوحي كباقي الأركان، إنما فرضت مباشرة من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، حين استدعاه ربه للقائه في السماء في رحلة المعراج. وسبق أن مثلنا لذلك- ولله تعالى المثل الأعلى- برئيس العمل الذي يلقي أوامره بالتليفون، أو بتأشيرة على ورقة، فأن تعرض لأمر هام استدعى الموظف المختص إلى مكتبه، وأعطاه الأمر مباشرة لأهميته، كذلك كانت الصلاة، وكذلك فرضت على سيدنا رسول الله بالتكليف المباشر.

{ولا تكونوا من المشركين} وهنا وقفة: فكيف بعد الإنابة إلى الله والتقوى، وبعد الأمر بإقامة الصلاة يقول {ولا تكونوا من المشركين}؟ وأين الشرك ممن يؤدي التعاليم على هذا المنهج؟ قالوا: الشرك المنهي عنه هنا ليس الإشراك مع الله إلها آخر، إنما أشركوا مع الله نية أخرى، فالإشراك هنا بمعنى الرياء، والنظر إلى الناس لا إلى الله. لذلك يقولون: العمل من أجل الناس رياء، وترك العمل من أجل الناس شرك، فالذي يصلي أو يبني لله مسجدا للشهرة، وليحمده الناس فهو مراء، وهو خائب خاسر؛ لأن الناس انتفعوا بعمله ولم يحصل هو من عمله شيئا. أما من ترك العمل خوفا من الوقوع في الرياء، فيمتنع عن الزكاة مثلا، خوف أن يتهم بالرياء، فهو والعياذ بالله مشرك، لأن الناس ينتفعون بالعمل حتى وإن كان رياء، لكن إن امتنعت عن العمل فلا ينتفع الناس منك بشيء. فالمعنى: {ولا تكونوا من المشركين} أي: الشرك الخفي وهو الرياء... فالعمل الإيماني ما كان لله خالصا، وعلى قدر الإخلاص يكون الجزاء.

ولا شك أن القليل من الناس يخلصون النية لله، وأن الغالبية يعملون العمل كما اتفق على أية نية، كما قال سبحانه: {وما يؤمن أكثرهم بالله وإلا وهم مشركون} (يوسف 106)...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

«منيبين» من مادة «إنابة» وهي في الأصل تعني الرجوع المكرر، وتعني هنا الرجوع نحو الله والعودة نحو الفطرة (التوحيدية) ومعناها متى ما حصل عامل يحرف الإنسان عن عقيدته وعن أصل التوحيد فينبغي أن يعود إليه.. ومهما تكرر هذا الأمر فلا مانع من ذلك إلى أن تغدو أسس الفطرة متينة وراسخة، وتغدو الموانع والدوافع خاوية ويقف الانسان بصورة مستديمة في جبهة التوحيد، ويكون مصداقاً للآية (وأقم وجهك للدين حنيفاً).

(وأقيموا الصلاة) لأنّ الصلاة في جميع أبعادها، هي أهم منهج لمواجهة الشرك، وأشد الوسائل تأثيراً في تقوية أسس التوحيد والإيمان بالله سبحانه. كما أنّه يؤكّد في نهيه عن «الشرك» من بين جميع النواهي فيقول: (ولا تكونوا من المشركين). لأنّ الشرك أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، إذ يمكن أن يغفر الله جميع الذنوب إلاّ الشرك بالله، فإنّه لا يغفره. كما نقرأ في الآية (48) من سورة النساء (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). و واضح أن الأوامر الأربعة الواردة في هذه الآية، هي تأكيد على مسألة التوحيد وآثاره العملية، فالمسألة أعمّ من التوبة والعودة إليه تعإلى وإلى تقواه وإقامة الصلاة وعدم الشرك به...