المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِي وَلَٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِيۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (143)

143- ولما جاء لمناجاتنا ، وكلَّمه ربه تكليما ليس كتكليمنا ، قال رب أرني ذاتك ، وتجلَّ لي أنظر إليك فأزداد شرفا ، قال : لن تطيق رؤيتي . ثم أراد سبحانه أن يقنعه بأنه لا يطيقها فقال : لكن انظر إلى الجبل الذي هو أقوى منك ، فإن ثبت مكانه عند التجلي فسوف تراني إذا تجليت لك . فلما ظهر ربه للجبل على الوجه اللائق به تعالى ، جعله مفتتا مستويا بالأرض ، وسقط موسى مغشياً عليه لهول ما رأي ، فلما أفاق من صعقته قال : أنزهك يا رب تنزيها عظيما عن أن تُرى في الدنيا ، إني تبت إليك من الإقدام على السؤال بغير إذن ، وأنا أول المؤمنين في زماني بجلالك وعظمتك .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِي وَلَٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِيۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (143)

ثم حكى القرآن ما كان من موسى عندما وصل إلى طور سيناء لمناجاة ربه فقال : { وَلَمَّا جَآءَ موسى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } أى : وحين حضر موسى لموقتنا الذي وقتناه له وحددناه ، وكلمه ربه ، أى : خاطيه من غير واسطة ملك { قَالَ رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ } أى : قال موسى حين كلمه ربه وسمع منه : رب أرنى ذاتك الجليلة . والمراد مكنى من رؤيتك .

أو تجلى لى أنظر إليك وأراك .

و { أرني } فعل أمر مبنى على حذف الياء . وياء المتكلم مفعول ، والمفعول الثانى محذوف أى : ذاتك أو نفسك ولم يصرح به لأنه معلوم ، وزيادة في التأدب مع الخالق - عز وجل - .

وجملة { قَالَ لَن تَرَانِي } أى : لن تطيق رؤيتى ، وأنت في هذه النشأة وعلى الحالة التي أنت عليها في هذه الدنيا فنفى الرؤية منصب على الحالة الدنيوية ، أما في الآخرة فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن المؤمنين يرون ربهم في روضات الجنات .

ثم قال - تعالى - { ولكن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي } أى : لن تطيق رؤيتى يا موسى وأنت في هذه الحياة الدنيا ، ولكن انظر إلى الجبل الذي هو أقوى منك ، فإن استقر مكانه أى ثبت مكانه حيت أتجلى له لوم يتفتت من هذا التجلى ، فسوف ترانى أى تثبت لرؤيتى إذا تجليت لك وإلا فلا طاقة لك برؤيتى .

وفى هذا الاستدراك { ولكن انْظُرْ } . . . الخ ، تسلية لموسى - عليه السلام - وتلطف معه في الخطاب ، وتكريم له ، وتعظيم لأمر الرؤية ، وأنه لا يقوى عليها إلا من قواه الله بمعونته .

ثم بين - سبحانه - ما حدث للجبل عند التجلى فقال : { فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً } أى : فحين ظهر نوره - سبحانه - للجبل على الوجه اللائق بجلاله { جَعَلَهُ دَكّاً } أى مدقوقا مفتتا ، فنبه - سبحانه - بذلك على أن الجبل مع شدته وصلابته ما دام لم يستقر عند هذا التجلى ، فالآدمى مع ضعف بنيته أولى بأن لا يستقر . والدك والدق بمعنى ، وهو تفتيت الشىء وسحقه وفعله من باب رد .

قال الآلوسى : وهذا كما لا يخفى من المتشابهات التي يسلك فيها طريق التسليم وهو أسلم وأحكم ، أو التأويل بما يليق بجلال ذاته - تعالى - .

وقوله { وَخَرَّ موسى صَعِقاً } أى : سقط من هول ما رأى من النور الذي حصل به التجلى مغشيا عليه ، كمن أخذته الصاعقة .

يقال : صعقتهم السماء تصعقهم صعقا فهو صعق أى : غشى عليه .

وقوله : { فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين } أى : فلما أفاق موسى من غشيته ، وعاد إلى حالته الأولى التي كان عليها قبل أن يخر مغشيا عليه ، قال تعظيما لأمر الله { سُبْحَانَكَ } أى تنزيها لك من مشابهة خلقك في شىء { تُبْتُ إِلَيْكَ } من الإقدام على السؤال بغير إذن { وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين } بعظمتك وجلالك أو وأنا أول المؤمنين بأنه لا يراك أحد .

قال أبو العالية : قد كان قبله مؤمنون : ولكن يقول أنا أول المؤمنين أنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة . قال ابن كثير : وهو قول حسن .

هذا ، وقد توسع بعض المفسرين عند تفسيره لهذه الآية في الحديث عن رؤية الله - تعالى - وعلى رأس هذا البعض الإمام الآلوسى ، فقد قال - رحمه الله - : " واستدل أهل السنة المجوزون لرؤيته - سبحانه - بهذه الآية على جوازها في الجملة ، واستدل بها المعتزلة النفاة على خلاف ذلك ، وقامت الحرب بينهما على ساق ، وخلاصة الكلام في ذلك أن أهل السنة قالوا : إن الآية تدل على إمكان الرؤية من وجهين .

الأول : أن موسى - عليه السلام - سألها بقوله { رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ } ولو كانت مستحيلة فإن كان موسى عالما بالاستحالة فالعالم - فضلا عن النبى مطلقا ، فضلا عمن هو من أولى العزم - لا يسأل المحال ولا يطلبه . وإن لم يكن عالما بذلك ، لزم أن يكون آحاد المعتزلة أعلم بالله وما يجوز عليه وما لا يجوز من النبى الصفى ، والقول بذلك غاية الجهل والرعونة و حيث بطل القول بالاستحالة تعين القول بالجواز .

والثانى : أن فيها تعليق الرؤية على استقرار الجبل وهو ممكن في ذاته وما علق على الممكن ممكن " .

ثم قال ما ملخصه : واعترض الخصوم على الوجه الأول بوجوه منها أنا لا نسلم أن موسى سأل الرؤية وإنما سأل العلم الضرورى به - تعالى - إلا أنه عبر عنه بالرؤية مجازاً . أو أنه سأل رؤية علم من أعلامه الساعة بطريق حذف المضاف ، أى : أرنى أنظر إلى علم من أعلامك الدالة على الساعة . أو أنه سأل الرؤية لا لنفسه ولكن لدفع قومه القائلين { أَرِنَا الله جَهْرَةً } وإنما أضاف الرؤية إليه دونهم ليكون منعه أبلغ في دفعهم وردعهم عما سألوه تنبيها بالأدنى على الأعلى .

واعترضوا على الوجه الثانى بأنا لا نسلم أنه علق الرؤية على أمر ممكن ، لأن التعليق لم يكن على استقرار الجبل حال سكونه وإلا لوجدت الرؤية ضرورة وجود الشرط ، لأن الجبل حال سكونه كان مستقرا ، بل على استقراره حال حركته وهو محال لذاته .

ثم أورد الآلوسى بعد ذلك ما رد به كل فريق على الآخر مما لا مجال لذكره هنا .

والذى نراه أن رؤية الله في الآخرة ممكنة كما قال أهل السنة لورود الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة التي تشهد بذلك ، أما في الدنيا فقد منع العلماء وقوعها ، وقد بينا ذلك بشىء من التفصيل عند تفسيرنا لقوله - تعالى - { لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِي وَلَٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِيۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (143)

138

ثم يأتي السياق للمشهد التاسع . المشهد الفذ الذي اختص الله به نبيه موسى - عليه السلام - مشهد الخطاب المباشر بين الجليل - سبحانه - وعبد من عباده . المشهد الذي تتصل فيه الذرة المحدودة الفانية بالوجود الأزلي الأبدي بلا وساطة ؛ ويطيق الكائن البشري أن يتلقى عن الخالق الأبدي ، وهو بعد على هذه الأرض . . ولا ندري نحن كيف . . لا ندري كيف كان كلام الله - سبحانه - لعبده موسى . ولا ندري بأية حاسة أو جارحة أو أداة تلقى موسى كلمات الله . فتصوير هذا على وجه الحقيقة متعذر علينا نحن البشر المحكومين في تصوراتنا بنصيبنا المحدود من الطاقة المدركة ؛ وبرصيدنا المحدود من التجارب الواقعة . ولكننا نملك بالسر اللطيف المستمد من روح الله الذي في كياننا أن نستروح وأن نستشرف هذا الأفق السامق الوضيء . ثم نقف عند هذا الاستشراف لا نحاول أن نفسده بسؤالنا عن الكيفية ، نريد أن نتصورها بإدراكنا القريب المحدود !

( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ، قال : رب أرني أنظر إليك . قال : لن تراني ، ولكن انظر إلى الجبل ، فإن استقر مكانه فسوف تراني . فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً ، وخر موسى صعقاً . فلما أفاق قال : سبحانك ! تبت إليك وأنا أول المؤمنين . قال : يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي . فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين . وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء ، فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها . سأريكم دار الفاسقين . سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ، وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ، وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً ، ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين . والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم . هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ؟ )

إننا لفي حاجة إلى استحضار ذلك الموقف الفريد في خيالنا وفي أعصابنا وفي كياننا كله . . في حاجة إلى استحضاره لنستشرف ونحاول الاقتراب من تصوره ؛ ولنشعر بشيء من مشاعر موسى عليه السلام فيه . .

( ولما جاء موسى لميقاتنا ، وكلمه ربه ، قال : رب أرني أنظر إليك ) . .

إنها الوهلة المذهلة وموسى يتلقى كلمات ربه ؛ وروحه تتشوف وتستشرف وتشتاق إلى ما يشوق ! فينسى من هو ، وينسى ما هو ، ويطلب ما لا يكون لبشر في هذه الأرض ، وما لا يطيقه بشر في هذه الأرض . . يطلب الرؤية الكبرى وهو مدفوع في زحمة الشوق ودفعة الرجاء ولهفة الحب ورغبة الشهود . . حتى تنبهه الكلمة الحاسمة الجازمة :

( قال : لن تراني ) . .

ثم يترفق به الرب العظيم الجليل ، فيعلمه لماذا لن يراه . . إنه لا يطيق . .

( ولكن انظر إلى الجبل ، فإن استقر مكانه فسوف تراني ) . .

والجبل أمكن وأثبت . والجبل مع تمكنه وثباته أقل تأثراً واستجابة من الكيان البشري . . ومع ذلك فماذا ؟

( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً ) . .

فكيف كان هذا التجلي ؟ نحن لا نملك أن نصفه ، ولا نملك أن ندركه . ولا نملك أن نستشرفه إلا بتلك اللطيفة التي تصلنا بالله ، حين تشف أرواحنا وتصفو ، وتتجه بكليتها إلى مصدرها . فأما الألفاظ المجردة فلا تملك أن تنقل شيئاً . . لذلك لا نحاول بالألفاظ أن نصور هذا التجلي . . ونحن أميل إلى اطراح كل الروايات التي وردت في تفسيره ؛ وليس منها رواية عن المعصوم [ ص ] والقرآن الكريم لم يقل عن ذلك شيئاً .

( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً ) . .

وقد ساخت نتوءاته فبدا مسًّوى بالأرض مدكوكاً . . وأدركت موسى رهبة الموقف ، وسرت في كيانه البشري الضعيف :

( وخر موسى صعقاً ) .

مغشياً عليه ، غائباً عن وعيه .

( فلما أفاق ) . .

وثاب إلى نفسه ، وأدرك مدى طاقته ، واستشعر أنه تجاوز المدى في سؤاله :

( قال : سبحانك ! ) . .

تنزهت وتعاليت عن أن ترى بالأبصار وتدرك .

( تبت إليك ) . .

عن تجاوزي للمدى في سؤالك !

( وأنا أول المؤمنين ) . .

والرسل دائماً هم أول المؤمنين بعظمة ربهم و جلاله ، وبما ينزله عليهم من كلماته . . وربهم يأمرهم أن يعلنوا هذا ، والقرآن الكريم يحكي عنهم هذا الإعلان في مواضع منه شتى .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِي وَلَٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِيۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (143)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَمّا جَآءَ مُوسَىَ لِمِيقَاتِنَا وَكَلّمَهُ رَبّهُ قَالَ رَبّ أَرِنِيَ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلََكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمّا تَجَلّىَ رَبّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرّ موسَىَ صَعِقاً فَلَمّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوّلُ الْمُؤْمِنِينَ } . .

يقول تعالى ذكره : ولما جاء موسى للوقت الذي وعدنا أن يلقانا فيه ، وكلّمه ربه وناجاه ، قال موسى لربه : أرِني أنْظُرْ إلَيْكَ قال الله له مجيبا : لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إلى الجَبَلِ .

وكان سبب مسألة موسى ربه النظر إليه ، ما :

حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : إن موسى عليه السلام لما كلّمه ربه أحبّ أن ينظر إليه ، قالَ رَبّ أرِني أنْظُرْ إلَيْكَ قالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إلى الجَبَلِ فإنِ اسْتَقَرّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي . فحفّ حول الجبل ، وحفّ حول الملائكة بنار ، وحفّ حول النار بملائكة ، وحفّ حول الملائكة بنار ، ثم تجلى ربه للجبل .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، في قوله : وَقَرّبْناهُ نَجِيّا قال : ثني من لقي أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قرّبه الربّ حتى سمع صريف القلم ، فقال عند ذلك من الشوق إليه : رَبّ أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ قالَ لَنْ تَرَنِي وَلَكِنِ انْظُرْ إلى الجَبَلِ .

حدثنا القاسم ، قال : ثني الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر الهذليّ ، قال : لما تخلف موسى عليه السلام بعد الثلاثين ، حتى سمع كلام الله اشتاق إلى النظر إليه ، فقال : رَبّ أرِني أنْظُرْ إلَيْكَ قالَ لَنْ تَرَانِي وليس لبشر أن يطيق أن ينظر إليّ في الدنيا ، من نظر إليّ مات . قال : إلهي سمعت منطقك واشتقت إلى النظر إليك ، ولأن أنظر إليك ثم أموت أحبّ إليّ من أن أعيش ولا أراك قال : فانظر إلى الجبل ، فإن استقرّ مكانه فسوف تراني .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : أرِني أنْظُرْ إلَيْكَ قال : أعطني .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : استخلف موسى هارون على بني إسرائيل ، وقال : إني متعجل إلى ربي ، فاخلفني في قومي ، ولا تتبع سبيل المفسدين فخرج موسى إلى ربه متعجلاً للقيّه شوقا إليه ، وأقام هارون في بني إسرائيل ، ومعه السامريّ يسير بهم على أثر موسى ليلحقهم به . فلما كلم الله موسى ، طمع في رؤيته ، فسأل ربه أن ينظر إليه ، فقال الله لموسى : إنّكَ لَنْ تَرَانِي ولكن انْظر إلى الجَبَلِ فإنِ اسْتَقَرّ مَكانَهُ فَسَوفَ تَرانِي . . . الاَية : قال ابن إسحاق : فهذا ما وصل إلينا في كتاب الله عن خبر موسى لما طلب النظر إلى ربه . وأهل الكتاب يزعمون وأهل التوراة ، أن قد كان لذلك تفسير وقصة وأمور كثيرة ومراجعة لم تأتنا في كتاب الله ، والله أعلم . قال ابن إسحاق عن بعض أهل العلم الأوّل بأحاديث أهل الكتاب : إنهم يجدون في تفسير ما عندهم من خبر موسى حين طلب ذلك إلى ربه أنه كان من كلامه إياه حين طمع في رؤيته ، وطلب ذلك منه ، وردّ عليه ربه منه ما ردّ ، أن موسى كان تطهّر وطهّر ثيابه وصام للقاء ربه فلما أتى طور سينا ، ودنا الله له في الغمام فكلمه ، سبحه وحمده وكبره وقدّسه ، مع تضرّع وبكاء حزين ، ثم أخذ في مدحته ، فقال : ربّ ما أعظمك وأعظم شأنك كله ، من عظمتك أنه لم يكن شيء من قبلك ، فأنت الواحد القهار ، كان عرشك تحت عظمتك نار توقد لك ، وجعلت سرادق من دونه سرادق من نور ، فما أعظمك ربّ ، وأعظم ملكك ، جعلت بينك وبين ملائكتك مسيرة خمسمائة عام ، فما أعظمك ربّ وأعظم ملكك في سلطانك ، فإذا أردت شيئا تقضيه في جنودك الذين في السماء ، أو الذين في الأرض ، وجنودك الذين في البحر ، بعثت الريح من عندك لا يراها شيء من خلقك إلاّ أنت إن شئت ، فدخلت في جوف من شئت من أنبيائك ، فبلغوا لما أردت من عبادك ، وليس أحد من ملائكتك يستطيع شيئا من عظمتك ، ولا من عرشك ، ولا يسمع صوتك ، فقد أنعمت عليّ ، وأعظمت عليّ في الفضل ، وأحسنت إليّ كلّ الإحسان ، عظمتني في أمم الأرض ، وعظمتني عند ملائكتك ، وأسمعتني صوتك ، وبذلت لي كلامك ، وآتيتني حكمتك ، فإن أعدّ نعماك لا أحصيها ، وإن أردت شكرك لا أستطيعها . دعوتك ربّ على فرعون بالاَيات العظام ، والعقوبة الشديدة ، فضربت بعصاي التي في يدي البحر ، فانفلق لي ولمن معي ، ودعوتك حين جزت البحر ، فأغرقت عدوّك وعدوّي ، وسألتك الماء لي ولأمتي ، فضربت بعصاي التي في يدي الحجر ، فمنه أرويتني وأمتي ، وسألتك لأمتي طعاما لم يأكله أحد كان قبلهم ، فأمرتني أن أدعوك من قِبَل المشرق ، ومن قِبَل المغرب . فناديتك من شرقي أمتي ، فأعطيتهم المنّ من مشرقي لنفسي ، وآتيتهم السلوى من غربيهم من قِبَل البحر ، واشتكيت الحرّ فناديتك ، فظللت عليهم بالغمام ، فما أطيق نعماك عليّ أن أعدّها ولا أحصيها ، وإن أردت شكرها لا أستطيعها . فجئتك اليوم راغبا طالبا سائلاً متضرّعا ، لتعطيني ما منعت غيري ، أطلب إليك وأسألك يا ذا العظمة والعزّة والسلطان أن تريني أنظر إليك ، فإني قد أحببت أن أرى وجهك الذي لم يره شيء من خلقك . قال له ربّ العزّة : فلا ترى يا ابن عمران ما تقول ؟ تكلمت بكلام هو أعظم من سائر الخلق ، لا يراني أحد فيحيا ، أليس في السموات معمري ، فإنهن قد ضعفن أن يحملن عظمتي ، وليس في الأرض معمري ، فإنها قد ضعفت أن تسع بجندي ، فلست في مكان واحد فأتجلى لعين تنظر إليّ . قال موسى : يا ربّ أن أراك وأموت ، أحبّ إليّ من أن لا أراك ولا أحيا ، قال له ربّ العزّة : يا ابن عمران تكلّمت بكلام هو أعظم من سائر الخلق ، لا يراني أحد فيحيا . قال : ربّ تمم عليّ نعماك ، وتمم عليّ فضلك ، وتمم عليّ إحسانك هذا الذي سألتك ليس لي أن أراك فأقبض ، ولكن أحبّ أن أراك فيطمئن قلبي . قال له : يا ابن عمران لن يراني أحد فيحيا . قال : موسى ربّ تمم عليّ نعماك وفضلك ، وتمم عليّ إحسانك هذا الذي سألتك ليس لي أن أراك فأموت على أثر ذلك أحبّ إليّ من الحياة ، فقال الرحمن المترحم على خلقه : قد طلبت يا موسى ، وأعطيتك سؤلك إن استطعت أن تنظر إليّ ، فاذهب فاتخذ لوحين ، ثم انظر إلى الحجر الأكبر في رأس الجبل ، فإن ما وراءه وما دونه مضيق لا يسع إلاّ مجلسك يا ابن عمران ، ثم انظر فإني أهبط إليك وجنودي من قليل وكثير . ففعل موسى كما أمره ربه ، نحت لوحين ثم صعد بهما إلى الجبل ، فجلس على الحجر : فلما استوى عليه ، أمر الله جنوده الذين في السماء الدنيا ، فقال : ضعي أكنافك حول الجبل ، فسمعت ما قال الربّ ففعلت أمره ، ثم أرسل الله الصواعق والظلمة والضباب على ما كان يلي الجبل الذي يلي موسى أربعة فراسخ من كل ناحية ، ثم أمر الله ملائكة الدنيا أن يمرّوا بموسى ، فاعترضوا عليه ، فمروا به طيران النعَر تنبع أفواههم بالتقديس والتسبيح بأصوات عظيمة كصوت الرعد الشديد ، فقال موسى بن عمران عليه السلام : ربّ إني كنت عن هذا غنيا ، ما ترى عيناي شيئا قد ذهب بصرهما من شعاع النور المتصفف على ملائكة ربي . ثم أمر الله ملائكة السماء الثانية أن اهبطوا على موسى ، فاعترضوا عليه ، فهبطوا أمثال الأسْد ، لهم لَجَبٌ بالتسبيح والتقديس ، ففزع العبد الضعيف ابن عمران مما رأى ومما سمع ، فاقشعرّت كلّ شعرة في رأسه وجلده ، ثم قال : ندمت على مسئلتي إياك ، فهل ينجيني من مكاني الذي أنا فيه شيء ؟ فقال له خير الملائكة ورأسهم : يا موسى اصبر لما سألت ، فقليل من كثير ما رأيت ثم أمر الله ملائكة السماء الثالثة أن اهبطوا على موسى ، فاعترضوا عليه ، فأقبلوا أمثال النسور لهم قصْف ورجف ولجب شديد ، وأفواههم تنبع بالتسبيح والتقديس كلجب الجيش العظيم أو كلهب النار ، ففزع موسى ، وأيست نفسه ، وأساء ظنه ، وأيس من الحياة ، فقال له خير الملائكة ورأسهم : مكانك يا ابن عمران ، حتى ترى ما لا تصير عليه ؟ ثم أمر الله ملائكة السماء الرابعة أن اهبطوا فاعترِضوا على موسى بن عمران . فأقبلوا وهبطوا عليه لا يشبههم شيء من الذين مرّوا به قبلهم ، ألوانهم كلهب النار ، وسائر خلقهم كالثلج الأبيض ، أصواتهم عالية بالتسبيح والتقديس ، لا يقاربهم شيء من أصوات الذين مرّوا به قبلهم . فاصطكت ركبتاه ، وأرعد قلبه ، واشتدّ بكاؤه ، فقال خير الملائكة ورأسهم : يا ابن عمران اصبر لما سألت ، فقليل من كثير ما رأيت ثم أمر الله ملائكة السماء الخامسة أن اهبطوا فاعترِضوا على موسى ، فهبطوا عليه سبعة ألوان ، فلم يستطع موسى أن يتبعهم طرفه ، ولم ير مثلهم ولم يسمع مثل أصواتهم ، وامتلأ جوفه خوفا ، واشتدّ حزنه ، وكثر بكاؤه ، فقال له خير الملائكة ورأسهم : يا ابن عمران مكانك حتى ترى ما لا تصبر عليه ثم أمر الله ملائكة السماء السادسة أن اهبطوا على عبدي الذي طلب أن يراني موسى بن عمران واعترِضوا عليه . فهبطوا عليه في يد كلّ ملك مثل النخلة الطويلة نارا أشدّ ضوءا من الشمس ، ولباسهم كلهب النار ، إذا سبحوا وقدّسوا جاوبهم من كان قبلهم من ملائكة السموات كلهم ، يقولون بشدة أصواتهم : سبوح قدّوس ربّ العزّة أبدا لا يموت ، في رأس كلّ ملك منهم أربعة أوجه . فلما رآهم موسى رفع صوته يسبّح معهم حين سبحوا ، وهو يبكي ويقول : ربّ اذكرني ، ولا تنس عبدك لا أدري أنقلب مما أنا فيه أم لا ؟ إن خرجت أحرقت ، وإن مكثت متّ . فقال له كبير الملائكة ورئيسهم : قد أوشكت يا ابن عمران أن يمتلىء جوفك ، وينخلع قلبك ، ويشتدّ بكاؤك فاصبر للذي جلست لتنظر إليه يا ابن عمران وكان جبل موسى جبلاً عظيما ، فأمر الله أن يحمل عرشه ، ثم قال : مرّوا بي على عبدي ليراني ، فقليل من كثير ما رأى فانفرج الجبل من عظمة الربّ ، وغشي ضوء عرش الرحمن جبل موسى ، ورفعت ملائكة السموات أصواتها جميعا ، فارتجّ الجبل فاندكّ ، وكلّ شجرة كانت فيه ، وخرّ العبد الضعيف موسى بن عمران صعقا على وجهه ليس معه روحه ، فأرسل الله الحياة برحمته ، فتغشاه برحمته وقلب الحجر الذي كان عليه وجعله كالمعدة ، كهيئة القبة لئلا يحترق موسى ، فأقامه الروح مثل الأم أقامت جنينها حين يصرع ، قال : فقام موسى يسبح الله ويقول : آمنت أنك ربي ، وصدّقت أنه لا يراك أحد فيحيا ، ومن نظر إلى ملائكتك انخلع قلبه ، فما أعظمك ربّ وأعظم ملائكتك ، أنت ربّ الأرباب وإله الاَلهة وملك الملوك ، تأمر الجنود الذين عندك فيطيعونك ، وتأمر السماء وما فيها فتطيعك ، لا تستنكف من ذلك ، ولا يعدلك شيء ولا يقوم لك شيء ، ربّ تبت إليك ، الحمد لله الذي لا شريك له ، ما أعظمك وأجلك ربّ العالمين

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمّا تَجَلّى رَبّهُ للْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا وَخَرّ مِوسَى صَعِقا .

يقول تعالى ذكره : فما اطلع الربّ للجبل جعل الله الجبل دكّا : أي مستويا بالأرض . وخَرّ مُوسَى صَعِقا أي مغشيّا عليه .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثني الحسين بن محمد بن عمرو العنقزي ، قال : ثني أبي ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قول الله : فَلَمّا تَجَلّى رَبّهُ للْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا قال : ما تجلى منه إلا قدر الخنصر . جَعَلَهُ دَكّا قال : ترابا . وَخَرّ مُوسَى صَعِقا قال : مغشيّا عليه .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، قال : زعم السديّ ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال : تجلى منه مثل الخنصر ، فجعل الجبل دكّا ، وخرّ موسى صعقا ، فلم يزل صعقا ما شاء الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَخَرّ مُوسَى صَعِقا قال : مغشيّا عليه .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَلَمّا تَجَلّى رَبّهُ للْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا قال : انقعر بعضه على بعض . وَخَرّ مُوسَى صَعِقا : أي ميتا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : وَخَرّ مُوسَى صَعِقا : أي ميتا .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : دَكّا قال : دكّ بَعْضُه بعضا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : سمعت سفيان يقول في قوله : فَلَمّا تَجَلّى رَبّهُ للْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا قال : ساخ الجبل في الأرض حتى وقع في البحر ، فهو يذهب معه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، عن الحجاج ، عن أبي بكر الهذليّ : فَلَمّا تَجَلّى رَبّهُ للْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا : انقعر فدخل تحت الأرض فلا يظهر إلى يوم القيامة .

حدثنا أحمد بن سهيل الواسطي ، قال : حدثنا قرة بن عيسى ، قال : حدثنا الأعمش ، عن رجل ، عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : «لَمّا تَجَلّى رَبّهُ للْجَبَلِ أشارَ بأُصْبُعَيْهِ فَجَعَلَهُ دَكّا » . وأرانا أبو إسماعيل بأصبعه السبّابة .

حدثني المثنى ، قال : ثني الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الاَية : فَلَمّا تَجَلّى رَبّهُ للْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا قال : «هكذا » بأصبعه ووضع النبيّ صلى الله عليه وسلم الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر ، «فسَاخَ الجَبَلُ » .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا هدبة بن خالد ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك ، قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : فَلَمّا تَجَلّى رَبّهُ للْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا قال : وضع الإبهام قريبا من طرف خنصره ، قال : «فَساخَ الجَبَلُ » فقال حميد لثابت : تقول هذا ؟ قال : فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد ، وقال : يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقوله أنس وأنا أكتمه

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع فَلَمّا تَجَلّى رَبّهُ للْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا وَخَرّ مُوسَى صَعِقا وذلك أن الجبل حين كشف الغطاء ورأى النور صار مثل دك من الدكات .

حدثنا الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو سعد ، عن مجاهد : وَلمّا جاءَ مُوسَى لِميقاتِنا وكَلّمَهُ رَبّهُ قالَ رَبّ أرِني أنْظُرْ إلَيْكَ قالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إلى الجَبَلِ فإن اسْتَقَرّ مَكانَهُ فإنه أكبر منك وأشد خلقا . فَلَمّا تَجَلّى رَبّهُ للْجَبَلِ فنظر إلى الجبل لا يتمالك ، وأقبل الجبل يندّك على أوّله فلما رأى موسى ما يصنع الجبل خرّ صعقا .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : دَكّا . فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة والبصرة : دَكّا مقصورا بالتنوين ، بمعنى : دك الله الجبل دكّا أي فَتّتَه ، واعتبارا بقول الله : كَلاّ إذَا دُكّتِ الأرْضِ دَكّا دَكّا ، وقوله : وحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكّتا دَكّةً وَاحِدَةً . واستشهد بعضهم على ذلك بقول حميد :

يَدُكّ أرْكانَ الجِبالِ هَزَمُهْ ***تَخْطِرُ بالبِيضِ الرّقاقُ بُهَمُهْ

وقرأته عامّة قرّاء الكوفيين : «جَعَلَهُ دَكّاءَ » بالمدّ وترك الجرّ والتنوين ، مثل حمراء وسوداء . وكان ممن يقرؤه كذلك عكرمة ، ويقول فيه ما :

حدثني به أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم بن سلام ، قال : حدثنا عباد بن عباد ، عن يزيد بن حازم ، عن عكرمة ، قال : دكّاء من الدكّاوات . وقال : لما نظر الله تبارك وتعالى إلى الجبل صار صخره ترابا .

واختلف أهل العربية في معناه إذا قرىء كذلك . فقال بعض نحويي البصرة : العرب تقول : ناقة دكاء : ليس لها سنام ، وقال : الجبل مذكر ، فلا يشبه أن يكون منه إلا أن يكون جعله مثل دكاء حذف مثل وأجراه مجرى : واسألِ القَرْيَةِ . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : معنى ذلك : جعل الجبل أرضا دكّاء ، ثم حذفت الأرض وأقيمت الدكاء مقامها إذ أدّت عنها .

وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي قراءة من قرأ : «جعله دكاء » بالمدّ ، وترك الجرّ لدلالة الخبر الذي رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على صحته وذلك أنه رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : «فَساخَ الجَبَلُ » ولم يقل : فتفتّت ، ولا تحوّل ترابا . ولا شكّ أنه إذا ساخ فذهب ظهر وجه الأرض ، فصار بمنزلة الناقة التي قد ذهب سنامها ، وصارت دكاء بلا سنام . وأما إذا دكّ بعضه فإنما يكسر بعضه بعضا ويتفتّت ولا يسوخ . وأما الدكاء فإنها خَلَفٌ من الأرض ، فلذلك أُنثت على ما قد بينت . فمعنى الكلام إذن : فلما تجلى ربه للجبل ساخ ، فجعل مكانه أرضا دكاء .

وقد بيّنا معنى الصعِق بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمّا أفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ وأنا أوّلُ المُؤْمِنِينَ .

يقول تعالى ذكره : فلما ثاب إلى موسى عليه السلام فهمه من غشيته ، وذلك هو الإفاقة من الصعقة التي خرّ لها موسى صلى الله عليه وسلم ، قال : سُبْحانَكَ تنزيها لك يا ربّ وتبرئة أن يراك أحد في الدنيا ثم يعيش . تُبْتُ إلَيْكَ من مسألتي إياك ما سألتك من الرؤية . وأنا أوّلُ المُؤْمِنِينَ بك من قومي أن لا يراك في الدنيا أحد إلا هلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله بن موسى ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله : تُبْتُ إلَيْكَ وأنا أوّلُ المُؤْمِنِينَ قال : كان قبله مؤمنون ، ولكن يقول : أنا أوّل من آمن بأنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : لما رأى موسى ذلك وأفاق ، عرف أنه قد سأل أمرا لا ينبغي له ، فقال : سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ وأنا أوّلُ المُؤْمِنِينَ قال أبو العالية : عنى أنى أوّل من آمن بك أنه لن يراك أحد قبل يوم القيامة .

حدثني عبد الكريم بن الهيثم ، قال : حدثنا إبراهيم بن بشار ، قال : قال سفيان : قال أبو سعد ، عن عكرمة عن ابن عباس : وَخَرّ مُوسَى صَعِقا فمرّت به الملائكة وقد صعق ، فقالت : يا ابن النساء الحيض لقد سألت ربك أمرا عظيما . فلما أفاق قال : سبحانك لا إله إلا أنت ، تبت إليك ، وأنا أوّل المؤمنين قال : أنا أوّل من آمن أنه لا يراك أحد من خلقك ، يعني في الدنيا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ وأنا أوّلُ المُؤْمِنِينَ يقول : أنا أوّل من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد : سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ قال : من مسألتي الرؤية .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو سعد ، عن مجاهد : قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ أن أسألك الرؤية .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو نعيم ، عن سفيان ، عن عيسى بن ميمون ، عن رجل ، عن مجاهد : سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ أن أسألك الرؤية .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عيسى بن ميمون ، عن مجاهد ، في قوله : سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ قال : تبت إليك من أن أسألك الرؤية .

وقال آخرون : معناه قوله : وأنا أوّلُ المُؤْمِنِينَ بك من بني إسرائيل . ذكر من قال ذلك :

حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : وأنا أوّلُ المُؤْمِنِينَ قال : أوّل من آمن بك من بني إسرائيل .

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : وأنا أوّلُ المُؤْمِنِينَ يعني : أوّل المؤمنين من بني إسرائيل .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : وأنا أوّلُ المُؤْمِنِينَ أنا أوّل قومي إيمانا .

حدثنا ابن وكيع والمثنى ، قالا : حدثنا أبو نعيم ، عن سفيان ، عن عيسى بن ميمون ، عن رجل ، عن مجاهد : وأنا أوّلُ المُؤْمِنِينَ يقول : أوّل قومي إيمانا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وأنا أوّلُ المُؤْمِنِينَ قال : أنا أوّل قومي إيمانا .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو سعد ، قال : سمعت مجاهدا يقول في قوله : وأنا أوّلُ المُؤْمِنِينَ قال : أوّل قومي آمن .

وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في قوله : وأنا أوّلُ المُؤْمِنِينَ على قول من قال : معناه : أنا أوّل المؤمنين من بني إسرائيل لأنه قد كان قبله في بني إسرائيل مؤمنون وأنبياء ، منهم ولد إسرائيل لصلبه ، وكانوا مؤمنين وأنبياء ، فلذلك اخترنا القول الذي قلناه قبل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِي وَلَٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِيۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (143)

ثم أخبر الله تعالى عن «موسى » عليه السلام أنه لما جاء إلى الموضع الذي حد له وفي الوقت الذي عين له وكلمه ربه قال تمنياً منه أي { رب أرني أنظر إليك } وقرأ الجمهور : { أرِني } بكسر الراء ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير { أرْني } بسكون الراء ، والمعنى في قوله { كلمه } أي خلق له إدراكاً سمع به الكلام القائم بالذات القديم الذي هو صفة ذات ، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : أدنى الله تعالى «موسى » حتى سمع صريف الأقلام في اللوح ، وكلام الله عز وجلّ لا يشبه شيئاً من الكلام الذي للمخلوقين ولا في جهة من الجهات وما هو موجود لا كالموجودات ، ومعلوم لا كالمعلومات ، كذلك كلامه لا يشبه الكلام الذي فيه علامات الحدوث ، والواو عاطفة { كلمه } على { جاء } ، ويحتمل أن تكون واو الحال والأول أبين ، وقال وهب بن منبه كلم الله «موسى » في ألف مقام كان يرى نور على وجهه ثلاثة أيام إثر كل مقام ، وما قرب «موسى » النساء منذ «كلمة » الله تعالى ، وجواب { لما } في قوله { قال } ، والمعنى أنه لما «كلمه » وخصه بهذه المرتبة طمحت همته إلى رتبة الرؤية وتشويق إلى ذلك ، فسأل ربه أن يريد نفسه ، قاله السدي وأبو بكر الهذلي ، وقال الربيع : قربناه نجياً حتى سمع صريف الأقلام ، ورؤية الله عز وجل عند الأشعرية وأهل السنة جائزة عقلاً ، لأنه من حيث هو موجود تصح رؤيته ، قالوا لأن الرؤية للشيء لا تتعلق بصفة من صفاته أكثر من الوجود ، إلا أن الشريعة قررت رؤية الله تعالى في الآخرة نصاً ومنعت من ذلك في الدنيا بظواهر من الشرع ، فموسى عليه السلام لم يسأل ربه محالاً وإنما سأل جائزاً .

وقوله تعالى : { لن تراني ولكن انظر إلى الجبل } الآية ليس بجواب من سأل محالاً ، وقد قال تعالى لنوح { فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين } فلو سأل «موسى » محالاً لكان في الكلام زجر ما وتبيين ، وقوله عز وجل : { لن تراني } نص من الله تعالى على منعه الرؤية في الدنيا ، و { لن } تنفي الفعل المستقبل ولو بقينا مع هذا النفي بمجردة لقضينا أنه لا يراه «موسى » أبداً ولا في الآخرة لكن ورد من جهة أخرى بالحديث المتواتر أن أهل الإيمان يرون الله تعالى يوم القيامة ، فموسى عليه السلام أحرى برؤيته ، وقال مجاهد وغيره : إن الله عز وجل قال لموسى لن تراني ولكن سأتجلى للجبل الذي هو أقوى منك وأشد فإن استقر وأطاق الصبر لهيبتي فستمكنك أنت رؤيتي .

قال القاضي أبو محمد : فعلى هذا إنما جعل الله له الجبل مثالاً وقالت فرقة : إنما المعنى سأتبدى لك على الجبل فإن استقر لعظمتي فسوف تراني ، وروي في كيفية وقوف «موسى » وانتظاره الرؤية قصص طويل اختصرته لبعده وكثرة مواضع الاعتراض فيه .

قوله عز وجل :

{ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ يا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ الشَّاكِرِينَ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ }

قال المتأولون المتكلمون كالقاضي الباقلاني وغيره : إن الله عز وجل خلق للجبل حياة وحساً وإدراكاً يرى به ، ثم تجلى له أي ظهر وبدا سلطانه فاندك الجبل لشدة المطلع فلما رأى موسى ما بالجبل صعق ، وهذا المعنى هو المروي عن ابن عباس ، وأسند الطبري عن حماد بن زيد عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً } قال : فوضع الإبهام قريباً عن خنصره قال فساخ الجبل ، فقال حميد لثابت : تقول هذا ؟ فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد ، وقال : يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقوله أنس ، وأكتمه أنا ؟ وقالت فرقة : المعنى فلما تجلى الله للجبل بقدرته وسلطانه اندك الجبل .

قال القاضي أبو محمد : وهذا التأويل يتمسك به المعتزلة تمسكاً شديداً لقولهم إن رؤية الله عز وجل غير جائزة ، وقائله من أهل السنة إنما يقوله مع اعتقاده جواز الرؤية ولكنه يقول إنه أليق بألفاظ الآية من أن تحمل الآية أن الجبل خلق له إدراك وحياة ، وقال الزّجاج : من قال إن التقدير فلما تجلى أمر ربه فقد أخطأ ولا يعرف أهل اللغة ذلك ، ورد أبو علي في الإغفال عليه ، والدك الانسحاق والتفتت ، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم وابن مسعود وأنس بن مالك والحسن وأبو جعفر وشيبة ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو ونافع وعاصم وابن عامر «دكاً » ، وقرأ حمزة والكسائي وابن عباس والربيع بن خثيم وغيرهم «دكاء » على وزن حمراء ، والدكاء : الناقة التي لا سنام لها ، فالمعنى جعله أرضاً دكاء تشبيهاً بالناقة ، فروي أنه ذهب الجبل بجملته ، وقيل ذهب أعلاه وبقي أكثره ، وروي أن الجبل تفتت وانسحق حتى صار غباراً تذروه الرياح ، وقال سفيان : روي أنه ساخ في الأرض وأفضى إلى البحر الذي تحت الأرضين ، قال ابن الكلبي فهو يهوي فيه إلى يوم القيامة ، وروي أنه انكسر ست فرق فوقعت منه ثلاث بمكة ثبير وغار ثور وحراء ، وثلاث بالمدينة أحد وورقان ورضوى ، قاله النقاش ، وقال أبو بكر الهذلي : ساخ في الأرض فلا يظهر إلى يوم القيامة ، و { صعقاً } معناه مغشياً عليه كحال من تصيبه الصعقة وهي الصيحة المفرطة ، قال الخليل : وهي الوقع الشديد من صوت الرعد قاله ابن زيد وجماعة من المفسرين ، وقال قتادة : كان موتاً ، قال الزجّاج : وهو ضعيف ، ولفظة { أفاق } تقتضي غير هذا ، وقوله { سبحانك } أي تنزيهاً لك ، كذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله { تبت إليك } معناه من أن أسألك الرؤية في الدنيا وأنت لا تبيحها .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل عندي أنه لفظ قاله عليه السلام لشدة هول ما اطلع ولم يعن به التوبة من شيء معين ولكنه لفظ يصلح لذلك المقام .

قال القاضي أبو محمد : والذي يتحرز منه أهل السنة أن تكون توبة من سؤال المحال كما زعمت المعتزلة ، وقرأ نافع { وأنا } بإثبات الألف في الإدراج ، قال الزهراوي والأولى حذفها في الإدراج وإثباتها لغة شاذة خارجة عن القياس ، وقوله { أول } إما أن يريد من قومه بني إسرائيل ، وهو قول ابن عباس ومجاهد أو من أهل زمانه ان كان الكفر قد طبق الآفاق وإما أن يريد أول المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا ، قاله أبو العالية .