المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{طسٓۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابٖ مُّبِينٍ} (1)

مقدمة السورة:

النمل مكية ، وعدد آياتها ثلاث وتسعون آية .

وقد ابتدأت بالحروف الصوتية تنبيها لمنزلة القرآن الذي يجانس كلام العرب ، ومع ذلك أعجزهم ، وهي فوق ذلك تنبيه لمن يتغافل عن الاستماع ، وجاءت بعد ذلك بقصة موسى ، وذكر بعض معجزاته عليه السلام وقصة داود عليه السلام ووراثة ولده سليمان لملكه ، وحشر الجن والإنس والطير له ، وفهمه عليه السلام لكلام الحيوان ، وشكره هذه النعمة ، ثم غيبة الهدهد ، ومجيئه بقصة بلقيس ، وعبادتها وقومها للشمس ، وإرسال سليمان عليه السلام إليها كتابا ، وردها عليه بهدية بعد استشارتها قومها ، وإحضار عرشها عن طريق من عنده علم من الكتاب ، ودخولها قصر سليمان الذي أدهشها ، فأعلنت طاعتها وإيمانها به .

وقد ذكرت قصة صالح مع قومه وقصة لوط عليه السلام وقومه ، ونجاته وأهله وإهلاك الفاسقين ونبهت السورة الكريمة إلى ما في خلق السماوات والأرض من دلائل على قدرته ووحدانيته .

وأشارت إلى مقام القرآن الكريم في الدعوة ، وإعراض المشركين عنه مع كمال إعجازه وذكرت ما سيكون من خروج دابة تكلم الناس أنهم كانوا بآياتنا لا يوقنون . ثم وجهت الأنظار إلى الكون ، وكيف يفرغ كل من فيه عند النفخ للبعث والنشور . ونبهت إلى حال الأرض وأن جبالها تمر مر السحاب ورسمت ما يتبعه الرسول في دعوته ، ووجوب أن يحمد الله سبحانه .

1- طس - حرفان صوتيان ابتدأت بهما السورة الكريمة تنبيها إلى سر الإعجاز في القرآن مع الإشارة إلى أنه من جنس ما يتكلمون ، ولتنبيه الأذهان للاستماع إليه .

تلك آيات المنزل مقروءاً تتلونه ، وهو كتاب مبين لما جاء به .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{طسٓۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابٖ مُّبِينٍ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة النمل

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة وتمهيد

1- سورة النمل ، من السور المكية : وهي السورة السابعة والعشرون في ترتيب المصحف ، وكان نزولها بعد سورة الشعراء .

قال القرطبي : سورة النمل ، مكية كلها في قول الجميع( {[1]} ) .

2- وسميت بسورة النمل ، لقوله –تعالى- : [ حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة ] .

قال الآلوسي : " وتسمى أيضاً –كما في الدر المنثور- سورة سليمان ، وعدد آياتها خمس وتسعون آية –عند الحجازيين- ، وأربع وتسعون –عند البصريين- وثلاث وتسعون –عند الكوفيين- " ( {[2]} ) .

3- وقد افتتحت سورة النمل بالثناء على القرآن الكريم ، وعلى المؤمنين الذي يحافظون على فرائض الله –تعالى- ، ويوقنون بالآخرة وما فيها من ثواب أو عقاب . . .

أما الذين لا يؤمنون بالآخرة ، فقد أنذرتهم بسوء المصير [ أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون ] .

4- ثم تحدثت السورة بعد ذلك عن جانب من قصة موسى –عليه السلام- فذكرت لنا ما قاله موسى لأهله عند ما آنس من جانب الطور ناراً ، وما قاله الله –تعالى- له عندما جاءها ، وما أمره –سبحانه- به ، في قوله –تعالى- : [ وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مديراً ولم يعقب . يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون ] .

5- ثم تحدثت السورة بعد ذلك عما منحه الله –تعالى- لداود وسليمان –عليهما السلام- من علم واسع ، ومن عطاء كبير ، وحكت ما قالته نملة عندما رأت سليمان وجنوده ، كما حكت ما دار بين سليمان –عليه السلام- وبين الهدهد ، وما دار بينه –عليه السلام- وبين ملكة سبأ من كتب ومحاورات انتهت بإسلام ملكة سبأ ، حيث قالت : [ رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ] .

ثم ساقت السورة جانباً من قصة صالح –عليه السلام- مع قومه ، فتحدثت عن الرهط التسعة الذين كانوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، والذين بيتوا السوء لنبيهم صالح وللمؤمنين معه ، فكانت نتيجة مكر هؤلاء المفسدين الخسار والهلاك . كما قال –تعالى- [ ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون . فانظر كيف كان عاقبة مكرهم ، أنا دمرناهم وقومهم أجمعين . فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا . . ] .

7- وبعد أن ساقت السورة جانباً من قصة لوط –عليه السلام- مع قومه . أتبعت ذلك بالحديث عن وحدانية الله –تعالى- وقدرته ، فذكرت ألواناً من الأدلة على ذلك ، وقد قال –سبحانه- في أعقاب كل دليل [ أإله مع الله ] ، وكرر ذلك خمس مرات ، في خمس آيات .

8- وبعد هذا الحديث المتنوع عن مظاهر وحدانية الله وقدرته –سبحانه- ، أخذت السورة الكريمة في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وفي تثبيت فؤاده ، وفي بيان أن هذا القرآن هداية ورحمة .

قال –تعالى- : [ إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون . وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين . إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم . فتوكل على الله إنك على الحق المبين ] .

9- ثم ختم –سبحانه- السورة الكريمة بالحديث عن علامات الساعة وأهوالها ، وعن عاقبة المؤمنين ، وعاقبة الكافرين ، وعن المنهج الذي اتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر غيره باتباعه ، فقال –تعالى- : [ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ، وله كل شيء ، وأمرت أن أكون من المسلمين . وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ، ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين . وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها ، وما ربك بغافل عما تعملون ] .

1- وبعد : فهذا عرض مجمل لسورة النمل . ومنه نرى أن السورة الكريمة زاخرة بالحديث عن أدلة وحدانية الله –تعالى- وقدرته ، ومن مظاهر فضله –تعالى- على عباده . وعن علمه –سبحانه- المحيط بكل شيء ، وعن آياته الكونية التي يكشف منها للناس ما يشاء كشفه وبيانه .

كما نرى أن السورة الكريمة قد اشتملت على جانب كبير منها ، خصوصاً قصص بعض أنبياء بني إسرائيل ، فقد حدثتنا عن جانب من قصة موسى ، وداود ، وسليمان . ثم بينت أن على بني إسرائيل المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم أن يعودوا إلى القرآن ، ليعرفوا منه الأمر الحق في كل ما اختلفوا فيه ، قال –تعالى- : [ إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون ] .

كما نراها تجمع في توجيهاتها وإرشاداتها بين الترغيب والترهيب ، وبين التذكير بنعم الله التي تشاهدها في هذا الكون ، وبين التحذير من أهوال يوم القيامة ، وتختم بهذه الآية الجامعة : [ وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها ، وما ربك بغافل عما تعملون ] .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

القاهرة – مدينة نصر

26 من جمادى الأولى 1405 ه

الموافق : 16/2/1985م

دحمد سيد طنطاوي

سورة النمل : من السور التى افتتحت ببعض الحروف المقطعة ، وهو قوله - تعالى - { طس } .

وقد ذكرنا آراء العلماء فى هذه الحروف المقطعة بشىء من التفصيل عند تفسيرنا لسور : البقرة ، وآل عمران ، والأعراف ، ويونس ، وهود ، ويوسف . . . إلخ .

وقلنا ما خلاصته : لعل أقرب الأقوال إلى الصواب ، أن هذه الحروف المقطعة قد رودت فى افتتاح بعض السور ، على سبيل الإيقاظ والتنبيه ، للذين تحداهم القرآن .

فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك الكافرين الذين زعموا أن هذا القرآن ليس من عنده - تعالى - : هاكم القرآن ترونه مؤلفاً من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم ، ومنظوماً من حروف هى من جنس الحروف الهجائية ، التى تنظمون منها حروفكم ، فإن كنتم فى شك فى أنه من عند الله - تعالى - فهاتوامثله ، أو هاتوا عشر سور من مثله ، أو هاتوا سورة واحدة من مثله .

فعجزوا وانقلبوا خاسرين ، وثبت أن هذا القرآن من عند الله - عز وجل - .

واسم الإشارة { تِلْكَ } يعود إلى الآيات القرآنية التى تضمنتها هذه السورة الكريمة . أو إلى جميع آيات القرآن التى نزلت قبل ذلك .

وهو - أى لفظ { تِلْكَ } - مبتدأ وخبره قوله - سبحانه - { آيَاتُ القرآن } ، أى : تلك الآيات الحكيمة التى أنزلناها إليك - أيها الرسول الكريم - هى آيات القرآن ، الذى أنزلناه إليك لتخرج الناس به من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان .

فإضافة الآيات إلى القرآن لتعظيم شأنها ، وسمو منزلتها .

وقوله - تعالى - : { وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } معطوف على القرآن من باب عطف إحدى الصفتين على الأخرى ، كقولهم هذا فعل فلان السخى والجواد الكريم .

قال الآلوسى : " والمبين : وإما من أبان المتعدى ، أى : مظهر ما فى تضاعيفه من الحكم والأحكام وأحوال القرون الأولى . . . وإما من أبان اللازم ، بمعنى بان . أى : ظاهر الإعجاز . وهو على الاحتمالين ، صفة مادحة لكتاب ، مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة . . " .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
[2]:- سورة الإسراء. الآية 9.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{طسٓۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابٖ مُّبِينٍ} (1)

مقدمة السورة:

سورة النمل مكية وآياته ثلاث وتسعون

هذه السورة مكية نزلت بعد الشعراء ؛ وهي تمضي على نسقها في الأداء : مقدمة وتعقيب يتمثل فيهما موضوع السورة الذي تعالجه ؛ وقصص بين المقدمة والتعقيب يعين على تصوير هذا الموضوع ، ويؤكده ، ويبرز فيه مواقف معينة للموازنة بين موقف المشركين في مكة ومواقف الغابرين قبلهم من شتى الأمم ، للعبرة والتدبر في سنن الله وسنن الدعوات .

وموضوع السورة الرئيسي - كسائر السور المكية - هو العقيدة : الإيمان بالله ، وعبادته وحده ، والإيمان بالآخرة ، وما فيها من ثواب وعقاب . والإيمان بالوحي وأن الغيب كله لله ، لا يعلمه سواه . والإيمان بأن الله هو الخالق الرازق واهب النعم ؛ وتوجيه القلب إلى شكر أنعم الله على البشر . والإيمان بأن الحول والقوة كلها لله ، وأن لا حول ولا قوة إلا بالله .

ويأتي القصص لتثبيت هذه المعاني ؛ وتصوير عاقبة المكذبين بها ، وعاقبة المؤمنين .

تأتي حلقة من قصة موسى - عليه السلام - تلي مقدمة السورة . حلقة رؤيته النار وذهابه إليها ، وندائه من الملأ الأعلى ، وتكليفه الرسالة إلى فرعون وملئه . ثم يعجل السياق بخبر تكذيبهم بآيات الله وهم على يقين من صدقها وعاقبة التكذيب مع اليقين . . ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ) . وكذلك شأن المشركين في مكة كان مع آيات القرآن المبين .

وتليها إشارة إلى نعمة الله على دواد وسليمان - عليهما السلام - ثم قصة سليمان مع النملة ، ومع الهدهد ، ومع ملكة سبأ وقومها . وفيها تظهر نعمة الله على داود وسليمان وقيامهما بشكر هذه النعمة . وهي نعمة العلم والملك والنبوة مع تسخير الجن والطير لسليمان . وفيها تظهر كذلك أصول العقيدة التي يدعو إليها كل رسول . ويبرز بصفة خاصة استقبال ملكة سبأ وقومها لكتاب سليمان - وهو عبد من عباد الله - واستقبال قريش لكتاب الله . هؤلاء يكذبون ويجحدون . وأولئك يؤمنون ويسلمون . والله هو الذي وهب سليمان ما وهب ، وسخر له ما سخر . وهو الذي يملك كل شيء ، وهو الذي يعلم كل شيء . وما ملك سليمان وما علمه إلا قطرة من ذلك الفيض الذي لا يغيض .

وتليها قصة صالح مع قومه ثمود . ويبرز فيها تآمر المفسدين منهم عليه وعلى أهله ، وتبييتهم قتله ؛ ثم مكر الله بالقوم ، ونجاة صالح والمؤمنين معه ، وتدمير ثمود مع المتآمرين : ( فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ) . . وقد كانت قريش تتآمر على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وتبيت له ، كما بيتت ثمود لصالح وللمؤمنين .

ويختم القصص بقصة لوط مع قومه . وهمهم بإخراجه من قريتهم هو والمؤمنون معه ، بحجة أنهم أناس يتطهرون ! وما كان من عاقبتهم بعد إذ هاجر لوط من بينهم ، وتركهم للدمار : ( وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين ) . . ولقد همت قريش بإخراج الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وتآمرت في ذلك قبل هجرته من بين ظهرانيهم بقليل .

فإذا انتهى القصص بدأ التعقيب بقوله : ( قل : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . آلله خير أما يشركون ? ) . . ثم أخذ يطوف معهم في مشاهد الكون ، وفي أغوار النفس . يريهم يد الصانع المدبر الخالق الرازق ، الذي يعلم الغيب وحده ، وهم إليه راجعون . ثم عرض عليهم أحد أشراط الساعة وبعض مشاهد القيامة ، وما ينتظر المكذبين بالساعة في ذلك اليوم العظيم .

ويختم السورة بإيقاع يناسب موضوعها وجوها : ( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء ، وأمرت أن أكون من المسلمين . وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل : إنما أنا من المنذرين . وقل : الحمد لله . سيريكم آياته فتعرفونها ، وما ربك بغافل عما تعملون ) . .

والتركيز في هذه السورة على العلم . علم الله المطلق بالظاهر والباطن ، وعلمه بالغيب خاصة . وآياته الكونية التي يكشفها للناس . والعلم الذي وهبه لداود وسليمان . وتعليم سليمان منطق الطير وتنويهه بهذا التعليم . . ومن ثم يجيء في مقدمة السورة : ( وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ) . ويجيء في التعقيب ( قل : لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون . بل ادارك علمهم في الآخرة ) . . ( وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون . وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين )ويجيء في الختام : ( سيريكم آياته فتعرفونها ) . . ويجيء في قصة سليمان : ( ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا : الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ) . . وفي قول سليمان : ( يا أيها الناس علمنا منطق الطير ) . . وفي قول الهدهد : ( ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون ) . وعندما يريد سليمان استحضار عرش الملكة ، لا يقدر على إحضاره في غمضة عين عفريت من الجن ، إنما يقدر على هذه : ( الذي عنده علم من الكتاب ) .

وهكذا تبرز صفة العلم في جو السورة تظللها بشتى الظلال في سياقها كله من المطلع إلى الختام . ويمضي سياق السورة كله في هذا الظل ، حسب تتابعه الذي أسلفنا . فنأخذ في استعراضها تفصيلا .

( طا . سين ) . . الأحرف المقطعة للتنبيه على المادة الأولية التي تتألف منها السورة والقرآن كله . وهي متاحة لجميع الناطقين بالعربية . وهم يعجزون أن يؤلفوا منها كتابا كهذا القرآن ، بعد التحدي والإفحام . .

ويلي ذلك التنبيه ذكر القرآن :

( تلك آيات القرآن وكتاب مبين ) . .

والكتاب هو نفسه القرآن . وذكره بهذه الصفة هنا يبدو لنا أنه للموازنة الخفية بين استقبال المشركين للكتاب المنزل عليهم من عند الله ؛ واستقبال ملكة سبأ وقومها للكتاب الذي أرسله إليهم سليمان . وهو عبد من عباد الله .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{طسٓۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابٖ مُّبِينٍ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى :

{ طسَ تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مّبِينٍ * هُدًى وَبُشْرَىَ لِلْمُؤْمِنِينَ * الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُم بِالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } .

قال أبو جعفر : وقد بيّنا القول فيما مضى من كتابنا هذا فيما كان من حروف المعجم في فواتح السور ، فقوله : طس من ذلك . وقد رُوي عن ابن عباس أن قوله : طس : قسم أقسمه الله هو من أسماء الله .

حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس . فالواجب على هذا القول أن يكون معناه : والسميع اللطيف ، إن هذه الاَيات التي أنزلتها إليك يا محمد لاَيات القرآن ، وآيات كتاب مبين : يقول : يبين لمن تدبّره ، وفكّر فيه بفهم أنه من عند الله ، أنزله إليك ، لم تتخرّصه أنت ولم تتقوّله ، ولا أحد سواك من خلق الله ، لأنه لا يقدر أحد من الخلق أن يأتي بمثله ، ولو تظاهر عليه الجنّ والإنس . وخفض قوله : وكِتابٍ مُبِينٍ عطفا به على القرآن .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{طسٓۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابٖ مُّبِينٍ} (1)

مقدمة السورة:

سورة النمل مكية وهي ثلاث أو أربع أو خمس وتسعون آية .

{ بسم الله الرحمن الرحيم } { طس } { تلك آيات القرآن وكتاب مبين } الإشارة إلى آي السورة ، والكتاب المبين إما اللوح المحفوظ وإبانته أنه خط فيه ما هو كائن فهو يبينه للناظرين فيه ، وتأخيره باعتباره تعلق علمنا به وتقديمه في الحجر باعتبار الوجود ، أو القرآن وإبانته لما أودع فيه من الحكم والأحكام ، أو لصحته بإعجازه وعطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الأخرى وتنكيره للتعظيم . وقرىء { وكتاب } بالرفع على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{طسٓۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابٖ مُّبِينٍ} (1)

مقدمة السورة:

سورة النمل

مكية وآياتها ثلاث وتسعون

تفسير سورة النمل{[1]}

تقدم القول في الحروف المقطعة في أوائل السور ، وكل الأقوال مترتب ها هنا ، وعلى القول بأنها حروف من أسماء الله تعالى فالأسماء هنا لطيف وسميع وكونها إشارة إلى نوع حروف المعجم أبين الأقوال ، وعطف «الكتاب » على { القرآن } وهما لمسمى واحد من حيث هما صفتان لمعنيين ، فالقرآن لأنه اجتمع والكتاب لأنه يكتب ، وقرأ ابن أبي عبلة «وكتابٌ مبينٌ » بالرفع{[8977]} .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[8977]:والتقدير: "وآيات كتاب" فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب بإعرابه. قاله في البحر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{طسٓۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابٖ مُّبِينٍ} (1)

مقدمة السورة:

أشهر أسمائها سورة النمل . وكذلك سميت في صحيح البخاري وجامع الترمذي . وتسمى أيضا سورة سليمان ، وهذان الاسمان اقتصر عليهما في الإتقان وغيره .

وذكر أبو بكر ابن العربي في أحكام القرآن أنها تسمى سورة الهدهد . ووجه الأسماء الثلاثة أن لفظ النمل ولفظ الهدهد لم يذكرا في سورة من القرآن غيرها ، وأما تسميتها سورة سليمان فلأن ما ذكر فيها من ملك سليمان مفصلا لم يذكر مثله في غيرها .

وهذه السورة مكية بالاتفاق كما حكاه ابن عطية والقرطبي والسيوطي وغير واحد . وذكر الخفاجي أن بعضهم ذهب إلى مكية بعض آياتها كذا ولعله سهو صوابه مدنية بعض آياتها ولم أقف على هذا لغير الخفاجي .

وهي السورة الثامنة والأربعون في عداد نزول السور ، نزلت بعد الشعراء وقبل القصص . كذا روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير .

وقد عدت آياتها في عدد أهل المدينة ومكة خمسا وتسعين ، وعند أهل الشام والبصرة والكوفة أربعا وتسعين .

من أغراض هذه السورة

أول أغراض هذه السورة افتتاحها بما يشير إلى إعجاز القرآن ببلاغة نظمه وعلو معانيه ، بما يشير إليه الحرفان المقطعان في أولها .

والتنويه بشأن القرآن وأنه هدى لمن ييسر الله الاهتداء به دون من جحدوا أنه من عند الله .

والتحدي بعلم ما فيه من أخبار الأنبياء .

والاعتبار بملك أعظم ملك أوتيه نبي . وهو ملك داود وملك سليمان عليهما السلام . وما بلغه من العلم بأحوال الطير ، وما بلغ إليه ملكه من عظمة الحضارة .

وأشهر أمة في العرب أوتيت قوة وهي أمة ثمود . والإشارة إلى ملك عظيم من العرب وهو ملك سبأ . وفي ذلك إيماء إلى أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم رسالة تقارنها سياسة الأمة ثم يعقبها ملك ، وهو خلافة النبي صلى الله عليه وسلم .

وأن الشريعة المحمدية سيقام بها ملك للأمة عتيد كما أقيم لبني إسرائيل ملك سليمان .

ومحاجة المشركين في بطلان دينهم وتزييف آلهتهم وإبطال أخبار كهانهم وعرافيهم ، وسدنة آلهتهم . وإثبات البعث وما يتقدمه من أهوال القيامة وأشراطها .

وأن القرآن مهيمن على الكتب السابقة . ثم موادعة المشركين وإنباؤهم بأن شأن الرسول الاستمرار على إبلاغ القرآن وإنذارهم بأن آيات الصدق سيشاهدونها والله مطلع على أعمالهم .

قال ابن الفرس ليس في هذه السورة إحكام ولا نسخ . ونفيه أن يكون فيها إحكام ولا نسخ معناه أنها لم تشتمل على تشريع قار ولا على تشريع منسوخ . وقال القرطبي في تفسير آية { وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه } الآية نسختها آية القتال اه ، يعني الآية النازلة بالقتال في سورة البراءة . وتسمى آية السيف ، والقرطبي معاصر لابن الفرس إلا أنه كان بمصر وابن الفرس بالأندلس ، وقوله { لأعذبنه عذابا شديدا } ويؤخذ منهما حكمان كما سيأتي .

تقدم القول في أن الراجح أن هذه الحروف تعريض بالتحدّي بإعجاز القرآن وأنه مؤتلف من حروف كلامهم . وتقدم ما في أمثالها من المحامل التي حاولها كثير من المتأولين .

ويجيء على اعتبار أن تلك الحروف مقتضبة من أسماء الله تعالى أن يقال في حروف هذه السورة ما روي عن ابن عباس أن : طس مقتضب من طَاءِ اسمه تعالى اللطيف ، ومن سين اسمه تعالى السميع . وأن المقصود القَسَم بهاذين الاسمين ، أي واللطيفِ والسميعِ تلك آيات القرآن المبين .

القول فيه كالقول في صدر سورة الشعراء وخالفت آية هذه السورة سابقتها بثلاثة أشياء : بذكر اسم القرآن وبعطف { وكتاب } على { القرآن } وبتنكير { كتاب } .

فأما ذكر اسم القرآن فلأنه علَم للكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز والهدي . وهذا العَلم يرادف الكتاب المعرَّف بلام العهد المجعول علماً بالغلبة على القرآن ، إلا أن اسم القرآن أدخل في التعريف لأنه علم منقول . وأما الكتاب فعلَم بالغلبة ، فالمراد بقوله : { وكتاب مبين } القرآنُ أيضاً ولا وجه لتفسيره باللَّوح المحفوظ للتفصّي من إشكال عطف الشيء على نفسه لأن التفصي من ذلك حاصل بأنَّ عطفَ إحدى صفتين على أُخرى كثير في الكلام . ولما كان في كلّ من { القرآن } و { كتاب مبين } شائبة الوصف فالأول باشتقاقه من القراءة ، والثاني بوصفه ب { مبين } ، كان عطف أحدهما على الآخر راجعاً إلى عطف الصفات بعضها على بعض ، وإنما لم يؤت بالثاني بدَلاً ، لأن العطف أعلق باستقلال كلا المتعاطفين بأنه مقصود في الكلام بخلاف البدل .

ونظير هذه الآية آية سورة الحجر ( 1 ) { تلك آيات الكتاب وقرآنٍ مبين } فإن { قرآن } في تلك الآية في معنى عطف البيان من { الكتاب } ولكنه عُطف لقصد جمعهما بإضافة { آيات } إليهما .

وإنما قدم في هذه الآية { القرآن } وعطف عليه { كتاب مبين } على عكس ما في طالعة سورة الحجر لأن المقام هنا مقام التنويه بالقرآن ومتبعيه المؤمنين ، فلذلك وصف بأنه { هدى وبشرى للمؤمنين } [ النمل : 2 ] أي بأنهم على هدى في الحال ومبشرون بحسن الاستقبال فكان الأهم هنا للوحي المشتمل على الآيات هو استحضاره باسمه العلم المنقول من مصدر القراءة لأن القراءة تناسب حال المؤمنين به والمتقبلين لآياته فهم يدرسونها ، ولأجل ذلك أدخلت اللام للمح الأصل ، تذكيراً بأنه مقروء مدروس . ثم عطف عليه { كتاب مبين } ليكون التنويه به جامعاً لعنوانيه ومستكملاً للدلالة بالتعريف على معنى الكمال في نوعه من المقروءات ، والدلالة بالتنكير على معنى تفخيمه بين الكُتب كقوله تعالى : { مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه } [ المائدة : 48 ] . :

وأما ما في أول سورة الحجر فهو مقام التحسير للكافرين من جراء إعراضهم عن الإسلام فناسب أن يبتدئوا باسم الكتاب المشتق من الكتابة دون القرآن لأنهم بمعزل عن قراءته ولكنه مكتوب ، وحجة عليهم باقية على مر الزمان . وقد تقدم تفصيل ذلك في أول سورة الحجر ، ولهذا عقب هنا ذكر { كتاب مبين } بالحال { هدى وبشرى للمؤمنين } [ النمل : 2 ] .

و { مبين } اسم فاعل إما من ( أبان ) القاصر بمعنى ( بان ) لأن وصفه بأنه بيّن واضح له حظ من التنويه به ما ليس من الوصف بأنه مُوضِّح مبين . فالمبين أفاد معنيين أحدهما : أن شواهد صدقه وإعجازه وهديه لكل متأمل ، وثانيهما : أنه مرشد ومفصِّل .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{طسٓۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابٖ مُّبِينٍ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

سورة النمل مكية.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

سورة النمل مكية بلا خلاف.

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

قال المهايمي: سميت بها، لاشتمالها على مقالتها، الدالة على علم الحيوان بنزاهة الأنبياء وأتباعهم عن ارتكاب المكاره عمدا، وهو مما يوجب الثقة بهم، وهو من أعظم مقاصد القرآن.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذه السورة مكية نزلت بعد الشعراء؛ وهي تمضي على نسقها في الأداء: مقدمة وتعقيب يتمثل فيهما موضوع السورة الذي تعالجه؛ وقصص بين المقدمة والتعقيب يعين على تصوير هذا الموضوع، ويؤكده، ويبرز فيه مواقف معينة للموازنة بين موقف المشركين في مكة ومواقف الغابرين قبلهم من شتى الأمم، للعبرة والتدبر في سنن الله وسنن الدعوات. وموضوع السورة الرئيسي -كسائر السور المكية- هو العقيدة: الإيمان بالله، وعبادته وحده، والإيمان بالآخرة، وما فيها من ثواب وعقاب. والإيمان بالوحي وأن الغيب كله لله، لا يعلمه سواه. والإيمان بأن الله هو الخالق الرازق واهب النعم؛ وتوجيه القلب إلى شكر أنعم الله على البشر. والإيمان بأن الحول والقوة كلها لله، وأن لا حول ولا قوة إلا بالله. ويأتي القصص لتثبيت هذه المعاني؛ وتصوير عاقبة المكذبين بها، وعاقبة المؤمنين.

تأتي حلقة من قصة موسى -عليه السلام- تلي مقدمة السورة. حلقة رؤيته النار وذهابه إليها، وندائه من الملأ الأعلى، وتكليفه الرسالة إلى فرعون وملئه. ثم يعجل السياق بخبر تكذيبهم بآيات الله وهم على يقين من صدقها وعاقبة التكذيب مع اليقين.. (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين). وكذلك شأن المشركين في مكة كان مع آيات القرآن المبين.

وتليها إشارة إلى نعمة الله على دواد وسليمان -عليهما السلام- ثم قصة سليمان مع النملة، ومع الهدهد، ومع ملكة سبأ وقومها. وفيها تظهر نعمة الله على داود وسليمان وقيامهما بشكر هذه النعمة. وهي نعمة العلم والملك والنبوة مع تسخير الجن والطير لسليمان. وفيها تظهر كذلك أصول العقيدة التي يدعو إليها كل رسول. ويبرز بصفة خاصة استقبال ملكة سبأ وقومها لكتاب سليمان -وهو عبد من عباد الله- واستقبال قريش لكتاب الله. هؤلاء يكذبون ويجحدون. وأولئك يؤمنون ويسلمون. والله هو الذي وهب سليمان ما وهب، وسخر له ما سخر. وهو الذي يملك كل شيء، وهو الذي يعلم كل شيء. وما ملك سليمان وما علمه إلا قطرة من ذلك الفيض الذي لا يغيض.

وتليها قصة صالح مع قومه ثمود. ويبرز فيها تآمر المفسدين منهم عليه وعلى أهله، وتبييتهم قتله؛ ثم مكر الله بالقوم، ونجاة صالح والمؤمنين معه، وتدمير ثمود مع المتآمرين: (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا).. وقد كانت قريش تتآمر على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وتبيت له، كما بيتت ثمود لصالح وللمؤمنين.

ويختم القصص بقصة لوط مع قومه. وهمهم بإخراجه من قريتهم هو والمؤمنون معه، بحجة أنهم أناس يتطهرون! وما كان من عاقبتهم بعد إذ هاجر لوط من بينهم، وتركهم للدمار: (وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين).. ولقد همت قريش بإخراج الرسول [صلى الله عليه وسلم] وتآمرت في ذلك قبل هجرته من بين ظهرانيهم بقليل. فإذا انتهى القصص بدأ التعقيب بقوله: (قل: الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. آلله خير أما يشركون؟).. ثم أخذ يطوف معهم في مشاهد الكون، وفي أغوار النفس. يريهم يد الصانع المدبر الخالق الرازق، الذي يعلم الغيب وحده، وهم إليه راجعون. ثم عرض عليهم أحد أشراط الساعة وبعض مشاهد القيامة، وما ينتظر المكذبين بالساعة في ذلك اليوم العظيم. ويختم السورة بإيقاع يناسب موضوعها وجوها: (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء، وأمرت أن أكون من المسلمين. وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل: إنما أنا من المنذرين. وقل: الحمد لله. سيريكم آياته فتعرفونها، وما ربك بغافل عما تعملون)..

والتركيز في هذه السورة على العلم. علم الله المطلق بالظاهر والباطن، وعلمه بالغيب خاصة. وآياته الكونية التي يكشفها للناس. والعلم الذي وهبه لداود وسليمان. وتعليم سليمان منطق الطير وتنويهه بهذا التعليم...

وهكذا تبرز صفة العلم في جو السورة تظللها بشتى الظلال في سياقها كله من المطلع إلى الختام. ويمضي سياق السورة كله في هذا الظل، حسب تتابعه الذي أسلفنا..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

أشهر أسمائها سورة النمل. وكذلك سميت في صحيح البخاري وجامع الترمذي. وتسمى أيضا سورة سليمان، وهذان الاسمان اقتصر عليهما في الإتقان وغيره. وذكر أبو بكر ابن العربي في أحكام القرآن أنها تسمى سورة الهدهد. ووجه الأسماء الثلاثة أن لفظ النمل ولفظ الهدهد لم يذكرا في سورة من القرآن غيرها، وأما تسميتها سورة سليمان فلأن ما ذكر فيها من ملك سليمان مفصلا لم يذكر مثله في غيرها..

من أغراض هذه السورة: أول أغراض هذه السورة افتتاحها بما يشير إلى إعجاز القرآن ببلاغة نظمه وعلو معانيه، بما يشير إليه الحرفان المقطعان في أولها. والتنويه بشأن القرآن وأنه هدى لمن ييسر الله الاهتداء به دون من جحدوا أنه من عند الله. والتحدي بعلم ما فيه من أخبار الأنبياء. والاعتبار بملك أعظم ملك أوتيه نبي. وهو ملك داود وملك سليمان عليهما السلام. وما بلغه من العلم بأحوال الطير، وما بلغ إليه ملكه من عظمة الحضارة. وأشهر أمة في العرب أوتيت قوة وهي أمة ثمود. والإشارة إلى ملك عظيم من العرب وهو ملك سبأ. وفي ذلك إيماء إلى أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم رسالة تقارنها سياسة الأمة ثم يعقبها ملك، وهو خلافة النبي صلى الله عليه وسلم. وأن الشريعة المحمدية سيقام بها ملك للأمة عتيد كما أقيم لبني إسرائيل ملك سليمان. ومحاجة المشركين في بطلان دينهم وتزييف آلهتهم وإبطال أخبار كهانهم وعرافيهم، وسدنة آلهتهم. وإثبات البعث وما يتقدمه من أهوال القيامة وأشراطها. وأن القرآن مهيمن على الكتب السابقة. ثم موادعة المشركين وإنباؤهم بأن شأن الرسول الاستمرار على إبلاغ القرآن وإنذارهم بأن آيات الصدق سيشاهدونها والله مطلع على أعمالهم...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

هذه السورة نزلت بمكّة كما ذكرنا آنفاً والمعروف أنّها نزلت بعد سورة الشعراء. ومحتوى هذه السورة بصورة عامّة كمحتوى سائر السور المكية، فأكثر اهتمامها من الوجهة الاعتقادية ينصبّ على المبدأ والمعاد... وتتحدث عن الوحي والقرآن وآيات الله في عالم الإِيجاد والخلق، وكيفية المعاد والقيامة؟

وأمّا من ناحية المسائل العملية والأخلاقية، فالقسم الكبير منها يتحدث عن قصص خمسة أنبياء كرام ومواجهاتهم لأممهم المنحرفة، لتكون هذه السورة تسلية للمؤمنين القلّة بمكّة في ذلك اليوم، وفي الوقت ذاته تكون إنذاراً للمشركين المعاندين الظالمين ليروا عواقب أمرهم في صفحات تاريخ الظلمة الماضين، فلعلهم يحذرون ويرجعون إلى الرشد. وأحد خصائص هذه السورة هي بيان قسم مهم من قصّة النّبي سليمان وملكة سبأ، وكيفية إِيمانها بالتوحيد، وكلام الطير كالهدهد، والحشرات كالنمل مع سليمان (عليه السلام).

وهذه السورة سُمّيت سورة «النمل» لورود ذكر النمل فيها، والعجيب أنّها سمّيت بسورة «سليمان» كما في بعض الرّوايات... وكما سنلاحظ فإِنّ هذه التسميات للسور ليست اعتباطاً، بل هي مدروسة ودقيقة في تسميتها، فهي من تعليمات النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتكشف عن حقيقة مهمّة يغفل عنها الناس في الظروف الاعتيادية!. وتتحدث هذه السورة ضمناً عن علم الله غير المحدود، وهيمنته وسلطانه على كل شيء في عالم الوجود، وحاكميته عالم عباده... والالتفات إلى ذلك له أثره الكبير في المسائل التربوية للإِنسان. وتبدأ هذه السورة بالبشرى وتنتهي بالتهديد، فالبشرى للمؤمنين، والتهديد للناس بأنّ الله غير غافل عن أعمالهم.

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين} يعني: بيّن ما فيه أمره ونهيه.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقد بيّنا القول فيما مضى من كتابنا هذا فيما كان من حروف المعجم في فواتح السور... إن هذه الآيات التي أنزلتها إليك يا محمد لآيات القرآن، وآيات كتاب "مبين": يقول: يبين لمن تدبّره، وفكّر فيه بفهم أنه من عند الله، أنزله إليك، لم تتخرّصه أنت ولم تتقوّله، ولا أحد سواك من خلق الله، لأنه لا يقدر أحد من الخلق أن يأتي بمثله، ولو تظاهر عليه الجنّ والإنس.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وكتاب مبين} يحتمل قوله: {مبين} أي بين واضح لأن أبان قد يستعمل في موضع بان، يقال: بان وأبان. ويحتمل {وكتاب مبين} أي يبين ما لله عليهم، وما لبعضهم عليهم، وما لهم، وما عليهم.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{وَكِتَابٍ مُّبِينٍ} أي وآيات الكتاب المبين، والكتاب هو القرآن، فجمع له بَيْنَ الصفتين بأنه قرآن وأنه كتاب لأنه ما يظهر بالكتابة ويظهر بالقراءة. {مُّبِينٍ} لأنه يبين فيه نهيه وأمره وحلاله وحرامه ووعده ووعيده.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

... وقوله "تلك "إشارة إلى ما وعدوا بمجيئه من القرآن. وقيل إن "تلك" بمعنى (هذا) وآيات القرآن هي القرآن، وإنما أضافها إليه، كما قال "وإنه لحق اليقين". والقرآن والكتاب معناهما واحد، ووصفه بالوصفين ليفيد أنه مما يظهر بالقراءة، ويظهر بالكتابة، وهو بمنزلة الناطق بما فيه من الأمرين جميعا...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

و {تِلْكَ} إشارة إلى آيات السورة، والكتاب المبين: إما اللوح، وإبانته: أنه قد خط فيه كل ما هو كائن فهو يبينه للناظرين فيه إبانة. وإما السورة. وإما القرآن، وإبانتهما: أنهما يبينان ما أودعاه من العلوم والحكم والشرائع، وأنّ إعجازهما ظاهر مكشوف، وإضافة الآيات إلى القرآن والكتاب المبين: على سبيل التفخيم لها والتعظيم، لأنّ المضاف إلى العظيم يعظم بالإضافة إليه. فإن قلت: لم نكر الكتاب المبين؟ قلت: ليبهم بالتنكير فيكون أفخم له...فإن قلت: ما وجه عطفه على القرآن إذا أريد به القرآن؟ قلت: كما تعطف إحدى الصفتين على الأخرى في نحو قولك: هذا فعل السخي والجواد الكريم..

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

... وعطف الكتاب على القرآن وهما لمسمى واحد من حيث هما صفتان لمعنيين، فالقرآن لأنه اجتمع والكتاب لأنه يكتب.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

... {تلك} أي الآيات العالية المقام البعيدة المرام، البديعة النظام {آيات القرآن} أي الكامل في قرآنيته الجامع للأصول، الناشر للفروع، الذي لا خلل فيه ولا فصم، ولا صدع ولا وصم {و} آيات {كتاب} أي وأيّ كتاب هو مع كونه جامعاً لجميع ما يصلح المعاش والمعاد، قاطع في أحكامه، غالب في أحكامه، في كل من نقضه وإبرامه، وعطفه دون إتباعه للدلالة على أنه كامل في كل من قرآنيته وكتابيته {مبين} أي بين في نفسه أنه من عند الله، كاشف لكل مشكل، موضح لكل ملبس مما كان ومما هو كائن من الأحكام والدلائل في الأصول والفروع، والنكت والإشارات والمعارف، فيا له من جامع فارق واصل فاصل.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{وكتاب مبين} القرآنُ أيضاً ولا وجه لتفسيره باللَّوح المحفوظ..ولما كان في كلّ من {القرآن} و {كتاب مبين} شائبة الوصف فالأول باشتقاقه من القراءة، والثاني بوصفه ب {مبين}، كان عطف أحدهما على الآخر راجعاً إلى عطف الصفات بعضها على بعض...و {مبين} اسم فاعل إما من (أبان) القاصر بمعنى (بان) لأن وصفه بأنه بيّن واضح له حظ من التنويه به ما ليس من الوصف بأنه مُوضِّح مبين. فالمبين أفاد معنيين أحدهما: أن شواهد صدقه وإعجازه وهديه لكل متأمل، وثانيهما: أنه مرشد ومفصِّل.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

وقد ذكر للقرآن وصفان: أحدهما أنه كتاب مقروء متلو، يتلى، وتلاوته عبادة...والوصف الثاني أنه كتاب مبين أي بين في ذاته، ومبين لكل ما اشتمل عليه من دلائل التوحيد، ودلائل النبوة وأحكام شرعية، وهداية للناس..

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

والإشارة للبعيد بلفظ (تلك) لبيان عظمة هذه الآيات السماوية، والتعبير ب (المبين) تأكيد على أنّ القرآن واضح بنفسه وموضح للحقائق أيضاً. وبالرغم من أنّ بعض المفسّرين احتمل أنّ التعبير ب (القرآن وكتاب مبين) إشارة إلى معنيين مستقلين، وأن «الكتاب المبين» يراد منه اللوح المحفوظ...

إلاّ أن ظاهر الآية يدلّ على أنّ كلاهما لبيان حقيقة واحدة، فالأوّل في ثوب الألفاظ والتلاوة، والثّاني في ثوب الكتابة والرسم.