المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَن يَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (95)

95- ولكنهم في الواقع لا يرغبون في الموت أبداً لما اقترفوه من ظلم لا يخفى أمره على الله ، الذي يُعلِمُهُم أنهم كاذبون فيما يدعون ، وأن النعيم يوم القيامة للمتقين ، لا للفجار أمثالهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَن يَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (95)

ثم أخبر - سبحانه - بأن هؤلاء اليهود لن يتمنوا الموت أبداً بسبب ما فعلوا من شرور فقال تعالى : { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ والله عَلِيمٌ بالظالمين } .

أي : لا يتمنى اليهود الموت أبداً بسبب ما قدمت أيديهم من آثام ، والله - عز وجل - لا تخفى عليه خافية من سيئاتهم واعتداءاتهم بل هو سيسجلها عليهم ، ويجازيهم عليها الجزاء الذي يستحقونه ، والآية الكريمة خبر من الله - تعالى - عن اليهود بأنهم يكرهون الموت ، ويمتنعون عن الإِجابة إلى ما دعوا إليه من تمنيه ، لعلمهم بأنهم إن فعلوا فالموت نازل بهم ، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخبرهم خبراً إلأا كان حقاً كما أخبر فهم يحذرون أن يتمنوا الموت ، خوفاً من أن يحل بهم عقاب الله بما كسبت أيديهم من الذنوب .

وقد صح من عدة طرق عن ابن عباس أنه قال : " لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه " .

وقال ابن جرير في تفسيره : " وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ؛ ولرأوا مقاعدهم من النار ، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا " قال حدثنا بذلك أبو كريب ، حدثنا زكريا بن عيد ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال الإِمام ابن كثير : ورواه الإِمام أحمد عن اسماعيل بن يزيد الرقي نحدثنا فرات عن عبد الكريم به " .

وقال صاحب الكشاف : قوله : { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً } من المعجزات لأنه إخبار بالغيب وكان كما أخبر به ، كقوله تعالى : ( وَلَن تَفْعَلُواْ ) فإن قلت : ما أدراك أنهم لم يتمنوا الموت : قلت لو تمنوا لنقل ذلك عنهم كما نقلت سائر الحوادث ، ولكان ناقلوه من أهل الكتاب وغيرهم من أولى المطاعن في الإِسلام أكثر من الذر وليس أحد منهم نقل عنه ذلك " .

ويكفى في تحقيق هذه المعجزة ، ألا يصدر تمنى الموت عن اليهود الذين تحداهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، وهم الذين كانوا يضعون العراقيل في طريق دعوته ، ويصرون على جحود نبوته ؛ فلا يقدح في هذه المعجزة أن ينطق يهودي بعد العهد النبوي بتمنى الموت وهو حريص على الحياة ، لأن المعنيين بالتحدي هم اليهود المعاصرون للعهد النبوي .

وقوله تعالى : { والله عَلِيمٌ بالظالمين } وارد مورد التهديد والوعيد لهم وكان اليهود ظالمين بسبب ما قدمت أيديهم وبسبب كونهم قد كذبوا على الله في دعواهم أن الجنة لا يدخلها إلا من كان منهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَن يَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (95)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَلَنْ يَتَمَنّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمينَ }

وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن اليهود وكراهتهم الموت وامتناعهم عن الإجابة إلى ما دعوا إليه من تمني الموت ، لعلمهم بأنهم إن فعلوا ذلك فالوعيد بهم نازل والموت بهم حالّ ، ولمعرفتهم بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه رسول من الله إليهم مرسل وهم به مكذّبون ، وأنه لم يخبرهم خبرا إلا كان حقّا كما أخبر ، فهم يحذرون أن يتمنوا الموت خوفا أن يحلّ بهم عقاب الله بما كسبت أيديهم من الذنوب ، كالذي :

حدثني محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني محمد بن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد فيما يروي أبو جعفر ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس : { قُلْ إنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الاَخِرَةُ } الآية ، أي ادعوا بالموت على أيّ الفريقين أكذب ، فَأبَوْا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { وَلَنْ يَتَمَنّوْهُ أَبَدا بِمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ } أي لعلمهم بما عندهم من العلم بك والكفر بذلك .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك عن ابن عباس : { وَلَنْ يَتَمَنّوْهُ أبَدا } يقول : يا محمد ولن يتمنوه أبدا لأنهم يعلمون أنهم كاذبون ، ولو كانوا صادقين لتمنوه ورغبوا في التعجيل إلى كرامتي ، فليس يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم .

حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : { فَتَمَنّوُا المَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وكانت اليهود أشدّ فرارا من الموت ، ولم يكونوا ليتمنوه أبدا .

وأما قوله : { بِمَا قَدَمَتْ أيْدِيهِمْ } فإنه يعني به بما أسلفته أيديهم . وإنما ذلك مثل على نحو ما تتمثل به العرب في كلامها ، فتقول للرجل يؤخذ بجريرة جرّها أو جناية جناها فيعاقب عليها : نالك هذا بما جنت يداك ، وبما كسبت يداك ، وبما قدمت يداك فتضيف ذلك إلى اليد ، ولعلّ الجناية التي جناها فاستحقّ عليها العقوبة كانت باللسان أو بالفرج أو بغير ذلك من أعضاء جسده سوى اليد .

قال : وإنما قيل ذلك بإضافته إلى اليد لأن عظم جنايات الناس بأيديهم ، فجرى الكلام باستعمال إضافة الجنايات التي يجنيها الناس إلى أيديهم حتى أضيف كل ما عوقب عليه الإنسان مما جناه بسائر أعضاء جسده إلى أنها عقوبة على ما جنته يده فلذلك قال جل ثناؤه للعرب : { ولَنْ يَتَمَنّوْهُ أبَدا بِمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ } يعني به : ولن يتمنى اليهود الموت بما قدموا أمامهم من حياتهم من كفرهم بالله في مخالفتهم أمره وطاعته في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة ، ويعلمون أنه نبيّ مبعوث . فأضاف جل ثناؤه ما انطوت عليه قلوبهم وأضمرته أنفسهم ونطقت به ألسنتهم من حسد محمد صلى الله عليه وسلم ، والبغي عليه ، وتكذيبه ، وجحود رسالته إلى أيديهم ، وأنه مما قدمته أيديهم ، لعِلمَ العرب معنى ذلك في منطقها وكلامها ، إذ كان جل ثناؤه إنما أنزل القرآن بلسانها وبلغتها . وروي عن ابن عباس في ذلك ما :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : { بِمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ } يقول : بما أسلفت أيديهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : { بِمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ } قال : إنهم عرفوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبيّ فكتموه .

وأما قوله : { واللّهُ عَلِيم بالظالِمِينَ } فإنه يعني جل ثناؤه : والله ذو علم بظَلَمَةِ بني آدم : يهودِها ونصاراها وسائر أهل الملل غيرها ، وما يعملون . وظلم اليهود كفرهم بالله في خلافهم أمره وطاعته في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا يستفتحون به وبمبعثه ، وجحودهم نبوّته وهم عالمون أنه نبيّ الله ورسوله إليهم . وقد دللنا على معنى الظالم فيما مضى بما أغنى عن إعادته .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَن يَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (95)

{ ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم } من موجبات النار ، كالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن ، وتحريف التوراة . ولما كانت اليد العاملة مختصة بالإنسان ، آلة لقدرته بها عامة صنائعه ومنها أكثر منافعه ، عبر بها عن النفس تارة والقدرة أخرى ، وهذه الجملة إخبار بالغيب وكان كما أخبر ، لأنهم لو تمنوا لنقل واشتهر ، فإن التمني ليس من عمل القلب ليخفى ، بل هو أن يقول : ليت لي كذا ، ولو كان بالقلب لقالوا : تمنينا . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه ، وما بقي على وجه الأرض يهودي " { والله عليم بالظالمين } تهديد لهم وتنبيه على أنهم ظالمون في دعوى ما ليس لهم ، ونفيه عمن هو لهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَن يَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (95)

{ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ }( 95 )

ثم أخبر تعالى عنهم بعجزهم وأنهم لا يتمنونه ، و { أبداً } ظرف زمان وإذا كانت «ما » بمعنى الذي فتحتاج إلى عائد تقديره قدمته ، وإذا كانت مع قدمت بمثابة المصدر غنيت عن الضمير ، هذا قول سيبويه ، والأخفش يرى الضمير في المصدرية ، وأضاف ذنوبهم واجترامهم إلى الأيدي وأسند تقديمها إليها إذ الأكثر من كسب العبد الخير والشر إنما هو بيديه ، فحمل جميع الأشياء على ذلك .

وقوله تعالى : { والله عليم بالظالمين } ظاهرها الخبر ومضمنها الوعيد( {[975]} ) ، لأن الله عليم بالظالمين وغيرهم ، ففائدة تخصيصهم حصول الوعيد .


[975]:- يعني أن المراد بالخبر هو التهديد والوعيد، لا ثبوت النسبة الخبرية، إذ لا فائدة في ذلك، فالله عليم بالظالمين وغير الظالمين.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَن يَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (95)

وجملة { ولن يتمنوه أبداً } إلى آخره معترضة بين جملة { قل إن كانت لكم الدار الآخرة } وبين جملة { قل من كان عدواً لجبريل } [ البقرة : 97 ] والكلام موجه إلى النبيء صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إعلاماً لهم ليزدادوا يقيناً وليحصل منه تحد لليهود إذ يسمعونه ويودون أن يخالفوه لئلا ينهض حجة على صدق المخبر به فيلزمهم أن الدار الآخرة ليست لهم .

قوله : { بما قدمت أيديهم } يشير إلى أنهم قد صاروا في عقيدة مختلطة متناقضة كشأن عقائد الجهلة المغرورين فهم يعتقدون أن الدار الآخرة لهم بما دل عليه قولهم : { نؤمن بما أنزل علينا } [ البقرة : 91 ] وقولهم : { نحن أبناء الله وأحباؤه } [ المائدة : 18 ] ثم يعترفون بأنهم اجترأوا على الله واكتسبوا السيئات حسبما سطر ذلك عليهم في التوراة وفي كتب أنبيائهم فيعتذرون بأن النار تمسهم أياماً معدودة ولذلك يخافون الموت فراراً من العذاب .

والمراد بما قدمت أيديهم ما أتوه من المعاصي سواء كان باليد أم بغيرها بقرينة المقام ، فقيل عبر باليد هنا عن الذات مجازاً كما في قوله :

{ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } [ البقرة : 195 ] وكما عبر عن الذات بالعين في باب التوكيد لأن اليد أهم آلات العمل . وقيل : أريد بها الأيدي حقيقة لأن غالب جنايات الناس بها وهو كناية عن جميع الأعمال قاله الواحدي ولعل التكني بها دون غيرها لأن أجمع معاصيها وأفظعها كان باليد فالأجمع هو تحريف التوراة والأفظع هو قتل الأنبياء لأنهم بذلك حرموا الناس من هدي عظيم .

وإسناد التقديم للأيدي على الوجه الأول حقيقة وعلى الوجه الثاني مجاز عقلي .

وقوله : { والله عليم بالظالمين } خبر مستعمل في التهديد لأن القدير إذا علم بظلم الظالم لم يتأخر عن معاقبته فهذا كقول زهير :

* فمهما يكتم الله يعلم *

وقد عدت هذه الآية في دلائل نبوة النبيء صلى الله عليه وسلم لأنها نفت صدور تمني الموت مع حرصهم على أن يظهروا تكذيب هذه الآية . ولا يقال لعلهم تمنوا الموت بقلوبهم لأن التمني بالقلب لو وقع لنطقوا به بألسنتهم لقصد الإعلان بإبطال هذه الوصمة فسكوتهم يدل على عدم وقوعه وإن كان التمني موضعه القلب لأنه طلب قلبي إذ هو محبة حصول الشيء وتقدم في قوله : { إلا أماني } [ البقرة : 78 ] أن الأمنية ما يقدر في القلب . وهذا بالنسبة إلى اليهود المخاطبين زمن النزول ظاهر إذ لم ينقل عن أحد منهم أنه تمنى الموت كما أخبرت الآية . وهي أيضاً من أعظم الدلائل عند أولئك اليهود على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فإنهم قد أيقن كل واحد منهم أنه لا يتمنى الموت وأيقن أن بقية قومه لا يتمنونه لأنه لو تمناه أحد لأعلن بذلك لعلمهم بحرص كل واحد منهم على إبطال حكم هذه الآية ، ويفيد بذلك إعجازاً عاماً على تعاقب الأجيال كما أفاد عجز العرب عن المعارضة علم جميع الباحثين بأن القرآن معجز وأنه من عند الله . على أن الظاهر أن الآية تشمل اليهود الذين يأتون بعد يهود عصر النزول إذ لا يعرف أن يهودياً تمنى الموت إلى اليوم فهذا ارتقاء في دلائل النبوة . وجملة { والله عليم بالظالمين } في موضع الحال من ضمير الرفع في { يتمنوه } أي علم الله ما في نفوسهم فأخبر رسوله بأن يتحداهم وهذا زيادة في تسجيل امتناعهم من تمني الموت ، والمراد بالظالمين اليهود فهو من وضع الظاهر موضع الضمير ليصفهم بالظلم .