وقوله : { تَقَاسَمُواْ } فعل أمر محكى بالقول ، بمعنى : احلفوا بالله ، ويجوز أن يكون فعلا ماضيا مفسرا لقالوا ، فكأنه قيل : ما الذى قالوا ؟ فكان الجواب : تقاسموا أى : أقسموا .
وقوله : { لَنُبَيِّتَنَّهُ } من البيات وهو مباغتة العدو ليلا لقتله . يقال بيت القوم العدو ، إذا أوقعوا به ليلا .
والمراد بوليه : المطالبون بدمه من أقاربه ، وفى ذلك إشارة إلى أن هؤلاء الظالمين لم يكونوا ليستطيعوا قتل صالح - عليه السلام - علانية ، خوفا من مناصرة أقاربه له .
و { مَهْلِكَ } بضم الميم وفتح اللام - من أهلك الرباعى ، فهو أيضا مصدر ميمى من أهلك ، ويجوز أن يكون اسم زمان أو مكان .
والمعنى : وكان فى المدينة التى يسكنها صالح - عليه السلام - وقومه ، تسعة أشخاص ، دأبهم وديدنهم ، الإفساد فى الأرض ، وعدم الإصلاح فيها ، بأى حال من الأحوال .
وقد تعاهد هؤلاء التسعة . وأكدوا ما تعاهدوا عليه بالأيمان المغلظة . على أن يباغتوا نبيهم وأهله ليلا ، فيقتلوهم جميعا ، ثم ليقولن بعد جريمتهم الشنعاء لأقارب صالح - عليه السلام - : ما حضرنا هلاك أهله وهلاك صالح معهم ، ولا علم عندنا بما حل بهم وبه من قتل ، وإنا لصادقون فى كل ما قلناه .
وهكذا المفسدون فى الأرض ، يرتكبون أبشع الجرائم وأشنعها ، ثم يبررونها بالحيل الساذجة الذميمة ثم بعد ذلك يحلفون بأغلظ الأيمان أنهم بريئون من تلك الجرائم .
ومن العجيب أن هؤلاء المجرمين الغادرين يقولون فيما بينهم : { تَقَاسَمُواْ بالله } أى : احلفوا بالله ، على أن تنفذوا ما اتفقنا عليه من قتل صالح وأهله ليلا غيلة وغدرا . فهم يؤكدون إصرارهم على الإجرام بالحلف بالله ، مع أن الله - تعالى - برئى منهم ومن غدرهم .
وقولهم : { مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ } نفى منهم لحضور قتلهم ، فضلا عن مباشرة قتلهم ، كأنهم أرادوا بهذه الجملة الإتيان بحيلة يبررون بها كذبهم ، أى : أننا قتلناهم فى الظلام ، فلم نشاهد أشخاصهم ، وإنا لصادقون فى ذلك .
وقوله : قالُوا تَقاسَمُوا باللّهِ لَنُبَيّتَنّهُ وأهْلَهُ يقول تعالى ذكره : قال هؤلاء التسعة الرهط الذين يُفسدون في أرض حجر ثمود ، ولا يصلحون ، تقاسموا بالله : تحالفوا بالله أيها القوم ، ليحلف بعضكم لبعض : لنبيتنّ صالحا وأهله ، فلنقتلنه ، ثم لنقولنّ لوليه : ما شهدنا مهلك أهله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد تَقاسَمُوا باللّهِ قال : تحالفوا على إهلاكه ، فلم يصلوا إليه حتى هلكوا وقومهم أجمعون .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، بنحوه :
ويتوجه قوله تَقاسَمُوا بالله إلى وجهين : أحدهما النصب على وجه الخبر ، كأنه قيل : قالوا متقاسمين . وقد ذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «وَلا يُصْلِحُونَ تَقاسَمُوا باللّهِ » وليس فيها «قالوا » ، فذلك من قراءته يدلّ على وجه النصب في «تقاسموا » على ما وصفت . والوجه الاَخر : الجزم ، كأنهم قال بعضهم لبعض : اقسموا بالله ، فعلى هذا الوجه الثاني تصلح قراءة لَنُبَيّتَنّهُ بالياء والنون ، لأن القائل لهم تقاسموا ، وإن كان هو الاَمر فهو فيمن أقسم ، كما يقال في الكلام : انهضوا بنا نمض إلى فلان ، وانهضوا نمضي إليه . وعلى الوجه الأوّل الذي هو وجه النصب القراءة فيه بالنون أفصح ، لأن معناه : قالوا متقاسمين لنُبيّتنّهُ ، وقد تجوز الياء على هذا الوجه كما يقال في الكلام : قالوا لنكرمنّ أباك ، وليكرمنّ أباك ، وبالنون قرأ ذلك قرّاء المدينة ، وعامة قرّاء البصرة وبعض الكوفيين . وأما الأغلب على قرّاء أهل الكوفة ، فقراءته بالياء ، وضمّ التاء جميعا . وأما بعض المكيين ، فقرأه بالياء .
وأعجب القراءات في ذلك إليّ النون ، لأن ذلك أفصح الكلام على الوجهين اللذين بيّنت من النصب والجزم ، وإن كان كل ذلك صحيحا غير فاسد لما وصفت . وأكرهها إليّ القراءة بها الياء ، لقلة قارىء ذلك كذلك . وقوله : لَنُبَيّتَنّهُ قال : ليُبَيّتُنّ صالحا ثم يفتكوا به .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ( قال ) التسعة الذين عقروا الناقة : هلمّ فلنقتل صالحا ، فإن كان صادقا ، يعني فيما وعدهم من العذاب بعد الثلاث ، عجلناه قبله ، وإن كان كاذبا نكون قد ألحقناه بناقته . فأتوه ليلاً ليبيتوه في أهله ، فدمغتهم الملائكة بالحجارة فلما أبطئوا على أصحابهم أتوا منزل صالح ، فوجدوهم مشدوخين قد رضخوا بالحجارة . وقوله : وَإنّا لَصَادقُونَ نقول لوليه : وإنا لصادقون ، أنا ما شهدنا مُهلِكَ أهله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.