المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّيۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَآ إِلَّا هُوَۚ ثَقُلَتۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا تَأۡتِيكُمۡ إِلَّا بَغۡتَةٗۗ يَسۡـَٔلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنۡهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (187)

187- يسألك اليهود - يا محمد - عن الساعة التي تنتهي فيها هذه الدنيا ، في أي وقت تكون ويستقر العلم بها ؟ قل لهم : علم وقتها عند ربى - وحده - لا يظهرها في وقتها أحد سواه . قد عظم هولها عندما تقع إلى أهل السماوات والأرض . يسألونك هذا السؤال ، كأنك حريص على العلم بها . فكرر الجواب ، فقل لهم مؤكدا : إن علمها عند اللَّه ، ولكن أكثر الناس لا يدركون الحقائق التي تغيب عنهم ، أو التي تظهر لهم ! .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّيۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَآ إِلَّا هُوَۚ ثَقُلَتۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا تَأۡتِيكُمۡ إِلَّا بَغۡتَةٗۗ يَسۡـَٔلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنۡهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (187)

ثم بينت السورة الكريمة أن أمر الساعة مرده إلى الله - تعالى - ، وأن السائلين عن وقتها من الأحسن لهم أن يستعدوا لها بدل أن يكثروا من السؤال عن زمن مجيئها فقالت : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة . . . } .

قال الآلوسى : عن ابن عباس أن قوماً من اليهود قالوا : يا محمد ، أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا . إنا نعلم متى هى ، وكان ذلك امتحاناً منهم ، مع عملهم أن الله - تعالى - قد استاثر بعلمها . وأخرج ابن جرير عن قتادة أن جماعة من قريش قالوا : يا محمد أسر إلينا متى الساعة لما بيننا وبينك من القرابة فنزلت " .

وقوله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا } استئناف مسوق لبيان بعض أنواع ضلالهم وطغيانهم .

والساعة في الأصل اسم لمدار قليل من الزمان غير معين ، وتطلق في عرف الشرع على يوم القيامة وهو المراد بالسؤال هنا .

وأطلق على يوم القيامة ساعة إما لوقوعه بغتة ، أو لسرعة ما فيه من الحساب ، أو لأنه على طوله قدر يسير عند الله - تعالى- .

و { أَيَّانَ } ظرف زمان متضمن معنى متى . و { مُرْسَاهَا } مصدر ميمى من أرساها إذا اثبته وأقره ، ولا يكاد يستعمل الإرساء إلا في الشىء الثقيل كما في قوله - تعالى - { والجبال أَرْسَاهَا } ونسبته هنا إلى الساعة باعتبار تشبيه المعانى بالأجسام . و { أَيَّانَ } خبر مقدم و { مُرْسَاهَا } مبتدأ مؤخر .

والمعنى : يسألك يا محمد هؤلاء القوم عن الساعة قائلين أيان مرساها ؟

أى متى إرساؤها واستقرارها ، أو متى زمن مجيئها وحصولها ؟

وقوله { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي } جواب عن سؤالهم : أى : قل أيها الرسول الكريم : علم الساعة أو علم قيامها عند ربى وحده ليس عندى ولا عند غيرى من الخلق شىء منه .

والتعبير بإنما المفيد للحصر للاشعار بأنه - سبحانه - هو الذي استأثر بعلم ذلك ولم يخبر أحدا به من ملك مقرب أو نبى مرسل .

وقوله { لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } بيان لاستمرار إخفائها إلى حين قيامها وإقناط كلى عن إظهار أمرها بطريق الإخبار .

والتجلية : الكشف والإظهار . يقال : جلى لى الأمر وانجلى تجلية بمعنى : كشفه وأظهره أتم الإظهار .

والمعنى : لا يكشف الحجاب عن خفائها ، ولا يظهرها للناس في الوقت الذي يختاره إلا الله وحده .

قال بعضهم : والسبب في إخفاء الساعة عن العباد لكى يكونوا دائما على حذر ، فيكون ذلك أدعى للطاعة وأزجر عن المعصية ، فإنه متى علمها المكلف ربما تقاصر عن التوبة وأخرها .

ثم عظم - سبحانه - أمر الساعة فقال { ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض } أى : كبرت أو شقت على أهلها لخوفهم من شدائدها وأهوالها وما فيها من محاسبة ومجازاة ، وعن السدى : أن من خفى عليه علم شىء كان ثقيلا عليه .

أو المعنى : ثقلت عند الوقوع على نفس السموات حتى انشقت وانتثرت نجومها وكورت شمسها ، وعلى نفس الأرض حتى سيرت جبالها ، وسجرت بحارها ، وقوله : " لا تأتيكم إلا بغتة " أى : لا تأتيكم إلا فجأة وعلى حين غفلة من غير توقع ولا انتظار .

وقد وردت أحاديث متعددة تؤيد وقوع الساعة فجأة ، ومنها ما رواه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه . ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته - أى ناقته ذات اللبن - فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه - أى يطليه بالجص أو الطين - فلا يسقى فيه . ولتقومن الساعة وقد رفع أحدكم أكلته إلى فمه فلا يطعمها " .

ثم قال - تعالى - { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ } .

أى : يسألونك يا محمد هذا السؤال كأنك حفى عنها أى : كأنك عالم بها . من حفى عن الشىء إذا بحث عن تعرف حاله بتتبع واستقصاء ومن بحث عن شىء وسأل عنه استحكم علمه به ، وعدى { حَفِيٌّ } بعن اعتباراً لأصل معناه ، وهو السؤال والبحث .

قال صاحب الكشاف : { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } عالم بها . وحقيقته كأنك بليغ في السؤال عنها ، لأن من بالغ في المسألة عن الشىء والتنقير عنه . استحكم علمه فيه ورصن - أى ثبت وتمكن - ، وهذا التركيب معناه المبالغة ومنه احفاء الشارب ، واحتفاء البقل ، استئصاله ، وأحفى في المسألة إذا ألحف - إى ألح وتشدد - وحفى بقلان وتحفى به : بالغ في البربه . وقيل : إن قريشا قالت له إن بيننا وبينك قرابة فقل لنا متى الساعة ؟ فقيل : يسألونك عنها كأنك حفى تتحفى بهم فتختصهم بتعليم وقتها لأجل القرابة وتزوى علمها عن غيرهم ، ولو أخبرت بوقتها لمصلحة عرفها الله في إخبارك به ، لكنت مبلغه للقريب والبعيد من غير تخصيص ، كسائر ما أوحى إليك .

ثم قال : فإن قلت : لم كرر يسألونك وإنما علمها عند الله ؟ قلت : للتأكيد ولما جاء به من زيادة قوله { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } وعلى هذا تكرير العلماء والحذاق " .

وقال صاحب الانتصاف : وفى هذا النوع من التكرير نكتة لا تلقى إلا في الكتاب العزيز ، وهو أجل من أن يشارك فيها . وذاك أن المعهود في أمثال هذا التكرار أن الكلام إذا بنى على مقصد واعتراض في أثنائه عارض فأريد الرجوع لتتميم المقصد الأول وقد بعد عهده ، طرى بذكر المقصد الأول للتصل نهايته ببدايته ، وقد تقدم لذلك في الكتاب العزيز أمثال ، وسيأتى ، وهذا منها فإنه لما ابتدأ الكلام . بقوله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا } ثم اعترض ذكر الجواب المضمن في قوله { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي } إلى قوله { بَغْتَةً } أن يدمغ تتميم سؤالهم عنها بوجه من الإنكار عليهم ، وهو المضمن في قوله { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } وهو شديد التعلق بالسؤال وقد بعد عهده ، فطرى ذكره تطرية عامة ، ولا تراه أبداً يطرى إلا بنوع من الإجمال كالتذكرة للأول مستغنى عن تفصيله بما تقدم .

فمن ثم قيل { يَسْأَلُونَكَ } ولم يذكر المسئول عنه وهو " الساعة " اكتفاء بما تقدم ، فلما كرر السؤال لهذه الفائدة كرر الجواب أيضا مجملا فقال : { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله } ويلاحظ هذا في تلخيص الكلام بعد بسطه " .

هذا ، وإذا كان علم الساعة مرده إلى الله وحده ، فإن هناك نصوصاً من الكتاب والسنة تحدثت عن أماراتها وعلاماتها ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فأنى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } والأشراط : جمع شرط - بفتح الشين والراء - وهى العلامات الدالة على قربها ، وأعظم هذه العلامات بعثة النبى - صلى الله عليه وسلم - إذ بها كمل الدين وما بعد الكمال إلا الزوال .

وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " بعثت أنا والساعة كهاتين " ويفرج بين أصبعيه الوسطى والسبابة .

وفى حديث جبريل المشهور " أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، فقال له ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، وسأخبرك أشراطها :

" إذ ولدت الأمة ربها - أى سيدها - ، وإذا تطاول رعاة الإبل في البنيان " " .

ومن علامات الساعة - كما صرحت بذلك الأحاديث - قبض العلم ، ففى الصحيحين عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " ومنها - أى من علامات الساعة - كثرة الزلازل ، وتقارب الزمان - اى قلة البركة في الوقت بحيث يمر الشهر كأنه أسبوع ، وظهور الفتن وكثرة الهرج - أى القتل إلى غير ذلك من العلامات التي وردت في الأحاديث النبوية ، وقد ساق بعض المفسرين وعلى رأسهم ابن كثير جملة منها .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّيۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَآ إِلَّا هُوَۚ ثَقُلَتۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا تَأۡتِيكُمۡ إِلَّا بَغۡتَةٗۗ يَسۡـَٔلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنۡهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (187)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنّكَ حَفِيّ عَنْهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلََكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } . .

اختلف أهل التأويل في الذين عنُوا بقوله : يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ فقال بعضهم : عني بذلك قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قُريش ، وكانوا سألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم : إن بيننا وبينك قرابة ، فأسرّ إلينا متى الساعة فقال الله : يَسْئَلُونَكَ كأنّك حَفِيّ عَنْها .

وقال آخرون : بل عني به قوم من اليهود . ذكر من قال ذلك .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، قال : ثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال حمل بن أبي قُشير وسمْول بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيّا كما تقول ، فإنا نعلم متى هي فأنزل الله تعالى : يَسْئَلَونَك عَنِ السّاعَةِ أيّان مُرْساها قَلْ إنّما عِلْمُها عِنْدَ ربّي . . . إلى قوله : ولَكِنّ أكْثَر النّاسِ لا يَعْلَمُون .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن طارق بن شهاب ، قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يزال يذكر من شأن الساعة حتى نزلت : يَسْئَلُونَك عَنِ السّاعَةِ أيّان مُرْساها .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن قوما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، فأنزل الله هذه الاَية ، وجائز أن يكون كانوا من قريش ، وجائز أن يكونوا كانوا من اليهود ولا خبر بذلك عندنا يجوّز قطع القول على أيّ ذلك كان .

فتأويل الاَية إذن : يسئلك القوم الذين يسئلونك عن الساعة أيّان مرساها ، يقول : متى قيامها . ومعنى «أيّان » : «متى » في كلام العرب ، ومنه قول الراجز :

أيّان تَقْضِي حاجَتِي أيّانَا ***أمَا تَرى لِنُجْحِها إبّانَا

ومعنى قوله : مُرْساها : قيامها ، من قول القائل : أرساها الله فهي مرساة ، وأرساها القوم : إذا حبسوها ، ورست هي ترسو رُسُوّا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : يَسْئَلُونَك عَنِ السّاعَةِ أيّان مُرْساها : يقول متى قيامها .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أيّان مُرْساها : متى قيامها .

وقال آخرون : معنى ذلك : منتهاها . وذلك قريب المعنى من معنى من قال : معناه : قيامها ، لأن انتهاءها : بلوغها وقتها . وقد بيّنا أن أصل ذلك الحبس والوقوف . ذكر من قال ذلك .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يَسْئَلُونَك عَنِ السّاعَةِ أيّان مُرْساها يعني : منتهاها .

وأما قوله : قُلْ إنّما عِلْمُها عِنْد ربّي لا يُجَلّيها لِوقْتِها إلاّ هُو فإنه أمر من الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأن يجيب سائليه عن الساعة بأنه لا يعلم وقت قيامها إلاّ الله الذي يعلم الغيب ، وأنه لا يظهرها لوقتها ولا يعلمها غيره جلّ ذكره . كما :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : قُلْ إنّمَا عِلْمُها عِنْد ربّي لا يُجَلّيها لِوقْتِها إلاّ هُوَ يقول : علمها عند الله ، هو يجليها لوقتها ، لا يعلم ذلك إلاّ الله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لا يُجَلّيها : يأتي بها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد : لا يُجَلّيها لا يأتي بها إلاّ هُو .

حدثني محمدبن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : لا يُجَلّيها لِوَقْتِهَا إلاّ هُو يقول : لا يرسلها لوقتها إلاّ هو .

القول في تأويل قوله تعالى : ثَقُلَتْ في السّمَواتِ والأرْضِ لا تأْتِيكُمْ إلاّ بَغْتَةً .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ثقلت الساعة على أهل السموات والأرض أن يعرفوا وقتها ومجيئها لخفائها عنهم واستئثار الله بعلمها . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : ثَقُلَتْ في السّمَواتِ والأرْضِ يقول : خفيت في السموات والأرض ، فلم يعلم قيامها متى تقوم مَلك مقرّب ولا نبيّ مرسل .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزّاق جميعا ، عن معمر ، عن بعض أهل التأويل : ثَقُلَتْ في السّمَواتِ والأرْضِ قال : ثقل علمها على أهل السموات وأهل الأرض أنهم لا يعلمون .

وقال آخرون : معنى ذلك : أنها كبرت عند مجيئها على أهل السموات والأرض . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق جميعا ، عن معمر ، قال : قال الحسن ، في قوله : ثَقُلَتْ في السّمَوَاتِ والأرْضِ يعني : إذا جاءت ثَقُلت على أهل السماء وأهل الأرض . يقول : كبُرت عليهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : ثَقُلَتْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ قال : إذا جاءت انشقّت السماء ، وانتثرت النجوم ، وكُوّرَت الشمس ، وسُيرت الجبال ، وكان ما قال الله فذلك ثقلها .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : قال بعض الناس في «ثقلت » : عظمت .

وقال آخرون : معنى قوله : في السّمَوَاتِ والأرْضِ : على السموات والأرض . ذكر من قال ذلك .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ثَقُلَتْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ : أي على السموات والأرض .

قال أبو جعفر : وأولى ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : معنى ذلك : ثقلت الساعة في السموات والأرض على أهلها أن يعرفوا وقتها وقيامها لأن الله أخفى ذلك عن خلقه ، فلم يطلع عليه منهم أحدا . وذلك أن الله أخبر بذلك بعد قوله : قُلْ إنّمَا عِلْمُها عِنْدَ رَبّي لا يُجَلِيها لِوَقْتِها إلاّ هُوَ وأخبر بعده أنها لا تأتي إلاّ بغتة ، فالذي هو أولى أن يكون ما بين ذلك أيضا خبرا عن خفاء علمها عن الخلق ، إذ كان ما قبله وما بعده كذلك .

وأما قوله : لا تَأْتِيكُمْ إلاّ بَغْتَةً فإنه يقول : لا تجيء الساعة إلاّ فجأة ، لا تشعرون بمجيئها . كما :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : لا تَأتِيكُمْ إلاّ بَغْتَةً يقول : يبغتهم قيامها ، تأتيهم على غفلة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : لا تَأْتِيكُمْ إلاّ بَغْتَةً قضى الله أنها لا تأتيكم إلاّ بغتة . قال : وذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «إنّ السّاعَةَ تَهِيجُ بالنّاسِ والرّجُلُ يُصْلِحُ حَوْضهُ والرّجُلُ يُسْقِي ماشِيَتَهُ والرّجُلُ يُقِيمُ سِلْعَتَهُ في السّوقِ وَالرّجُلُ يَخْفِضُ مِيزَانَهُ وَيَرْفَعُهُ » .

القول في تأويل قوله تعالى : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها قُلْ إنّمَا عِلْمُها عِنْدَ اللّهِ وَلكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ .

يقول تعالى ذكره : يسألك هؤلاء القوم عن الساعة ، كأنك حفيّ عنها . فقال بعضهم : يسألونك عنها كأنك حفيّ بهم . وقالوا : معنى قوله : «عنها » التقديم وإن كان مؤخرا . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها يقول : كأن بينك وبينهم مودّة ، كأنك صديق لهم . قال ابن عباس : لما سأل الناس محمدا صلى الله عليه وسلم عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمدا حفي بهم ، فأوحى الله إليه : إنما علمها عنده ، استأثر بعلمها ، فلم يُطْلِع عليها ملَكا ولا رسولاً .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال قتادة : قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم : إن بيننا وبينك قرابة ، فأسرّ إلينا متى الساعة فقال الله : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها : أي حفيّ بهم . قال : قالت قريش : يا محمد أسرّ إلينا علم الساعة لما بيننا وبينك من القرابة لقرابتنا منك .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر وهانىء بن سعيد ، عن حجاج ، عن خَصِيف ، عن مجاهد وعكرمة : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها قال : حفيّ بهم حين يسألونك .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها قال : قربت منهم ، وتحفّى عليهم . قال : وقال أبو مالك : كأنك حفيّ بهم ، قال : قريب منهم ، وتحفّى عليهم . قال : وقال أبو مالك : كأنك حفيّ بهم فتحدثهم .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها كأنك صديق لهم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : كأنك قد استحفيت المسألة عنها فغلمتها . ذكر من قال ذلك .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : كأنّك حَفِيّ عَنْها استحفيت عنها السؤال حتى علمتها .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو سعد ، عن مجاهد في قوله : كأنّكَ حَفِيّ عَنْها قال : استحفيت عنها السؤال حتى علمت وقتها .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها قال : كأنك عالم بها .

قال : حدثنا حامد بن نوح ، عن أبي روق ، عن الضحاك : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها قال : كأنك تعلمها .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : ثني عبيد بن سليمان ، عن الضحاك ، قوله : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها يقول : يسألونك عن الساعة ، كأنك عندك علما منها . قُلْ إنّمَا عِلْمُها عِنْدَ رَبي .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن بعضهم : كأنّكَ حَفِيّ عَنْها : كأنك عالم بها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كأنّكَ حَفِيّ عَنْها قال : كأنك عالم بها . وقال : أخفى علمها على خلقه . وقرأ : إنّ اللّهَ عِنْدَه عِلْم السّاعَةِ ، حتى ختم السورة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِيّ عَنْها يقول : كأنك يعجبك سؤالهم إياك . قُلْ إنّمَا عِلْمُها عِنْدَ اللّهَ .

وقوله : كأنّكَ حَفِيّ عَنْها يقول : لطيف بها .

فوجه هؤلاء تأويل قوله : كأنّكَ حَفِيّ عَنْها إلى حفيّ بها ، وقالوا : تقول العرب : تحفيت له في المسئلة ، وتحفيت عنه . قالوا : ولذلك قيل : أتينا فلانا نسأل به ، بمعنى نسأل عنه .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : كأنك حفيّ بالمسئلة عنها فتعلمها .

فإن قال قائل : وكيف قيل : حَفِيّ عَنْها ولم يقل حفيّ بها ، إن كان ذلك تأويل الكلام ؟ قيل : إن ذلك قيل كذلك ، لأن الحفاوة إنما تكون في المسئلة ، وهي البشاشة للمسؤول عند المسئلة ، والإكثار من السؤال عنه ، والسؤال يوصل ب «عن » مرّة وبالباء مرّة ، فيقال : سألت عنه ، وسألت به فلما وضع قوله «حفي » موضع السؤال ، وصل بأغلب الحرفين اللذين يوصل بهما السؤال ، وهو «عن » ، كما قال الشاعر :

سُؤَالَ حَفِيَ عَنْ أخِيهِ كأنّه ***يُذَكّرُهُ وَسْنانُ أوْ مُتَوَاسِنُ

وأما قوله : قُلْ إنّمَا عِلْمُها عِنْدَ اللّهِ فإن معناه : قل يا محمد لسائليك عن وقت الساعة وحين مجيئها : لا علم لي بذلك ، ولا يعلم به إلاّ الله الذي يعلم غيب السموات والأرض . وَلكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمونَ يقول : ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك لا يعلمه إلاّ الله ، بل يحسبون أن علم ذلك يوجد عند بعض خلقه .