تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (109)

{ ود كثير من أهل الكتاب } ، وذلك أن نفرا من اليهود ، منهم : فنحاص ، وزيد بن قيس ، بعد قتال أحد ، دعوا حذيفة ، وعمارا إلى دينهم ، وقالوا لهما : إنكما لن تصيبا خيرا للذي أصابهم يوم أحد من البلاء ، وقالوا لهما : ديننا أفضل من دينكم ، ونحن أهدى منكم سبيلا ، قال لهم عمار : كيف نقض العهد فيكم ؟ قالوا : شديد ، قال عمار : فإني عهدت ربي أن لا أكفر بمحمد أبدا ، ولا أتبع دينا غير دينه ، فقالت اليهود : أما عمار ، فقد ضل وصبا عن الهدى بعد إذ بصره الله ، فكيف أنت يا حذيفة ؟ ألا تبايعنا ؟ قال حذيفة : الله ربي ، ومحمد نبيي ، والقرآن إمامي ، أطيع ربي ، وأقتدي برسولي ، وأعمل بكتاب الله ربي حتى يأتيني اليقين على الإسلام ، والله السلام ومنه السلام ، فقالوا : وإله موسى ، لقد أشربت قلوبكم حب محمد ، فقال عمار : ربي أحمده ، وربي أكرم محمدا ، ومنه اشتق الجلالة ، إن محمدا أحمد هو محمد .

ثم أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه ، فقال : "ما رددتما عليهما ؟" ، فقالا : قلنا : الله ربنا ، ومحمد رسولنا ، والقرآن إمامنا ، الله نطيع ، وبمحمد نقتدي ، وبكتاب الله نعمل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أصبتما أخا الخير ، وأفلحتما" ، فأنزل الله عز وجل يحذر المؤمنين : { ود كثير من أهل الكتاب } ، { لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق } في التوراة أن محمدا نبي ، ودينه الإسلام ، ثم قال سبحانه : { فاعفوا واصفحوا } ، يقول : اتركوهم واصفحوا ، يقول : وأعرضوا عن اليهود ، { حتى يأتي الله بأمره } ، فأتى الله عز وجل بأمره في أهل قريظة القتل والسبي ، وفي أهل النضير الجلاء والنفي من منازلهم وجناتهم التي بالمدينة إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام ، { إن الله على كل شيء قدير } من القتل والجلاء قدير .