تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡتُلُواْ ٱلصَّيۡدَ وَأَنتُمۡ حُرُمٞۚ وَمَن قَتَلَهُۥ مِنكُم مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآءٞ مِّثۡلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحۡكُمُ بِهِۦ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ هَدۡيَۢا بَٰلِغَ ٱلۡكَعۡبَةِ أَوۡ كَفَّـٰرَةٞ طَعَامُ مَسَٰكِينَ أَوۡ عَدۡلُ ذَٰلِكَ صِيَامٗا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمۡرِهِۦۗ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَفَۚ وَمَنۡ عَادَ فَيَنتَقِمُ ٱللَّهُ مِنۡهُۚ وَٱللَّهُ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٍ} (95)

قوله سبحانه :

( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) ، وذلك أن أبا بشر ، واسمه : عمرو بن مالك الأنصاري ، كان محرما في عام الحديبية بعمرة ، فقتل حمارَ وحشٍ ، فنزلت فيه : ( ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) ، ( ومن قتله منكم متعمدا ) لقتله ناسيا لإحرامه ، ( فجزاء ) ، يعني : جزاء الصيد ، ( مثل ما قتل من النعم ) ، يعني : من الأزواج الثمانية ، إن كان قتَلَ عمداً أو خطأً ، أو أشار إلى الصيد فأُصيب ، فعليه الجزاء ، ( يحكم به ذوا عدل منكم ) ، يعني : يحكم بالكفارة رجلان من المسلمين عدلين فقيهين ، يحكمان في قاتل الصيد جزاء مثل ما قتل من النعم . إن قتل حمار وحش ، أو نعامة ، ففيها بعيرٌ ينحره بمكة ، يطعم المساكين ولا يأكل هو ، ولا أحد من أصحابه ، وإن كان من ذوات القرون الأيل والوعل ونحوهما ، فجزاؤه أن يذبح بقرة للمساكين ، وفي الطير ونحوها جزاؤه أن يذبح شاة مُسنَّة ، وفي الحمام شاةٌ ، وفي بيض الحمام إذا كان فيه فرخ درهمٌ ، وإن لم يكن فيه فرخ ، فنصفُ درهم ، وفي ولد الحمار الوحش ولدُ بعيرٍ مثلُه ، وفي ولد النعامة ولدُ بعيرٍ مثلُه ، وفي ولد الأيل والوعل ونحوه ولدُ بقرةٍ مثلُه ، وفي فرخ الحمام ونحوه ولدُ شاةٍ مثلُه ، وفي ولد الظبي ولدُ شاةٍ مثلُه .

( هديا بالغ الكعبة ) ، يعني ينحر بمكة ، كقوله سبحانه في الحج : ( ثم محلها إلى البيت العتيق ) ( الحج : 33 ) ، تذبح بأرض الحرم ، فتطعم مساكين مكة ، ( أو كفارة طعام مساكين ) ، لكل مسكين نصفُ صاعٍ حنطةً ، ( أو عدل ذلك صياما ) ، يقول : إن لم يقدر على الهدي ولا على ثمنه ، ولا على إطعام المساكين ، فلْيَصُم مكان كل مسكين يوما ، ينظر ثمن الهدي فيجعله دراهم ، ثم ينظر كم يبلغ الطعام بتلك الدراهم بسعر مكة ، فيصوم مكان كل مسكين يوما ، وبكل مسكين نصف صاع حنطة ، ( ليذوق وبال أمره ) ، يعني : جزاء ذنبه ، يعني : الكفارة عقوبة له بقتله الصيد ، ( عفا الله عما سلف ) ، يقول : عفا الله عما كان منه قبل التحريم ، يقول : تجاوز الله عما صنع في قتله الصيد متعمدا قبل نزول هذه الآية ، ( ومن عاد ) بعد النهي إلى قتل الصيد ، ( فينتقم الله منه ) بالضرب والفدية وبنزع ثيابه ، ( والله عزيز ) ، يعني : منيع في ملكه ، ( ذو انتقام ) من أهل معصيته فيمن قتل الصيد ، نزلت هذه الآية قبل الآية الأولى : ( فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ) .