قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } الآية [ 97 ] .
{ هديا } حال من الهاء في ( به ){[17992]} ، ويجوز نصبه على البيان ، ويجوز نصبه على المصدر{[17993]} .
و{ بالغ الكعبة } نعته ، والتقدير فيه : التنوين{[17994]} . والمعنى : يا أيها الذين صدقوا ، لا تقتلوا صيد البر وأنتم حرم لحج{[17995]} أو عمرة{[17996]} .
{ ومن قتله منكم متعمدا } ( أي ){[17997]} ناسيا لإحرامه ، معتمدا لقتل الصيد ، فإن كان ذاكرا لإحرامه وتحريمه ، فمجاهد{[17998]} وابن زيد يقولان : لا حكم عليه و[ نقمة ]{[17999]} الله منه أعظم{[18000]} . ومن الناس من قال : لا حج له{[18001]} .
ومن قتل الصيد الخطأ ، فعليه ما على المتعمد عند مالك وجماعة غيره{[18002]} .
وقيل : لا شيء عليه ، إنما أتى النص{[18003]} في المتعمد{[18004]} . وقال الزهري : نص الله على المتعمد{[18005]} وأتت{[18006]} السنة بما على المخطيء{[18007]} .
( قال أبو محمد ){[18008]} : ( وإيجاب الجزاء على المخطيء ){[18009]} يحتاج إلى نظر ، وقد أفردنا لذلك كتابا لاتساع الكلام في ذلك ، إذ ظاهر يعطي ألا{[18010]} شيء على المخطئ{[18011]} ، وإيجاب الجزاء على المخطئ [ أولى ]{[18012]} لدخوله تحت عموم الابتلاء في قوله { ليبلونكم الله }{[18013]} ، ولدخلوه تحت عموم النهي في قوله : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } ، ولدخوله تحت عموم التحريم في قوله / { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما }{[18014]} ، ولأنه عمل أهل المدينة ، ولِمَا قال ابن شهاب : إنه السنة{[18015]} .
ومعنى { فجزاء مثل{[18016]} ما قتل من النعم } هو ( أن ينظر ){[18017]} إلى أشبه الأشياء به ، فيجزيه ( به ){[18018]} ويهديه إلى الكعبة{[18019]} .
فمن أصاب نعامة فعليه بََدَنة{[18020]} ، وفي بيض النعامة{[18021]} عُشر ثَمن البدنة ، هذا قول مالك ، كما يكون في جنين ( غُرَّةٌ : عَبْدٌ أو ){[18022]} وليدة ، وقيمة الغرة خمسون دينارا وذلك عُشر دية الأم{[18023]} .
وفي الظبي{[18024]} شاة{[18025]} . وفي الأرنب – عند مالك – قيمتها من طعام ، وكذلك ما أشبه الأرنب ، مثل اليربوع وشبهه ، مثل الضب : فإن شاء أطعم كل مسكين مداً ، وإن شاء صام لكل مُدّْ يَوْماً ، هو{[18026]} بالخيار{[18027]} .
وفي الحَمَام – عند مالك شاة{[18028]} . وفي حمام الحِلّ{[18029]} حكومة عند مالك ، وليس كحمام الحرم{[18030]} ، وكره مالك أن يذبح الأهلي وهو محرم{[18031]} .
وعلى كل واحد من الجماعة – إذا اشتركوا في قتل صيد{[18032]} – جزاء عند مالك{[18033]} .
وصيد الحرم{[18034]} حرام على الحلال عند جميع العلماء{[18035]} .
ورخص مالك في إدخال الصيد من الحل إلى الحرم{[18036]} . ومنعه غيره{[18037]} ، وكرهه ناس{[18038]} .
وإذا نتف المحرمُ من الطير ما يَضُرُّ{[18039]} به ويخاف منه هلاكه{[18040]} ، فعليه جزاؤه تاما عند{[18041]} مالك{[18042]} . وإذا أحرم وفي يده{[18043]} صيد فعليه أن يرسله{[18044]} . ويأكل المحرم لحم الصيد{[18045]} إلا ما اصطيد من أجله ( عند مالك ، فإن أكل منه وقد صيد{[18046]} من أجله ){[18047]} فعليه جزاء ذلك الصيد عند مالك{[18048]} .
وكفارة الصيد في قتل الصيد ككفارة{[18049]} الحر{[18050]} .
ولا يكون الجزاء إلا بمنى أو بمكة{[18051]} .
ويحكم في الجزاء عدلان{[18052]} يجتهدان{[18053]} . ولا يحكمان في ذلك من الإبل والبقر والغنم إلا بما يجوز{[18054]} في الضحايا{[18055]} . وإذا اختلفَ{[18056]} الحكمان في الجزاء ، ابتدأ الحكم{[18057]} غيرهما{[18058]} . ولهما أن يحكما بغير أمر الإمام ، وله أن يرجع إلى غيرهما{[18059]} .
وعلى من قتل صيد الجزاء أن يكفر بإطعام مساكين{[18060]} ، أو يصوم لكل مُدٍّ يوما{[18061]} ، فللحكمين{[18062]} أن يقوِّما الجزاء بطعام{[18063]} ، فإن شاء أتى بالجزاء ، وإن شاء أطعم الطعام : مداً لكل مسكين{[18064]} ، وهو قوله { أو كفارة طعام مساكين{[18065]} } وإن شاء صام عن كل مُدٍّ يوما ، وهو قوله : { أو عدل{[18066]} ذلك صياما } ، هو مخير في ذلك{[18067]} .
ولا يطعم بعضا ويصوم بعضا{[18068]} ، بل يطعم الكل أو يصوم عن الكل{[18069]} .
وقيل : يصوم عن كل نصف صاع{[18070]} يوماً{[18071]} ، وهو قول من قال : يعطي الطعام ، نصف صاع لكل مسكين{[18072]} . والعدل : المِثْلُ{[18073]} ، والعِدْلُ ( نصف ){[18074]} الحمل{[18075]} .
وقال الكسائي : هما لغتان في المثل{[18076]} .
وقرأ طلحة بن مصرف{[18077]} والجحدري{[18078]} : { أو عدل } بالكسر{[18079]} ، وأنكر{[18080]} ذلك جماعة من أهل اللغة{[18081]} ، لأن العدل ( نصف ){[18082]} الحمل .
وقال الكسائي : عدل الشيء : مثله من غير جنسه ، وعدله : مثله من جنسه{[18083]} .
وقوله : { عفا الله عما{[18084]} سلف } أي : عفا لكم{[18085]} عما{[18086]} سلف لكم في جاهليتكم{[18087]} من قتل الصيد وأنتم حرم ، ولكن عاد فقتله – وهو محرم – فالله ينتقم منه في الآخرة ، وعليه الكفارة{[18088]} . وقد ذكر ابن عباس أن المعنى : من عاد مرة أخرى فقتل متعمدا{[18089]} ، فلا حكم عليه ، والله ( ينتقم منه ){[18090]} ، ومن عاد خطأ حكم عليه{[18091]} .
وقال عكرمة : لا يحكم{[18092]} عليه ، ذلك إلى الله{[18093]} .
وقيل : المعنى عفا ( الله ){[18094]} لكم عن قتلكم الصيد قبل تحريمه عليكم ، ومن عاد لقتله بعد تحريمه عليه ، عالما بقتله وبإحرامه ، فالله ينتقم منه ، ولا كفارة عليه{[18095]} .
{ والله عزيز{[18096]} } / ( أي ) : {[18097]} ممتنع ، { ذو انتقام } أي : ذو عقوبة لمن عصاه{[18098]} .
[17992]:هَدْيا: فإنه مصدَّرٌ على الحال من الهاء (تفسير الطبري 11/29، وانظر: المحرر 5/194، والتفسير الكبير 12/93 و94، وهو قول الفارسي في روح المعاني 3/26.
[17994]:انظر: تفسير الطبري 11/29 و 30.
[17996]:ب: بعمرة. وانظر: تفسير الطبري 11/7.
[18000]:انظر: تفسير الطبري 11/8 و9/10، وانفرد به مجاهد في الإجماع 45، وفي المغني 3/539 – بعدما حكى مخالفة الإجماع عن الحسن ومجاهد – قوله: (وهذا خلاف النص...).
[18001]:هو قول مجاهد في تفسير الطبري 11/8.
[18002]:انظر: الموطأ 419 و420، وهو قول سفيان وابن جريج وعطاء وابن عباس في تفسير الطبري 11/11، الذي اختاره في 11/12، وهو قول ابن عبد البر في الكافي 155، وفي أحكام ابن العربي 668: (ويُروى عن عمر وعطاء والحسن وإبراهيم والنخعي والزهري)، وزاد في المغني 3/541 أنه قول أحمد في رواية والشافعي وأًصحاب الرأي، وأضاف القرطبي في أحكامه 6/308 أنه قول طاوس أيضا.
[18003]:ب: النهي. والنص هو الآية التي نحن في رحابها.
[18004]:ب ج د: التعمد. وهو قول طاوس في تفسير الطبري 11/11، وقول أحمد في رواية وابن عباس وابن جبير وابن المنذر وداود أيضا في المغني 3/541.
[18007]:انظر: تفسير الطبري 11/11، وأحكام ابن العربي 668، والمغني 3/541، وأحكام القرطبي 6/308، وتفسير المائدة.
[18008]:ساقطة من ب ج د. وهو المؤلف رحمه الله.
[18011]:قال ابن الفرس: (ودليل الخطاب في الآية أن المخطئ لا شيء عليه. وقد اختلف في القول به)، ثم ذكر الأقوال المختلفة معزوة إلى قائليها مع أدلتهم: انظر: تفسير المائدة 300 وما بعدها.
[18014]:المائدة: 98، وانظر: المغني 3/288.
[18015]:انظر: قول ابن شهاب الزهري السابق والتعليق عليه، وانظر: القائلين بإيجاب الجزاء على المخطئ في المغني 3/357 و358 وفيه قول أحمد ومالك: (إن كان الصيد قريبا من الحرم ضمنه... وإن كان بعيدا لم يضمن).
[18016]:بالضم والإضافة قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر في السبعة 247.
[18019]:هو قول ابن القاسم في المدونة 1/338، وقول الطبري في تفسيره 11/13.
[18022]:مخرومة في أ. وانظر: الموطأ 415 و416، والمدونة 1/332، والكافي 156 و157.
[18023]:مخرومة في أ. وانظر: الموطأ 415 و416، والمدونة 1/332، والكافي 156 و157.
[18025]:هو قول عروة في الموطأ 415، وانظر: معاني الزجاج 2/207، وحجة ابن زنجلة 236، والكافي 156.
[18028]:انظر: الموطأ 415، والمدونة 1/335، والإجماع 45.
[18030]:انظر: المدونة 1/335، والكافي 157.
[18031]:(لأن أصل الحمام عنده طير يطير) المدونة 1/335. والأهلي في مقابل الوحشي – هو الداجن من الحيوان الذي يعيش بين الناس. انظر: المدونة 1/427، وهو المستأنس في الكافي 156 (لأنه قد صار أهليا 186. انظر: المدونة 1/335، والكافي 157.
[18033]:انظر: الموطأ 420، والمدونة 1/330، والكافي 155 و 156 و157، وهو قول أحمد في رواية وأبي بكر والثوري وأبي حنيفة والحسن أيضا في المغني 3/562.
[18035]:انظر: المدونة 1/330، والموطأ 355 و 356، وأحكام ابن العربي 678، و679، وكتاب الحجة 2/181، والمغني 3/349 وفيه تحريمه بالنص والإجماع.
[18036]:انظر: المدونة 1/335، وأحكام ابن العربي 689، وفي المغني 3/353: (كان ابن الزبير تسع سنين يراها في الأقفاص، وأصحاب النبي لا يرون به بأسا، ورخص فيه سعيد بن جبير ومجاهد ومالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر).
[18037]:(وقال أبو حنيفة: لا يجوز) أحكام ابن العربي 689، وانظر: قول عطاء وابن عمر والدليل على منعه في المغني 3/352 و 353.
[18038]:(وممن كره إدخال الصيد الحرم ابن عمر وابن عباس وعائشة وعطاء وطاوس وإسحاق وأصحاب الرأي، ورخص فيه جابر بن عبد الله، ورُيت عنه الكراهة له) المغني 3/352 و353.
[18042]:وهو قول أبي حنيفة أيضا في المغني 3/555.
[18045]:انظر: (باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد) في الموطأ 350.
[18048]:انظر: المدونة 1/131، 332، والموطأ 354. وفي الكافي 154: (إلا أن الجزاء على من أكل صيدا صيد من أجله استحباب). وانظر: فيه أيضا 155.
[18050]:ب: الجر. وانظر: أحكام ابن العربي 679.
[18051]:انظر: المدونة 1/329، 336، وتفسير الطبري 11/40 وما بعدها.
[18055]:انظر: المدونة 1/331، 340، وتفسير الطبري 11/22.
[18058]:(حتى يجتمعا على أمر واحد). المدونة 1/334.
[18061]:وصوم يوم لكل مد: قول ابن عباس وعطاء وسعيد في تفسير الطبري 11/31، 36، 45، 46. قال الطبري: (وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عدل المد من الطعام بصوم يوم في كفارة المواقع في شهر رمضان) 11/42.
[18063]:وحكم الحكمين بالقيمة: قول النخعي في تفسير الطبري 11/20، وفيه أيضا 11/29: (وهو قول جماعة هي متفقهة الكوفيين). وفي معاني الزجاج 2/207: (وإن كانت القيمة لا تبلغ، نظرا فقدَّرا قيمة ذلك).
[18064]:قول قول ابن عباس وسعيد في تفسير الطبري 11/31، 45، 46.
[18065]:(وقرأ نافع وابن عامر (أو كفارة) رفعا غير منون، (طعام مساكين) على الإضافة. ولم يختلفوا في جمع (مساكين)) السبعة 248.
[18067]:انظر: تفسير الطبري 11/30 وما بعدها، وفيه 11/34، 35 أنه قول عطاء وعكرمة والحسن ومجاهد والضحاك وعبيدة وإبراهيم، وهو قول مالك في الموطأ 356، واختاره الزجاج في معانيه 2/207 و208.
[18069]:هو رأي ابن القاسم في المدونة 1/338.
[18070]:(صاع النبي صلى الله عليه وسلم: ثمانية أرطال، ومدُّه: رطلان، وهو قول النخعي ومن وافقه من العرقيين... وأما أهل الحجاز، فلا اختلاف بينهم – فيما أعلمه - ...فيهم مجمعون على أن المد رطل وثلث، والصاع خمسة أرطال وثلث. قال (أي القتيبي): والصاع ثلث الفرق، والفرق سنة عشر رطلا: حلية الفقهاء 103 و104.
[18071]:ب: فيها. وهو قول أبي حنيفة في أحكام ابن العربي 681.
[18072]:هو قول النخعي وحماد ومجاهد وابن عباس في تفسير الطبري 11/32 وما بعدها، وقول أبي حنيفة في الجامع الصغير 150، وفي كتاب الحجة 2/179.
[18073]:انظر: مجاز أبي عبيدة 1/176، ومعاني الأخفش 477، وغريب ابن قتيبة 147، ومعاني الزجاج 2/208، واللسان: عدل.
[18074]:مستدركة في هامش أمن غير لفظة (صح)، ساقطة من ب ج د.
[18075]:(يكون على أحد جَنْبَي البعير) اللسان: عدل.
[18076]:هو قول المالكية في أحكام ابن العربي 680، وقول الزجاج في اللسان: عدل، وانظر: أحكام القرطبي 6/316.
[18077]:هو أبو محمد طلحة بن مصرف بن عمرو، تابعي كبير، مقرئ أهل الكوفة، له اختيار في القراءة، توفي سنة 112 هـ. انظر: الغاية 1/343.
[18078]:هو عاصم بن العجاج الجحدري البصري. قال ابن الجزري: وقراءته في الكامل والاتضاح، فيها مناكير، ولا يَثْبُتُ سندها، والسند إليه صحيح في قراءة يعقوب من قراءته على سلام عنه. توفي سنة 128 هـ، انظر: الغاية 1/349.
[18079]:هي قراءة رسول الله وابن عباس في مختصر ابن خالويه 35، وقراءة ابن عامر في اللسان: عدل. وعزاها في المحرر 5/195 إلى رسول الله وابن عباس وابن مصرف والجحدري.
[18082]:مستدركة في هامش أ من غير لفظة (صح)، ساقطة من ب ج د.
[18083]:هو قول الفراء في معانيه 1/320، وقول السكاكي في أحكام ابن العربي 680، وقول الفراء أيضا في أحكام القرطبي 6/316. وحكاه في اللسان (عدل) عن الفراء، وفيه: (وقيل بالعكس)، وفيه أيضا قول ابن جبير: (إن العدل على أربعة أنحاء: العدل في الحكم، قال الله تعالى {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} (وفي المائدة 44: بالقسط)، والعدل في القول قال تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا} (الأنعام 153)، والعدل: الفدية، قال الله عز وجل: {ولا يقبل منها عدل} (البقرة 122)، والعدل في الإشراك، قال الله عز وجل: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون}(الأنعام 2) أي: يشركون. هذا وقد عقب ابن عطية على قول الكسائي الذي بين أيدينا – بعدما عزاه إلى بعض الناس – بقوله: (نسبها مكي إلى الكسائي، وهو وهم، والصحيح عن الكسائي أنهما لغتان في المثل) المحرر 5/196. قال القرطبي في أحكامه 6/316 – بعدما عزا القول إلى الفراء -: (ويؤثر هذا القول عن الكسائي).
[18088]:انظر: تفسير الطبري 11/47، 48.
[18090]:ب: ينقفم عنه بغير نقطة الفاء.
[18093]:انظر: تفسير القرطبي 11/52، وهو الشق الثاني للقول الذي يليه.
[18095]:هو قول ابن عباس وشريح والأعمش والنخعي وابن جبير وعكرمة ومجاهد والحسن في تفسير الطبري 11/50 وما بعدها.
[18098]:انظر: تفسير الطبري 11/56، 57.