غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَيَصۡنَعُ ٱلۡفُلۡكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيۡهِ مَلَأٞ مِّن قَوۡمِهِۦ سَخِرُواْ مِنۡهُۚ قَالَ إِن تَسۡخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسۡخَرُ مِنكُمۡ كَمَا تَسۡخَرُونَ} (38)

25

ثم حكى الحال الماضية بقوله : { ويصنع الفلك } الحال أنه { كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه } يحتمل أن يكون هذا جواباً ل " كلما " وقوله : { قال إن تسخروا } استئناف على تقدير سؤال سائل كأنه قيل : ماذا قال حينئذٍ ؟ ويحتمل أن يكون { سخروا } بدلاً من { مر } أو صفة ل { ملأ } و{ قال } جواب { قيل } كانوا يقولون : يا نوح كنت نبياً فصرت نجاراً ، ولو كنت صادقاً في دعواك لكان إلهك يغنيك عن هذا العمل الشاق . وقيل : إنهم ما رأوا السفينة قبل ذلك فكانوا يتعجبون ويسخرون . وقيل : إنها كانت كبيرة وكان يصنعها في مفازة بعيدة عن الماء فكانوا يقولون هذا من باب الجنون . وقيل : طالت مدته وكان ينذرهم الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة وليس منه عين ولا أثر فغلب على ظنونهم كونه كاذباً فيسخرون منه فأجابهم بقوله : { إن تسخروا منا } في الحال { فإنا نسخر منكم } في المستقبل إذا وقع عليكم الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة ، أو إن حكمتم علينا بالجهل فيما نصنع فإنا نحكم عليكم بالجهل فيما أنتم عليه من الكفر والتعرض لسخط الله ، أو إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم في استجهالكم لأنكم لا تستجهلون إلا عن الجهل بحقيقة الأمر . والبناء على ظاهر الحال كما هو عادة الأغمار . وسمي جزاء السخرية سخرية كقوله : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } [ الشورى :40 ] .

/خ49