غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (53)

36

أتبع ذلك قوله : { وما أبرىء نفسي إن النفس } أي هذا الجنس { لأمارة بالسوء } ميالة إلى القبائح راغبة في المعاصي . وفيه أن ترك تلك الخيانة ما كان حظ النفس وشربها ولكن كان بتوفيق الله تعالى وتسهيله وصرفه { إلا ما رحم ربي } إلا البعض الذي رحمه ربي بالعصمة كالملائكة ، أو المراد أنها أمارة بالسوء في كل وقت وأوان إلا وقت رحمة ربي ، أو الاستثناء منقطع أي ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة . القول الثاني أنه حكاية قول المرأة لأن يوسف عليه السلام ما كان حاضراً في ذلك المجلس والمعنى ، وإن كنت أحلت عليه الذنب عند حضوره ولكني ما أحلته عليه في غيبته حين كان في السجن . { وأن الله لا يهدي } فيه تعريض فأنها لما أقدمت على المكر فلا جرم افتضحت ، وأنه لما كان بريئاً من الذنب لا جرم طهره الله منه { وما أبرىء نفسي } من الخيانة مطلقاً فإني قد خنته حين قلت { ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً } أو حين أودعته السجن . ثم إنها اعتذرت عما كان منها فقالت : { إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي } كنفس يوسف { إن ربي غفور رحيم } أو استغفرت ربها واسترحمته مما ارتكبت . قال المحققون : النفس الإنسانية شيء واحد فإذا مالت إلى العالم العلوي كانت مطمئنة ، وإذا مالت إلى العالم السفلي وإلى الشهوة والغضب سميت أمارة ، وهذا في أغلب أحوالها لإلفها إلى العالم الحسي وقرارها فيه ، فلا جرم إذا خليت وطباعها انجذبت إلى هذه الحالة فلهذا قيل : إنها من حيث هي أمارة بالسوء . وإذا كانت منجذبة مرة إلى العالم العلوي ومرة إلى العالم السفلي سميت لوامة . ومنهم من زعم أن النفس المطمئنة هي الناطقة العلوية ، والنفس الأمارة منطبعة في البدن تحمله على الشهوة والغضب وسائر الأخلاق الرذيلة . وتمسكت الأشاعرة بقوله : { إلا ما رحم } ظاهراً لأنه دل على أن صرف النفس عن السوء بخلق الله وتكوينه . وحملته المعتزلة على منح الألطاف والله أعلم بالحقائق .

/خ53