غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ قُلِ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَٱتَّخَذۡتُم مِّن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ لَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ نَفۡعٗا وَلَا ضَرّٗاۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ أَمۡ هَلۡ تَسۡتَوِي ٱلظُّلُمَٰتُ وَٱلنُّورُۗ أَمۡ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلۡقِهِۦ فَتَشَٰبَهَ ٱلۡخَلۡقُ عَلَيۡهِمۡۚ قُلِ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُوَ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّـٰرُ} (16)

12

ثم أخبر عن التسخير بسؤال التقرير ردّاً على عبدة الأصنام فقال : { قل من رب السموات والأرض قل الله } وهذه حكاية لاعترافهم لأنهم كانوا يعترفون بأنه الإله الأعظم وهذا كما يقول المناظر لصاحبه : أهذا قولك ؟ فإذا قال هذا قولي قال هذا قولك فيحكي إقراره استئنافاً منه يقول له : فيلزمك على هذا القول كيت وكيت وذلك قوله : { قل أفاتخذتم } ويجوز أن يكون تلقيناً لما ليسوا منكرين له . والهمزة في { أفاتخذتم } للإنكار والمعنى أبعد أن علمتموه رب السموات والأرض اتخذتم { من دونه أولياء } جمادات عجزة عن تحصيل المنافع والمضارّ لأنفسهم فضلاً عن غيرهم . وموضع الإنكار أنهم جعلوا ما كان يجب أن يكون سبب التوحيد من العلم والإقرار سبب الإشراك ، ثم جعلوا مع ذلك أخس الأشياء مكان أشرف الذوات وهذا جهل لا مزيد عليه فلهذا شبههم بالأعمى وشبه جهالتهم بالظلمات وأنكر أن يكون شيء منهما مساوياً لنقيضه فقال : { قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور } جمع الظلمات ووحد النور لأن السبل المنحرفة غير محصورة والصراط المستقيم واحد . ثم أكد الإنكار المذكور بقوله : { أم جعلوا } والمراد بل جعلوا { لله شركاء } خالقين مثل خلقه { فتشابه الخلق } أي خلق الله وخلقهم { عليهم } أي ليس لهذه الشركاء خلق مثل خلق الله حتى يشتبه الأمر عليهم بل ليس لهم خلق أصلاً بل كان ما سوى الله عاجز عن الخلق بدليل قوله : { قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار } المتوحد بالربوبية الذي لا يغالب وما عداه مربوب ومقهور . قالت المعتزلة : للعبد فعل وتأثير ولكنا لا نقول إنه يخلق كخلق الله لأن العبد يفعل لجلب منفعة أو دفع مضرة والله تعالى منزه عن ذلك . وأجيب بأن المخالفة من بعض الوجوه لا تقدح في المماثلة من وجه آخر ، فلو كان فعل العبد كالتحريك مثلاً واقعاً بقدرته لكان مثلاً للتحريك الواقع بقدرة الله تعالى وهذا الإشكال وارد أيضاً على من يثبت للعبد كسباً .

/خ29