فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ قُلِ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَٱتَّخَذۡتُم مِّن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ لَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ نَفۡعٗا وَلَا ضَرّٗاۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ أَمۡ هَلۡ تَسۡتَوِي ٱلظُّلُمَٰتُ وَٱلنُّورُۗ أَمۡ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلۡقِهِۦ فَتَشَٰبَهَ ٱلۡخَلۡقُ عَلَيۡهِمۡۚ قُلِ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُوَ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّـٰرُ} (16)

{ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ( 16 ) }

{ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ } أي خالقهما ومتولي أمورهما ، أمر الله سبحانه رسوله أن يسأل الكفار من ربهما ؟ سؤال تقرير ، ثم لما كانوا يقرون بذلك ويعترفون به كما حكاه الله سبحانه في قوله : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم } وقوله : { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيب فقال { قُلِ اللّهُ } فكأنه حكى جوابهم وما يعتقدونه لأنهم ربما تلعثموا{[996]} في الجواب حذرا مما يلزمهم .

ثم أمره بأن يلزمهم الحجة ويبكتهم قال : { قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم } الاستفهام للإنكار ، أي إذا كان رب السماوات والأرض هو الله كما تقرون بذلك وتعترفون به كما حكاه سبحانه عنكم بقوله : { قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله } فما بالكم اتخذتم لأنفسكم بعد إقراركم هذا { مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء } عاجزين { لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا } يضرون به غيرهم أو يدفعونه عن أنفسهم فكيف ترجون منهم النفع والضر وهم لا يملكونها لأنفسهم .

ثم ضرب الله سبحانه لهم مثلا وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول لهم فقال : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى } في دينه وهو الكافر { وَالْبَصِيرُ } فيه وهو الموحد ، فإن الأول جاهل لما يجب عليه وما يلزمه والثاني عالم بذلك . قال ابن عباس يعني المؤمن والكافر .

{ أَمْ هَلْ } أم هذه هي المنقطعة فتقدر ببل . والهمزة عند الجمهور ، وببل وحدها عند بعضهم ، وقد تقوى بهذه الآية من يرى تقديرها ببل فقط بوقوع هل بعدها ، وأجيب بأن هل هنا بمعنى قد وإليه ذهب جماعة ، وقيل استفهامية للتقريع والتوبيخ وهو الظاهر { تَسْتَوِي } قرئ بالتاء والياء والوجهان واضحان { الظُّلُمَاتُ } أي الكفر { وَالنُّورُ } أي الإيمان ، أي كيف يكونان مستويين وبينهما من التفاوت بين الأعمى والبصير ، وما بين الظلمات والنور ، ووحد النور وجمع الظلمات لأن طريق الحق واحدة لا تختلف ، وطرائق الباطل كثيرة غير منحصرة .

{ أَمْ } هي المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة أي بل أ { جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء } والاستفهام لإنكار الوقوع قال ابن الأنباري : معناه أجعلوا لله شركاء { خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ } أي مثل خلق الله ، يعني سموات وأرضا وشمسا وقمرا ، وجبالا وبحارا وجنا وإنسانا .

{ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ } أي فتشابه خلق الشركاء بخلق الله عندهم ، وهذا كله في حيز النفي كما علمت ، أي ليس الأمر كذلك حتى يشتبه الأمر عليهم ، بل إذا فكروا بعقولهم وجدوا الله هو المتفرد بالخلق وسائر الشركاء لا يخلقون شيئا . والمعنى أنهم لم يجعلوا لله شركاء متصفين بأنهم خلقوا كخلقه فتشابه بهذا السبب الخلق عليهم حتى يستحقوا بذلك العبادة منهم . بل إنما جعلوا له شركاء الأصنام ونحوها بمحض سفه وجهل . وهي بمعزل أن تكون كذلك لأنه لم يصدر عنها فعل ولا خلق ولا أثر البتة .

ثم أمر الله سبحانه وتعالى بأن يوضح لهم الحق ويرشدهم إلى الصواب فقال : { قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } كائنا ما كان ليس لغيره في ذلك مشاركة بوجه من الوجوه فلا شريك له في العبادة ، قال الزجاج : والمعنى أنه خالق كل شيء مما يصح أن يكون مخلوقا ، ألا ترى أنه تعالى شيء وهو غير مخلوق { وَهُوَ الْوَاحِدُ } أي المنفرد بالربوبية مقول القول أو مستأنفه { الْقَهَّارُ } لما عداه فكل ما عداه مربوب مقهور مغلوب .


[996]:لعثم فيه لعثمة، وتلعثم مكث وتوقف وتأنى أو نكص عنه وتبصره. انتهى قاموس.