غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَتَىٰٓ أَمۡرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسۡتَعۡجِلُوهُۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة النحل مكية غير ثلاث آيات { وان عاقبتم } الخ حروفها سبعة آلاف وسبعمائة وسبعة كلمها ألف وثمانمائة وأحد وأربعون آياتها مائة وثمان وعشرون .

بسم الله الرحمان الرحيم

1

التفسير : هذه السورة تسمى سورة النعم أيضاً ، وحكى الأصم عن بعضهم أن كلها مدنية . وقال الآخرون : من أولها إلى قوله : { كن فيكون } مدنية وما سواه مكي . وعن قتادة بالعكس منه . قال أهل النظم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخوفهم بعذاب الدنيا تارة وهو القتل والاستيلاء عليهم كما حصل في يوم بدر ، وتارة بعذاب القيامة . ثم إن القوم لما لم يشاهدوا شيئاً من ذلك أقبلوا على تكذيبه وكانوا يستعجلون ما وعدوا به استهزاء . وروي أنه لما نزلت { اقتربت الساعة } [ القمر : 1 ] قال الكفار فيما بينهم : إن هذا يزعم أن القيامة قد اقتربت فأمسكوا عن بعض ما تعملون حتى ننظر ما هو كائن . فلما تأخرت قالوا : ما نرى شيئاً فنزلت { اقترب للناس حسابهم }

[ الأنبياء :1 ] فأشفقوا وانتظروا قربها ، فلما امتدت الأيام قالوا : يا محمد ما نرى شيئاً مما تخوفنا به فنزلت { أتى أمر الله } فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رؤوسهم فنزلت { فلا تستعجلوه } فاطمأنوا . والحاصل أن قوله : { أتى أمر الله } جواب عن شبهتهم إجراء لما يجب وقوعه مجرى الواقع كما يقال لمن طلب الإغاثة وقرب حصولها : جاءك الغوث فلا تجزع . أو المراد أن { أمر الله } بذلك وحكمه قد وقع وأتى . فأما المحكوم به فإنما لم يقع لأنه تعالى حكم بوقوعه في وقت معين فقبل مجيء ذلك الوقت لا يخرج إلى الوجود فلا تسعجلوه ولا تطلبوا حصوله قبل حضور ذلك الوقت . ثم إن المشركين كأنهم قالوا : هب يا محمد أنا سلمنا صحة ما تقول من أنه تعالى حكم بإنزال العذاب علينا إما في الدنيا وإما في الآخرة إلا أنا نعبد هذه الأصنام لأنها شفعاؤنا عند الله فكيف نستحق العذاب بسبب هذه العبادة ؟ فأجاب الله عن هذه الشبه بقوله : { سبحانه وتعالى عما يشركون } كما مر في أول سورة يونس . والمراد تنزيه نفسه عن الأضداد والأنداد وأن يكون لأحد من الأرواح والأجساد أن يشفع عنده إلا بإذنه ، أو يستعجل في حكم من أحكامه ، أو قضية قبل أوانه . ثم إنهم كأنهم قالوا سلمنا أنه تعالى أن يقضي على طائفة باللطف وعلى الآخرين . بالقهر ولكن كيف صرت واقفا على أسرار الله تعالى في ملكه وملكوته دوننا ، من أين حصل لك هذا الفضل علينا ؟

/ح23