غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يُنَزِّلُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرُوٓاْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱتَّقُونِ} (2)

1

فأزال الله سبحانه شبهتهم بقوله :{ ينزل الملائكة } الآية . والمراد أن له بحكم المالكية أن يختص بعض عبيده بإنزال الوحي عليه ويأمره بأن يكلف سائر العباد بمعرفة توحيد الله وبعبادته ، فظهر بهذا البيان أن هذه الآيات منتظمة على أحسن الوجوه . قال الواحدي : روى عطاء عن ابن عباس أنه أراد بالملائكة ههنا جبرائيل وحده ، وتسمية الواحد بالجمع إذا كان رئيساً مطاعاً جائزة . وعلى هذا التفسير فالمراد بالروح كلام الله تعالى كقوله : { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } [ الشورى :52 ] قال المحققون : الروح الأصلي هو القرآن الذي فيه بيان المبدأ والوسط والمعاد ، فبه يحصل إشراق العقل ، وبالعقل يكمل ضياء جوهر الروح ، وبالروح يكمل حال الجسد فهو الأصل والباقي فرع عليه وبهذه المناسبة يسمى جبرائيل روحاً وعيسى روحاً . وعن أبي عبيدة أن الروح ههنا جبرائيل ، والباء بمعنى " مع " أي تنزل الملائكة مع جبرائيل . وذلك أنه في أكثر الأحوال كان ينزل ومعه أقوام من الملائكة كما في يوم بدر وحنين ، وكان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ملك الجبال وملك البحار وخزان الجنة وغيرهم . قال في الكشاف : { بالروح من أمره } أي بما يحيي القلوب الميتة بالجهل من وحيه ، أو بما يقوم في الدين مقام الروح في الجسد وقال غيره : من أمره معناه أن ذلك التنزيل والنزول لا يكون إلا بأمر الله كقوله { وما نتنزل إلا بأمر ربك } [ مريم :64 ] قال الزجاج : { أن أنذروا } بدل من " الروح " أي ينزلهم بأن أنذروا . و " أن " إما مفسرة لأن تنزيل الوحي فيه معنى القول ، وإما مخففة من الثقيلة وضمير الشأن مقدر أي بأن الشأن أقول لكم أنذروا أي أعلموا الناس قولي : { لا إله إلا أنا } وهو إشارة إلى استكمال القوة النظرية . وقوله : { فاتقون } رمز إلى استكمال القوة العملية ومنه يعلم أن النفس متى كملت من هاتين الجهتين حصل لها روح حقيقي وحياة أبدية وسعادة سرمدية . قال الإمام فخر الدين الرازي : إنا لا نعلم كون جبريل صادقاً ولا معصوماً من الكذب والتلبيس إلا بالدلائل السمعية ، وصحة الدلائل السمعية موقوفة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم ، وصدقه يتوقف على أن هذا القرآن معجز من قبل الله لا من قبل شيطان خبيث ، والعلم بذلك يتوقف على العلم بأن جبرائيل صادق مبرأ عن التلبيس وأفعال الشياطين ، وحينئذٍ يلزم الدور وهذا مقام صعب . أقول : قد ذكرنا مراراً أن الفرق بين المعجز والسحر هو أن صاحب المعجز يدعو إلى الخير ، وصاحب السحر يدعو إلى الشر ، والفرق بين الملك والشيطان هو أن الملك يلهم بالخير ، والشيطان يوسوس بضده وإذا كان الأمر كذلك فكيف تشتبه المعجزة بالسحرة وجبرائيل بإبليس ومن أين يلزم الدور ؟

/خ23