غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱلسَّلَٰمُ عَلَيَّ يَوۡمَ وُلِدتُّ وَيَوۡمَ أَمُوتُ وَيَوۡمَ أُبۡعَثُ حَيّٗا} (33)

16

قوله : { والسلام عليّ } قالت العلماء : إنما عرف السلام ههنا بعد تنكيره في قصة يحيى لأن النكرة إذا تكررت تعرفت على أن تعريف الجنس قريب من تنكيره . وقيل : إن الأول من الله والقليل عنه كثير .

قليل منك يكفيني *** قليلك لا يقال له قليل

وإني لأرضى منك يا هند بالذي *** لو أبصره الواشي لفرت بلابله

بلا وبأن لا أستطيع وبالمنى *** وبالوعد حتى يسأم الوعد آمله

والثاني من عيسى والكثير منه لا يبلغ معشار سلام الله . عن بعضهم أن عيسى عليه السلام قال ليحيى : أنت خير مني سلم الله عليك وسلمت على نفسي . وأجاب الحسن بأن تسليمه على نفسه هو تسليم الله عليه . وقال جار الله : في هذا التعريف تعريض باللعنة على متهمي مريم وأعدائها من اليهود لأنه إذا زعم أن جنس السلام خاصته فقد عرض بأن ضده عليهم نظيره في قصة موسى { والسلام على من اتبع الهدى }

[ طه : 47 ] يعني أن العذاب على من كذب وتولى . يروى أنه كلمهم بهذه الكلمات ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغاً يتكلم فيه الصبيان . وعن اليهود والنصارى أنهم أنكروا تكلم عيسى في المهد قائلين إن هذه الواقعة مما يتوفر الدواعي على نقلها ، فلو وجدت لاشتهرت وتواترت مع شدة غلو النصارى فيه وفي مناقبه . وأيضاً إن اليهود مع شدة عداوتهم له لو سمعوا كلامه في المهد بالغوا في قتله ودفعه في طفوليته . وأجاب المسلمون من حيث العقل بأنه لولا كلامه الذي دلهم على براءتها من الذي قذفوها به لأقاموا عليها الحد ولم يتركوها ، ولعل حاضري يشتغلوا وقتئذ بدفعه والله أعلم .

/خ40