ولنعد إلى ما كنا فيه { ووصّى } التوصية من جملة الأمور المستحسنة التي حكاها الله تعالى عن إبراهيم . أوصيته بكذا ووصيته بمعنى ، وأصله من وصيت الشيء بكذا بالتخفيف إذا وصلته إليه . وأرض واصية متصلة النبات ، فالموصي يصل القربة الحاصلة له بعد الموت إلى القربات الحاصلة له في الحياة ويحمد الموصي على هذا الوصل بسبب الوصية . والضمير في ( بها ) قيل : يعود إلى الكلمة أو الجملة وهي أسلمت لرب العالمين ، ونحوه رجوع الضمير في قوله { وجعلها كلمة باقية } [ الزخرف : 28 ] إلى قوله { إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني } [ الزخرف : 26 ] وقيل : الأولى أن يرجع إلى الملة لأنها مذكورة صريحاً في قوله { ومن يرغب عن ملة إبراهيم } ولأن الوصية بالملة جامعة لجميع أسباب الفلاح بخلاف الوصية بالشهادة وحدها اللهم إلا أن يحمل الإسلام على الانقياد الكلي . وفي الآية دقائق مرعية في قبول الدين منها : أنه لم يقل وأمر بها لأن الوصية عند أمارات الموت وعند ذلك يكون الاهتمام بالأمور أشد . ومنها أنه خص نبيه بذلك في آخر عمره مع أنه كان يدعو كل الناس إلى الدين ، فدل على أنه لا شيء عنده أهم من ذلك . ومنها التعميم لجميع الأبناء وأنه لم يقيد الوصية بزمان أو مكان ولم يخلطها بشيء آخر ، ثم نهاهم أن يموتوا غير مسلمين وكل هذه دلائل شدة الاهتمام بالأمور وهو المشهود له بالفضل وحسن السيرة ، فيجب قبول قوله لكل عاقل وكذلك وصى بها يعقوب بنيه . وقرئ يعقوب بالنصب فمعناه وصى بها إبراهيم بنيه ونافلته يعقوب قائلاً لكل منهما { يا بنيّ } أصله يا بنون فأضيف إلى ياء المتكلم فسقطت النون وصار الواو ياء لأجل النصب فأدغم الياء في الياء { إن الله اصطفى لكم الدين } استخلصه واختاره لكم بأن أقام عليه الدلائل الواضحة ودعاكم إليه ومنعكم من غيره ووفقكم للأخذ به { فلا تموتنّ } فلا يكن موتكم إلا على حال كونكم ثابتين على الإسلام نحو " لا تصل إلا وأنت خاشع " لا ينهاه عن نفس الصلاة ولكن عن ترك الخشوع في صلاته . والنكتة فيه إظهار أن الصلاة التي لا خشوع فيها كلا صلاة ومثله قوله صلى الله عليه وسلم
" لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " فإنه في قوة قوله لجار المسجد : لا تصل إلا في المسجد . فكان موتهم لا على حال الإسلام موتاً لا خير فيه لأنه ليس بموت السعداء ومن حق هذا الموت أن لا يحل فيهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.