غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ} (261)

261

التفسير : إنه سبحانه لما ذكر من أصول المبدأ والمعاد ما اقتضاه المقام أتبعه ببيان التكاليف والأحكام . قال القاضي في كيفية النظم : إنه تعالى لما أجمل في قوله { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة }[ البقرة : 245 ] ، فصّل بعد ذلك بهذه الآية تلك الأضعاف ، وإنما ذكر بين الآيتين الأدلة على قدرته على الإحياء والإماتة لأنه لولا وجود الإله المثيب المعاقب بعد الحشر لكان التكليف بالإنفاق وسائر الطاعات عبثاً كأنه قال : قد عرفت أني خلقتك وأكملت نعمي عليك بالإحياء والإقدار ، وقد علمت قدرتي على المجازاة ، فليكن علمك بهذه الأصول داعياً إلى إنفاق الأموال فإنه يجازي القليل بالكثير ، ثم ضرب لذلك الكثير مثلاً وهو من الواحد إلى سبعمائة . وعن الأصم أنه تعالى ضرب هذا المثل بعد ما احتج على الكل بما يوجب تصديق النبي صلى الله عليه وسلم ليرغبوا في المجاهدة بالنفس والمال في نصرته وإعلاء شريعته . وقيل : إنه تعالى لما بين أنه وليّ المؤمنين ، وأن الكفار أولياؤهم الطاغوت ، بيّن مثل ما ينفق المؤمن في سبيل الله وما ينفق الكافر في سبيل الطاغوت . قلت : لما بين صحة المعاد ولا بد له من زاد ولا يمكن التزود من الأموال التي يمتلكها العباد إلا بالإنفاق ، أتبعه أحكامه فقال { مثل الذين } ولا بد من إضمار ليصح التشبيه أي مثل صدقاتهم كمثل حبة أو مثلهم باذر حبة .

وسبيل الله دينه . فقيل الجهاد ، وقيل جميع أبواب الخير . والمنبت هو الله ، ولكن الحبة لما كنت سبباً أسند إليها الإنبات كما يسند إلى الأرض وإلى الماء . ومعنى إنباتها سبع سنابل أن تخرج ساقاً يتشعب منها سبع شعب لكل واحد سنبلة . وهذا التمثيل تصوير للأضعاف سواء وجد في الدنيا سنبلة بهذه الصفة أو لم توجد ، على أنه قد يوجد في الجاورس والذرة وغيرهما مثل ذلك . وسبع سنابل مثل ثلاثة قروء في إقامة جمع الكثرة مقام القلة . { والله يضاعف } أي تلك المضاعفة لمن يشاء لا لكل منفق لتفاوت أحوال المنفقين في الإخلاص ، أو يضاعف سبع المائة ويزيد عليها أضعافها لمن يستحق ذلك في مشيئته . { والله واسع } كامل القدرة على المجازاة لأن فيضه غير متناه { عليم } بمقادير الإنفاقات وبمواقعها ومصارفها بإخلاص صاحبها ، وإذا كان الأمر كذلك فلن يضيع عمل عامل له عنده .

/خ266