غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُبۡطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلۡمَنِّ وَٱلۡأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ صَفۡوَانٍ عَلَيۡهِ تُرَابٞ فَأَصَابَهُۥ وَابِلٞ فَتَرَكَهُۥ صَلۡدٗاۖ لَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّمَّا كَسَبُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (264)

261

ثم إنه تعالى ضرب لكل واحد من المؤذي وغير المؤذي مثلاً فقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } وعن ابن عباس : بالمن على الله والأذى للفقير ، { كالذي } أي كإبطال المنافق الذي { ينفق ماله رئاء الناس } وهو أن يرائي بعمله غيره ولا يريد رضا الله وثواب الآخرة ، ويجوز أن تكون الكاف في محل النصب على الحال أي لا تبطلوا صدقاتكم مماثلين للذي ينفق ، فمثله الضمير إما أن يكون عائداً إلى المنافق على أنه تعالى شبه المانّ بالمرائي المنافق ، ثم شبه المنافق بالحجر . وإما أن يعود إلى المانَّ المؤذى على أنه شبهه بالمنافق ثم شبهه بالحجر . والصفوان الحجر الأملس ، والوابل المطر العظيم القطر ، والصلد الأجرد النقي ومنه صلد جبين الأصلع إذا برق . وهذا المثل ضربه الله لعمل المانِّ المؤذي ولعمل المنافق ، فإن الناس يرون في الظاهر أن لهؤلاء أعمالاً كما يرى التراب على هذا الصفوان ، فإذا كان يوم القيامة اضمحل كله وبطل لأنه تبين أن تلك الأعمال ما كانت لله تعالى ولم يؤت بها على وجه يستحق الثواب كما أذهب الوابل ما كان على الصفوان من التراب . وأما المعتزلة فقالوا : إن تلك الصدقة أوجبت الأجر والثواب ، ثم إن المنَّ والأذى أزالا ذلك الأجر بناء على مذهبهم من الإحباط والتكفير .

فعلى مذهبنا : العمل الظاهر كالتراب ، والمان المؤذي أو المنافق كالصفوان ويوم القيامة كالوابل . وعلى قولهم : المن والأذى كالوابل ، وعن القفال : أن عمل المانِّ مشبه بما إذا طرح بذراً في صفوان صلد عليه غبار قليل ، فإذا أصابه مطر جود بقي مستودع بذره خالياً لا شيء فيه . ألا ترى أنه ضرب مثل المخلص بجنة فوق ربوة ؟ وعلى هذا فقوله { لا يقدرون على شيء } الضمير فيه عائد إلى معلوم غير مذكور ، أي لا يقدر أحد من الخلق على ذلك البذر الملقى في ذلك التراب الذي فرض على الصفوان لأنه خرج عن الانتفاع به ، فكذا المانُّ والمؤذي والمنافق لا ينتفع واحد منهم بعمله يوم القيامة ، وناهيك بكون المانِّ والمنافق ملزوزين في قرن شناعة شأن المن والأذى ، وقيل : الضمير عائد إلى الذي إما لأن " من " و " الذي " متعاقبان فكأنه قيل : كمّن ينفق ، وإما لأن المراد المراد الفريق الذي ، وإما لأنه أشير بالذي إلى الجنس والجنس في حكم العام . وقيل : المعنى لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى فإنكم إن فعلتم ذلك لم تقدروا على شيء مما كسبتم ، فالتفت من الخطاب إلى الغيبة كقوله { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم }[ يونس : 22 ] . { والله لا يهدي القوم الكافرين } معناه - على قولنا - سلب الإيمان عنهم ، وعلى قول المعتزلة أنه يضلهم عن الثواب وطريق الجنة لسوء اختيارهم

/خ266