غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فَـَٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِلٞ فَطَلّٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (265)

261

{ ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله } طلباً لمرضاته { وتثبيتاً من أنفسهم } قيل : أي يوطنون أنفسهم على حفظ هذه الطاعة وترك ما يفسدها من المن والأذى . وقيل : تثبيتاً من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة في الإيمان مخلصة فيه ، ويعضده قراءة مجاهد { وتبييناً } من البيان . وقيل : إن النفس لا ثبات لها في موقف العبودية إلا إذا صارت مقهورة بالرياضة ومعشوقها أمران الحياة العاجلة والمال . فإذا بذل ماله وروحه معاً فقد ثبت نفسه كلها { وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم }[ الصف : 11 ] وإذا بذل ماله لوجه الله فقد ثبت بعض نفسه ، فعلى هذا " من " للتبعيض ذكره في الكشاف . قال الزجاج : تصديقاً للإسلام وتحقيقاً للجزاء من أصل أنفسهم جازمين بأن الله تعالى لا يضيع ثوابهم ف " من " على هذا للابتداء ، وجزمهم بالثواب هو المراد بالتثبيت . وعن الحسن ومجاهد وعطاء : المراد أنهم يثبتون أنفسهم تثبيتاً في طلب المستحق وصرف المال في وجهه . قال الحسن : كان الرجل إذا هَمَّ بصدقة يتثبت فإن كان لله أمضى وإن خالطه شك أمسك . وقيل : إنه إذا أنفق لأجل عبودية الحق لا لأجل غرض النفس وحظ من حظوظها فهناك اطمأن قلبه واستقرت نفسه ولم يحصل لنفسه منازعة مع قلبه فذلك الاستقرار هو التثبيت . ويحتمل أن يكون المراد به حصول ملكة الإنفاق بحيث يحصل عنه بطريق الاطراد والاعتياد لا بطريق البخت والاتفاق ، فإن الأخلاق ما لم تصر ملكات لصاحبها لم تكد يظهر على جوهر النفس صفاؤها ونوريتها .

والمعنى أن مثل نفقة هؤلاء في زكائها عند الله كمثل جنة وهي البستان . وقرئ { كمثل جنة بربوة } بمكان مرتفع من ربا الشيء يربو إذا زاد وارتفع ، ومنه الربو لزيادة التنفس ، والربا في المال . قيل : وإنما خص المكان المرتفع لأن الشجر فيها أزكى وأحسن ثمراً . واعترض عليه بأن المكان المرتفع لا يحسن ريعه لبعده عن الماء وربما تضربه الرياح كما أن الوهاد لكونها مصب المياه قلما يحسن ريعها ، فإذن البستان لا يصلح له إلا الأرض المستوية ، فالمراد بالربوة أرض طيبة حرة تنتفخ وتربو إذا نزل عليها المطر ، فإنها إذا كانت على هذه الصفة كثر دخلها وكمل شجرها كقوله تعالى { وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت }[ الحج : 5 ] ومما يؤكد ما ذكرنا أن هذا المثل ، في مقابلة المثل الأول ، فكما أن الصفوان لا يربو ولا ينمو بسبب نزول المطر عليه فينبغي أن تكون هذه الأرض بحيث تربو وتنمو { فآتت أكلها } أي ثمرتها وما يؤكل منها { ضعفين } مثلي ما كان يعهد منها . وقيل : مثلي ما يكون في غيرها { فإن لم يصبها وابل فطل } مطر صغير القطر يصيبها ولا ينتقص شيء من ثمرها لكرم منبتها ، أو المراد أنها على جميع الأحوال لا تخلو من أن تثمر قل أم كثر ، وكذلك من أخرج صدقة لوجه الله لا يضيع كسبه وفّر أم نزر . ويحتمل أن يمثل حالهم عند الله بالجنة على الربوة ، ونفقتهم القليلة والكثيرة بالوابل والطل ، وكما أن الكل واحد من المطرين يضعف أكل الجنة فكذلك نفقتهم تزيد في زلفاهم وحسن حالهم { والله بما تعملون } من وجوه الإنفاق وكيفيتها والأمور الباعثة عليها { بصير } فيجازي بحسب النيات وخلوص الطويات .

/خ266