{ ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله } طلباً لمرضاته { وتثبيتاً من أنفسهم } قيل : أي يوطنون أنفسهم على حفظ هذه الطاعة وترك ما يفسدها من المن والأذى . وقيل : تثبيتاً من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة في الإيمان مخلصة فيه ، ويعضده قراءة مجاهد { وتبييناً } من البيان . وقيل : إن النفس لا ثبات لها في موقف العبودية إلا إذا صارت مقهورة بالرياضة ومعشوقها أمران الحياة العاجلة والمال . فإذا بذل ماله وروحه معاً فقد ثبت نفسه كلها { وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم }[ الصف : 11 ] وإذا بذل ماله لوجه الله فقد ثبت بعض نفسه ، فعلى هذا " من " للتبعيض ذكره في الكشاف . قال الزجاج : تصديقاً للإسلام وتحقيقاً للجزاء من أصل أنفسهم جازمين بأن الله تعالى لا يضيع ثوابهم ف " من " على هذا للابتداء ، وجزمهم بالثواب هو المراد بالتثبيت . وعن الحسن ومجاهد وعطاء : المراد أنهم يثبتون أنفسهم تثبيتاً في طلب المستحق وصرف المال في وجهه . قال الحسن : كان الرجل إذا هَمَّ بصدقة يتثبت فإن كان لله أمضى وإن خالطه شك أمسك . وقيل : إنه إذا أنفق لأجل عبودية الحق لا لأجل غرض النفس وحظ من حظوظها فهناك اطمأن قلبه واستقرت نفسه ولم يحصل لنفسه منازعة مع قلبه فذلك الاستقرار هو التثبيت . ويحتمل أن يكون المراد به حصول ملكة الإنفاق بحيث يحصل عنه بطريق الاطراد والاعتياد لا بطريق البخت والاتفاق ، فإن الأخلاق ما لم تصر ملكات لصاحبها لم تكد يظهر على جوهر النفس صفاؤها ونوريتها .
والمعنى أن مثل نفقة هؤلاء في زكائها عند الله كمثل جنة وهي البستان . وقرئ { كمثل جنة بربوة } بمكان مرتفع من ربا الشيء يربو إذا زاد وارتفع ، ومنه الربو لزيادة التنفس ، والربا في المال . قيل : وإنما خص المكان المرتفع لأن الشجر فيها أزكى وأحسن ثمراً . واعترض عليه بأن المكان المرتفع لا يحسن ريعه لبعده عن الماء وربما تضربه الرياح كما أن الوهاد لكونها مصب المياه قلما يحسن ريعها ، فإذن البستان لا يصلح له إلا الأرض المستوية ، فالمراد بالربوة أرض طيبة حرة تنتفخ وتربو إذا نزل عليها المطر ، فإنها إذا كانت على هذه الصفة كثر دخلها وكمل شجرها كقوله تعالى { وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت }[ الحج : 5 ] ومما يؤكد ما ذكرنا أن هذا المثل ، في مقابلة المثل الأول ، فكما أن الصفوان لا يربو ولا ينمو بسبب نزول المطر عليه فينبغي أن تكون هذه الأرض بحيث تربو وتنمو { فآتت أكلها } أي ثمرتها وما يؤكل منها { ضعفين } مثلي ما كان يعهد منها . وقيل : مثلي ما يكون في غيرها { فإن لم يصبها وابل فطل } مطر صغير القطر يصيبها ولا ينتقص شيء من ثمرها لكرم منبتها ، أو المراد أنها على جميع الأحوال لا تخلو من أن تثمر قل أم كثر ، وكذلك من أخرج صدقة لوجه الله لا يضيع كسبه وفّر أم نزر . ويحتمل أن يمثل حالهم عند الله بالجنة على الربوة ، ونفقتهم القليلة والكثيرة بالوابل والطل ، وكما أن الكل واحد من المطرين يضعف أكل الجنة فكذلك نفقتهم تزيد في زلفاهم وحسن حالهم { والله بما تعملون } من وجوه الإنفاق وكيفيتها والأمور الباعثة عليها { بصير } فيجازي بحسب النيات وخلوص الطويات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.