غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَّـٰكِنِ ٱلرَّـٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ مِنۡهُمۡ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَۚ وَٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ أُوْلَـٰٓئِكَ سَنُؤۡتِيهِمۡ أَجۡرًا عَظِيمًا} (162)

153

ثم وصف طريقة المؤمنين المحقين منهم فقال : { لكن الراسخون في العلم منهم } يعني عبد الله بن سلام وأضرابه ممن نبت في العلم وثبت وأتقن واستبصر حتى حصلت له المعارف بالاستدلال واليقين دون التقليد والتخمين ، لأن المقلد يكون بحيث إذا شكك تشكك ، أما المستدل فإنه لا يتشكك ألبتة { والمؤمنون } يريد المؤمنين منهم أو المؤمنين من المهاجرين والأنصار .

والراسخون مبتدأ و { يؤمنون } خبره . أما قوله : { والمقيمين الصلاة } ففيه أقوال : الأوّل روي عن عثمان وعائشة أنهما قالا : إن في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها ، ولا يخفى ركاكة هذا القول لأن هذا المصحف منقول بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يمكن ثبوت اللحن فيه ؟ الثاني قول البصريين إنه نصب على المدح لبيان فضل الصلاة { والمؤتون الزكاة } رفع على المدح لبيان فضل الزكاة كقولك : جاءني قومك المطعمين في المحل والمغيثون في الشدائد . فتقدير الآية أعني المقيمين الصلاة وهم المؤتون الزكاة { والمؤمنون بالله واليوم الآخر } وطعن الكسائي في هذا القول بأن النصب على المدح إنما يكون بعد تمام الكلام وههنا الخبر وهو قوله : { أولئك } إلخ منتظر . والجواب أن الخبر { يؤمنون } ولو سلم فما الدليل على أنه لا يجوز الاعتراض بالمدح بين المبتدأ وخبره ؟ الثالث وهو اختيار الكسائي أن المقيمين خفض للعطف على ما في قوله : { إنما أنزل إليك } والمراد بهم الأنبياء لأنه لم يخل شرع واحد منهم من الصلاة . قال تعالى :{ وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة }[ الأنبياء :73 ] أو الملائكة لقوله :{ وإنا لنحن الصافون }[ الصافات :165 ] واعلم أن العلماء ثلاثة أقسام : العلماء بأحكام الله وتكاليفه وشرائعه ، والعلماء بذات الله وصفاته الواجبة والممتنعة وأحوال المبدإ والمعاد ، والعلماء الجامعون بين العلمين المذكورين مع العمل بما يجب العمل به وهم الراسخون في العلم وأنهم أكابر العلماء ، وإلى الأقسام الثلاثة أشار بقوله صلى الله عليه وسلم : " جالس العلماء وخالط الحكماء ورافق الكبراء " اللهم اجعلنا من زمرتهم بفضلك يا مستعان .

/خ169