ثم احتج على إبطال معتقدهم بقوله { ما المسيح ابن مريم إلا رسول } وهذا ترتيب في غاية الحسن لأنه منعهم من الكفر أوّلاً ، ثم حثهم على الإسلام ثانياً ، ثم شرع في حل شبههم ثالثاً ، ومن هنا قيل : إن المرتد يستتاب بلا مهل ومناظرة إن عنت له شبهة بل يسلم أوّلاً ثم تحل شبهته ثانياً ، والمعنى ما هو إلا رسول من جنس الرسل الماضين لا يتخطى الرسالة إلى الإلهية كما لم يتخطوا ، فإن خلق من غير ذكر فقد خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى ، وإن أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى فقد جعل موسى العصا حية تسعى إلى غير ذلك من آيات ربه الكبرى { وأمه صديقة } كبعض النساء المؤمنات بالأنبياء الصادقات في أقوالهن وأفعالهن وأحوالهن قال تعالى في وصفها :{ وصدّقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين }[ التحريم :12 ] أي من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وهم المجتهدون في إقامة مراسم العبودية . ففيه تكذيب للنصارى المفرطين فيها إذ جعلوها إلهاً ، وفيه تكذيب لليهود المفرّطين في شأنها حيث نسبوها إلى الهنات ، وإلى الكذب في أن عيسى خلق من غير أب . وفيه أن من كان له أم فقد حدث بعد أن لم يكن فكان مخلوقاً لا إلهاً . ثم أكد حدوثهما وعجزهما بقوله { كانا يأكلان الطعام } فإن المحتاج إلى الاغتذاء سيحتاج إلى ما يتبعه من الهضم والنفض ، وكل هذه الافتقارات دليل ظاهر وبرهان باهر على حدوثهما وأفولهما في حيز الإمكان . ثم عجب من غاية غوايتهم فقال { انظر } يا محمد أو كل من له أهلية النظر { كيف نبين لهم الآيات } الأدلة الظاهرة على بطلان قولهم . والعامل في { كيف } قوله { نبين } ومفعول { انظر } مجموع الجملة بل مضمونها أي تبصر هذه الحالة وتفكر فيها ومثله { ثم انظر أنى يؤفكون } كيف يصرفون عن الحق . أفكه بالفتح يأفكه بالكسر أفكاً بالفتح والسكون صرفه عن الشيء . ومنه الإفك بالكسر للكذب لأنه مصروف عن الحق ، وأرض مأفوكة صرف عنها المطر . ومعنى " ثم " التراخي والبون بين العجبين أي بينا لهم الآيات بياناً عجيباً ولكن إعراضهم عنها أعجب ، ثم الصارف عن تأمل الحق هو الله أو العبد فيه خلاف مشهور بين الأشاعرة والمعتزلة ، وأنت قد عرفت التحقيق في ذلك مراراً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.