غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{مَّا ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ إِلَّا رَسُولٞ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُۥ صِدِّيقَةٞۖ كَانَا يَأۡكُلَانِ ٱلطَّعَامَۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ ثُمَّ ٱنظُرۡ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (75)

70

ثم احتج على إبطال معتقدهم بقوله { ما المسيح ابن مريم إلا رسول } وهذا ترتيب في غاية الحسن لأنه منعهم من الكفر أوّلاً ، ثم حثهم على الإسلام ثانياً ، ثم شرع في حل شبههم ثالثاً ، ومن هنا قيل : إن المرتد يستتاب بلا مهل ومناظرة إن عنت له شبهة بل يسلم أوّلاً ثم تحل شبهته ثانياً ، والمعنى ما هو إلا رسول من جنس الرسل الماضين لا يتخطى الرسالة إلى الإلهية كما لم يتخطوا ، فإن خلق من غير ذكر فقد خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى ، وإن أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى فقد جعل موسى العصا حية تسعى إلى غير ذلك من آيات ربه الكبرى { وأمه صديقة } كبعض النساء المؤمنات بالأنبياء الصادقات في أقوالهن وأفعالهن وأحوالهن قال تعالى في وصفها :{ وصدّقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين }[ التحريم :12 ] أي من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وهم المجتهدون في إقامة مراسم العبودية . ففيه تكذيب للنصارى المفرطين فيها إذ جعلوها إلهاً ، وفيه تكذيب لليهود المفرّطين في شأنها حيث نسبوها إلى الهنات ، وإلى الكذب في أن عيسى خلق من غير أب . وفيه أن من كان له أم فقد حدث بعد أن لم يكن فكان مخلوقاً لا إلهاً . ثم أكد حدوثهما وعجزهما بقوله { كانا يأكلان الطعام } فإن المحتاج إلى الاغتذاء سيحتاج إلى ما يتبعه من الهضم والنفض ، وكل هذه الافتقارات دليل ظاهر وبرهان باهر على حدوثهما وأفولهما في حيز الإمكان . ثم عجب من غاية غوايتهم فقال { انظر } يا محمد أو كل من له أهلية النظر { كيف نبين لهم الآيات } الأدلة الظاهرة على بطلان قولهم . والعامل في { كيف } قوله { نبين } ومفعول { انظر } مجموع الجملة بل مضمونها أي تبصر هذه الحالة وتفكر فيها ومثله { ثم انظر أنى يؤفكون } كيف يصرفون عن الحق . أفكه بالفتح يأفكه بالكسر أفكاً بالفتح والسكون صرفه عن الشيء . ومنه الإفك بالكسر للكذب لأنه مصروف عن الحق ، وأرض مأفوكة صرف عنها المطر . ومعنى " ثم " التراخي والبون بين العجبين أي بينا لهم الآيات بياناً عجيباً ولكن إعراضهم عنها أعجب ، ثم الصارف عن تأمل الحق هو الله أو العبد فيه خلاف مشهور بين الأشاعرة والمعتزلة ، وأنت قد عرفت التحقيق في ذلك مراراً .