غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَحَسِبُوٓاْ أَلَّا تَكُونَ فِتۡنَةٞ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٞ مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (71)

القراءات : { أن لا تكون } بالرفع : أبو عمرو وسهل ويعقوب وعاصم وحمزة وعلي وخلف غير سهل وحفص وأبي بكر وحماد . الباقون بالنصب .

70

{ وحسبوا أن لا تكون فتنة } قال علماء الأدب : الأفعال على ثلاثة أضرب : فعل يدل على ثبات الشيء كالعلم والتيقن فيقع بعده أن المشددة الدالة على ثبات الشيء أيضاً لتأكيد مقتضاه كقوله :{ ويعلمون أن الله هو الحق المبين }[ النور :25 ] فإن خففت ودخلت على الفعل لم يجز إلا أن يكون مع فعله " قد " أو " سوف " أو " السين " أو حرف نفي ليكون كالعوض من إحدى النونين وقيل : من حذف ضمير الشأن مثل { علم أن سيكون }[ المزمل :20 ] وفعل يدل على خلاف الثبات والاستقرار نحو " أطمع " و " أخاف " و " أرجو " فلا يجيء معه إلا الخفيفة الناصبة للفعل كقوله { والذي أطمع أن يغفر لي }[ الشعراء :82 ] وفعل يحتمل المعنيين فيجوز فيه كلا الوجهين كقوله { وحسبوا أن لا تكون } قرئ بالنصب على أن المصدرية ، وكون الحسبان بمعنى الظن وبالرفع على أن المخففة أي أنه لا تكون فتنة فخففت أن وحذف ضمير الشأن ، ونزل حسبانهم لقوته في صدورهم منزلة العلم ، وما يشتمل عليه صلة " أن " و " أنّ " من المسند والمسند إليه سد مسد المفعولين و " كان " تامة . والمعنى : وحسب بنو إسرائيل أنه لا تقع فتنة وهي محصورة في عذاب الدنيا وعذاب الآخرة . وعذاب الدنيا أقسام منها : القحط ومنها الوباء ومنها القتل ومنها العداوة والبغضاء فيما بينهم ومنها الإدبار والنحوسة وكل ذلك قد وقع بهم وقد فسرت الفتنة بكل ذلك ، وحسبانهم أن لا تقع فتنة يحتمل وجهين : الأول أنهم كانوا يعتقدون أن لا نسخ لشريعة موسى ، وأن كل رسول جاء بعده يجب تكذيبه ، والثاني أنهم اعتقدوا كونهم مخطئين في التكذيب والقتل إلا أنهم كانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه وأن نبوّة إسلافهم تدفع العقاب عنهم . ثم إن الآية تدل على أن عماهم عن الدين وصممهم عن الحق حصل مرتين ، فقال بعض المفسرين : إنهم عموا وصموا في زمان زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام ثم تاب الله على بعضهم حيث وفقهم للإيمان به { ثم عموا وصموا كثير منهم } في زمان محمد صلى الله عليه وسلم فأنكروا نبوّته إلا بعضهم كعبد الله بن سلام وأصحابه . وقوله { كثير منهم } بدل عن الضمير كقولك : رأيت القوم أكثرهم ، وقيل : إنه على لغة من يقول " أكلوني البراغيث " وقيل : خبر مبتدأ محذوف أي أولئك كثير منهم ، وقال بعضهم : { عموا وصموا } حين عبدوا العجل ثم تابوا منه فتاب الله عليهم { ثم عموا وصموا كثير منهم } بالتعنت وهو طلب رؤية الله جهرة . وقال القفال : إنه يجوز أن يكون إشارة إلى ما في سورة بني إسرائيل { وإذا جاء وعد أولاهما }[ الإسراء :5 ]{ فإذا جاء وعد الآخرة }[ الإسراء :7 ] وقرئ { فعمموا وصموا } بالضم أي رماهم الله وضربهم بالعمى والصمم كما يقال : ركبته إذا ضربته بالركبة .