غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ قَتۡلَ أَوۡلَٰدِهِمۡ شُرَكَآؤُهُمۡ لِيُرۡدُوهُمۡ وَلِيَلۡبِسُواْ عَلَيۡهِمۡ دِينَهُمۡۖ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا يَفۡتَرُونَ} (137)

131

النوع الثاني من أحكامهم الفاسدة قوله : { وكذلك زين } كان أهل الجاهلية يدفنون بناتهم أحياءً خوفاً من الفقر أو من التزويج ، وكان الرجل يحلف بالله إن ولد له كذا غلاماً لينحرن أحدهم كما فعل عبد المطلب على ابنه عبد الله ، والشركاء على الوجه الأول الشياطين الذين أطاعوهم في معصية الله تعالى ، وعلى الثاني هم السدنة والخدام ، والأول قول مجاهد ، والثاني للكلبي . وتقدير الكلام ومثل ذلك التزيين وهو تزيين الشرك في قسمة القربان بين الله والآلهة ، أو مثل ذلك التزيين البليغ الذي علم من الشياطين زين لهم شركاؤهم من الشياطين أو من سدنة الأصنام { قتل أولادهم } بالوأد أو بالنحر . ثم إن وجه القراءة الأكثري ظاهر وليس فيها إلا تقديم المفعول وذلك لشدة الاعتناء به ، وأما قراءة ابن عامر فخطأها الزمخشري من جهة الفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف فإن ذلك قد جوز بالظرف كقوله :

لله در اليوم من لامها *** . . .

وضعف بغير الظرف كقوله :

فزججتها بمزجة *** زج القلوص أبي مزاده

وحملوه على ضرورة الشعر مع الاستكراه ، والحق عندي في هذا المقام أن القرآن حجة على غيره وليس غيره حجة عليه ، والقراءات السبع كلها متواترة فكيف يمكن تخطئة بعضها ؟ فإذا ورد في القرآن المعجز مثل هذا التركيب لزم القول بصحته وفصاحته وأن لا يلتفت إلى أنه هل ورد له نظير في أشعار العرب وتراكيبهم أم لا ، وإن ورد فكثير أم لا ؟ ومع ذلك فقد وجهه بعض الفضلاء بأن المضاف إليه من الأول محذوف على نحو قوله :

بين ذراعي وجبهة الأسد *** . . .

والمضاف مضمر مع الثاني كقراءة من قرأ { والله يريد الآخرة } [ الأنفال : 67 ] بالجر على تقدير غرض الآخرة ، فتقدير الآية : قتل شركائهم أولادهم قتل شركائهم . ومعنى { ليردوهم } ليهلكوهم بالإغواء . قال ابن عباس : ليردوهم في النار . واللام محمول على العاقبة إن كان التزيين من السدنة ، وعلى حقيقة التعليل إن كان من الشيطان { وليلبسوا عليهم دينهم } ليخلطوه عليهم ويشبهوه ودينهم ما كانوا عليه من دين إسماعيل فهذا الذي أتاهم بهذه الأوضاع الفاسدة أراد أن يزيلهم عن ذلك الدين الحق . وقيل : دينهم الذي وجب أن يكونوا عليه ، وقيل : وليوقعوهم في دين ملتبس { ولو شاء الله ما فعلوه } لما فعل المشركون ما زين لهم ، أو لما فعل الشياطين والسدنة التزيين أو الإرداء أو اللبس أو جميع ما ذكر إن جعل الضمير جارياً مجرى اسم الإشارة . والمعتزلة حملوا هذه المشيئة على مشيئة الإلجاء والقسر . ثم قال : { فذرهم وما يفترون } على قانون قوله : { اعملوا ما شئتم } [ فصلت : 40 ] وفيه مع التهديد التسجيل على المأمور بأنه لا يأتي منه إلا الشر والشرك . قيل : إنما قال في هذه الآية { ولو شاء الله ما فعلوه } ليكون مناسباً لقوله : { وجعلوا لله } وقال فيما قبل : { ولو شاء ربك ما فعلوه } [ الأنعام : 112 ] لأنه وقع عقيب آيات فيها ذكر الرب كقوله : { قد جاءكم بصائر من ربكم } [ الأنعام : 104 ] الآيات .

/خ140