غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ شَهِدۡنَا عَلَىٰٓ أَنفُسِنَاۖ وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰفِرِينَ} (130)

122

ثم بيّن أن كفار الثقلين لا يكون لهم إلى الجحود يوم القيامة سبيل وأنهم لا يعذبون إلا بالحجة فقال : { يا معشر الجن والإنس } قال أهل اللغة : المعشر كل جماعة مختلطة يجمعهم أمير واحد { ألم يأتكم رسل منكم } استفهام على سبيل التقدير فلا جرم استدل الضحاك بالآية { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } [ فاطر : 24 ] على أن من الجن رسلاً كالإنس ، ولأن استئناس الجنس بالجنس أكمل ولهذا قال سبحانه : { ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً } [ الأنعام : 9 ] والأكثرون على أنه ما كان من الجن رسول البتة إنما كانت الرسل من بني آدم وزعموا أن ذلك مجمع عليه . ورد بأنه كيف ينعقد الإجماع مع حصول الاختلاف ؟ واستدل بعضهم على المطلوب بقوله تعالى : { إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين } [ آل عمران : 33 ] والمراد بالاصطفاء هاهنا النبوّة بالإجماع . وأجيب عن قول الضحاك بأن الآية تقتضي أن رسل الجن والإنس تكون بعضاً من أبعاض هذا المجموع فكان هذا القدر كافياً في حمل اللفظ على ظاهره فلا يلزم إثبات رسول من الجن . وأيضاً لا يبعد أن يقال : إن الرسل كانوا من الإنس ، ثم كان من الجن نفر يستمعون من رسول الإنس وينذرون قومهم بذلك قال : وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن } [ الأحقاف : 29 ] الآية . وقد يسمى رسول الرسول رسولاً كما أنه تعالى سمى رسل عيسى رسل نفسه فقال : { إذ أرسلنا إليهم اثنين } [ يس : 14 ] ثم إنه سبحانه يكون قد بكت كفار الثقلين بهذه الآية لأنه أزال العذر وأزاح العلة بسبب أنه أرسل الرسل إليهم فإذا وصلت البشارة والنذارة إلى الكل بهذا الطريق فقد حصل المقصود . وقال الواحدي : أراد رسل من أحدكم وهو الإنس كقوله : { يخرج منهما اللؤلؤ } [ الرحمن : 22 ] أي من أحدهما وهو الملح الذي ليس بعذب . وعن الكلبي كانت الرسل قبل أن يبعث محمد يبعثون إلى الإنس ورسول الله صلى الله عليه وآله بعث إلى الجن والإنس . أما قوله : { يقصون عليكم آياتي } فالمراد منه التنبيه على الأدلة بالتأويل وبالتلاوة { وينذرونكم لقاء يومكم هذا } يخوفونكم عذاب هذا اليوم فلم يجدوا بداً من الاعتراف فلذلك { قالوا شهدنا على أنفسنا } والسبب في أنهم أقروا في هذه الآية وجحدوا في قوله : { والله ربنا ما كنا مشركين } [ الأنعام : 23 ] هو أنهم مختلفو الأحوال في يوم القيامة مضطربون ؛ فتارة يقرّون وأخرى يجحدون . ومنهم من حمل هذه الشهادة على شهادة الجوارح عليهم . ثم أخبر الله تعالى عن حالهم في الدنيا بقوله : { وغرتهم الحياة الدنيا } وعن حالهم في الآخرة بقوله : { وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين } والمقصود من شرح أحوالهم في القيامة زجر أمثالهم في الدنيا عن الكفر والمعصية . وقد يستدل بالآية على أن لا وجوب قبل ورود الشرع وإلا لم يكن لهذا التوبيخ والتبكيت فائدة .

/خ130