غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلۡحَرۡثِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ نَصِيبٗا فَقَالُواْ هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعۡمِهِمۡ وَهَٰذَا لِشُرَكَآئِنَاۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمۡ فَلَا يَصِلُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمۡۗ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (136)

131

ثم حكى أنواعاً من جهالاتهم وركاكات أقوالهم تنبيهاً على ضعف عقولهم وقلة محصولهم وتنفيراً للعقلاء عن الالتفات إلى أقوال أمثالكم فقال : { وجعلوا لله } قال الزجاج : وجعلوا لله نصيباً ولشركائهم نصيباً بدليل قوله : { فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا } وجعل الأوثان شركاء لأنهم جعلوا لها نصيباً من أموالهم ينفقونها عليها . ثم قال : { فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم } وفي تفسيره وجوه : قال ابن عباس : كان المشركون يجعلون لله تعالى من حروثهم وأنعامهم نصيباً وللأوثان نصيباً ، فما كان للصنم أنفقوه عليه وما كان لله أطعموه الضيفان والمساكين ولا يأكلون منه البتة . ثم إن سقط شيء مما جعلوه لله في نصيب الأوثان تركوه وقالوا إن الله غنيّ عن هذا ، وإن سقط شيء مما جعلوا للأوثان في نصيب الله تعالى أخذوه وردّوه إلى نصيب الصنم وقالوا : إنه فقير . وإنما ذلك لحبهم آلهتهم وإيثارهم لها . وعن الحسن والسدي : كان إذا هلك لأوثانهم شيء أخذوا بدله مما لله ولا يفعلون مثل ذلك فيما لله تعالى . وقال مجاهد : إنه إذا انفجر من سقى ما جعلوه للشيطان في نصيب الله عز وجل سدوه وإن كان على ضد ذلك تركوه ، وقال قتادة : إذا أصابهم شدة استعانوا بالله وإذا أصابتهم حسنة نسبوها إلى شركائهم . وقال مقاتل : إن زكا ونما نصيب الآلهة ولم يزك نصيب الله تركوا نصيب الآلهة . وقالوا : لو شاء زكى نصيب نفسه . وأما إن زكا نصيب الله ولم يزك نصيب الآلهة قالوا لا بدّ لآلهتنا من نفقة وأخذوا نصيب الإله تعالى فأعطوه السدنة . فمعنى { فلا يصل إلى الله } أنه لا يصل إلى الوجوه التي كانوا يصرفونه إليها من قرى الضيفان والتصدق على المساكين ، ومعنى الوصول إلى شركائهم أنهم ينفقونه عليها بذبح نسائك عندها والأجراء على سدنتها ونحو ذلك . وقوله : { مما ذرأ } فيه أن الله تعالى كان أولى بأن يجعل له الزاكي لأنه هو الذي ذرأه أي خلقه . ثم إنه سبحانه ذم فعلهم فقال : { ساء ما يحكمون } وذكر العلماء فيه وجوهاً : الأول أنهم رجحوا جانب الأصنام في الرعاية والحفظ على جانبه وهو سفه . الثاني جعلوا بعض الحرث لله وبعضه لغيره مع أنه تعالى هو الخالق للجميع . الثالث أن ذلك حكم أحدثوه من قبل أنفسهم ولم يشهد بصحته عقل ولا شرع وأشار إليه بقوله { بزعمهم } الرابع لو حسن إفراز نصيب الأصنام لحسن إفراز نصيب لكل حجر ومدر . الخامس لا تأثير للأصنام في حصول الحرث والأنعام ولا قدرة لها على الانتفاع بذلك النصيب ، فإفراز النصيب لها عبث .