فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلۡحَرۡثِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ نَصِيبٗا فَقَالُواْ هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعۡمِهِمۡ وَهَٰذَا لِشُرَكَآئِنَاۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمۡ فَلَا يَصِلُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمۡۗ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (136)

{ وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون 136 } .

{ وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا } هذا بيان نوع آخر من أنواع كفرهم وجهلهم وإيثارهم لآلهتهم على الله سبحانه أي جعلوا لله سبحانه مما خلق من حرثهم ونتاج دوابهم وهي الإبل والبقر والغنم نصيبا ولآلهتهم نصيبا من ذلك أي قسما يصرفونه في سدنتها والقائمين بخدمتها ، فإذا ذهب ما لآلهتهم بإنفاقه في ذلك عوضوا عنه ما جعلوه لله قالوا الله غني عن ذلك .

وعن ابن عباس قال : جعلوا لله من ثماره ومائهم نصيبا وللشياطين والأوثان نصيبا فإن سقط من ثمره ما جعلوه لله في نصيب الشيطان تركوه وإن سقط مما جعلوه للشيطان في نصيب الله ردوه إلى نصيب الشيطان ، وإن انفجر من سقي ما جعلوه لله في نصيب الشيطان تركوه وإن انفجر من سقي ما جعلوه للشيطان في نصب الله نزحوه ، فهذا ما جعلوا لله من الحرث وسقي الماء وأما ما جعلوه للشيطان من الأنعام فهو قول الله { ما جعل الله من بحيرة } الآية .

وقال مجاهد : جعلوا لله جزءا ولشركائهم جزءا فما ذهبت به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم تركوه وقالوا الله عن هذا غني ، وما ذهبت به الريح من أجزاء أوثانهم إلى جزء الله أخذوه ، والأنعام ، التي سمى الله البحيرة والسائبة .

{ فقالوا هذا لله بزعمهم } الزعم الكذب وقرئ بضم الزاي وبفتحها وهما لغتان وإنما نسبوا للكذب في هذه المقالة مع أن كل شيء لله لأن هذا الجعل لم يأمرهم الله به فهو مجرد اختراع منهم ، قال الأزهري : وأكثر ما يكون الزعم فيما يشك فيه ولا يتحقق قال بعضهم هو كناية عن الكذب .

وقال المرزوقي : أكثر ما يستعمل فيما كان باطلا أو فيه ارتياب ، قال ابن القوطية : زعم زعما قال خبرا لا يدري أحق هو أو باطل/ قال الخطابي : ولهذا قيل : زعموا مطية الكذب وزعم غير مزعم ، قال غير مقول صالح وادعى ما لا يمكن .

{ وهذا لشركائنا } أي الأصنام { فما كان لشركائهم } أي ما جعلوه لها من الحرث والأنعام { فلا يصل إلى الله } أي إلى المصارف التي شرع الله الصرف فيها كالصدقة وصلة الرحم وقراء الضيف { وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم } أي يجعلونه لآلهتهم وينفقونه في مصالحهم { ساء ما يحكمون } أي حكمهم في إيثارهم آلهتهم وينفقونه في مصالحها { ساء ما يحكمون } أي حكمهم في إيثارهم آلهتهم على الله سبحانه ورجحان جانب الأصنام على جانب الله تعالى في الرعاية والحفاظة ، وهذا سفه منهم .

وقيل معنى الآية أنهم كانوا إذا ذبحوا ما جعلوه لله ذكروا عليه اسم أصنامهم ، وإذا ذبحوا ما لأصنامهم لم يذكروا عليه اسم الله فهذا معنى الوصول إلى الله والوصول إلى شركائهم{[721]} .


[721]:وكانوا إذا زكا ما لله، ولم يزك ما لشركائهم، ردوا الزاكي على أصنامهم، وقالوا: هذه أحوج، والله غني، وإذا زكا ما للأصنام، ولم يترك ما الله، اقروه على ما به. قال المفسرون: وكانوا يصرفون ما جعلوا لله إلى الضيفان والمساكين. فمعنى قوله: {فلا يصل إلى الله} أي: إلى هؤلاء. ويصرفون نصيب آلهتهم في الزرع إلى النفقة على خدامها. نصيبها في الأنعام، ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه كان للنفقة عليها أيضا. والثاني: أنهم كانوا يتقربون به، فيذبحونه لها. والثالث: أنه البحيرة، والسائبة – والوصيلة، والحام.