فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ قَتۡلَ أَوۡلَٰدِهِمۡ شُرَكَآؤُهُمۡ لِيُرۡدُوهُمۡ وَلِيَلۡبِسُواْ عَلَيۡهِمۡ دِينَهُمۡۖ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا يَفۡتَرُونَ} (137)

{ وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون 137 وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون 138 } .

{ وكذلك } أي ومثل ذلك التزيين الذي زينه الشيطان لهم في قسمة أموالهم بين الله وبين شركائهم { زين لكثير من المشركين قتل أولادهم } قال الفراء والزجاج : { شركاؤهم } ههنا هم الذين كانوا يخدمون الأوثان وقيل هم الغواة من الناس ، وقيل هم الشياطين ، وأشار بهذا إلى الوأد وهو دفن البنات مخافة السباء والحاجة ، وقيل كان الرجل يحلف بالله لئن ولد له كذا من الذكور لينحرن أحدهم كما فعله عبد المطلب .

قرئ زين بالبناء للفاعل ونصب قتل ورفع شركاؤهم على أنه فاعل زين ، وقرئ بضم الزاي ، ورفع قتل وخفض أولاد ورفع شركاؤهم بإضمار فعل دل عليه زين كأنه لما قيل زين لهم الخ قيل من زينه فقيل زينه شركاؤهم وقرئ بضم الزاي ورفع قتل ونصب أولاد وخفض شركاؤهم بإضافة القتل إليه مفصولا بين المصدر وما هو مضاف إليه بالمفعول .

قال النحاس : إن هذه القراءة لا تجوز في كلام ولا في شعر وهي بعيدة ، وفي القرآن أبعد ، وقال ابن حمدان النحوي : هي زلة عالم لم يجز اتباعه ، وقال قوم ممن انتصر لهذه القراءة إنها إذا ثبتت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم فهي فصيحة لا قبيحة ، قالوا وقد ورد ذلك في كلام العرب وفي مصحف عثمان شركائهم بالياء .

قلت دعوى التواتر باطلة بإجماع القراء المعتبرين كما بين الشوكاني ذلك في رسالة مستقلة فمن قرأ بما يخالف الوجه فهو رد عليه ، ولا يصح الاستدلال لصحة هذه القراءة بما ورد من الفصل في النظم ، فإن ضرورة الشعر لا يقاس عليها .

وفي الآية قراءة رابعة وهي جر الأولاد والشركاء ، ووجه ذلك أن الشركاء بدل من الأولاد لكونهم شركاءهم في النسب والميراث .

{ ليردوهم } من الإرداء وهو الإهلاك أي فعلوا ذلك التزيين لإهلاكهم { وليلبسوا عليهم دينهم } أي يخلطوه عليهم ، قال ابن عباس : ليدخلوا عليهم الشك في دينهم ، وكانوا على دين إسماعيل فرجعوا عنه بتلبيس الشياطين { ولو شاء الله } عدم فعلهم { ما فعلوه } أي ذلك الفعل الذي زين لهم من تحريم الحرث والأنعام وقتل الأولاد ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وإذا كان ذلك بمشيئة الله { فذرهم وما يفترون } أي فدعهم وافتراءهم فذلك لا يضر ، والفاء فاء الفصيحة .