قوله : { وكذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مّنَ المشركين قَتْلَ أولادهم شُرَكَاؤُهُمْ } أي : ومثل ذلك التزيين الذي زينه الشيطان لهم في قسمة أموالهم بين الله وبين شركائهم ، زين لهم قتل أولادهم . قال الفراء والزجاج : شركاؤهم هاهنا هم الذين كانوا يخدمون الأوثان وقيل : كان الرجل يحلف بالله لئن ولد له كذا من الذكور لينحرنّ أحدهم كما فعله عبد المطلب . قرأ الجمهور { زين } بالبناء للفاعل ونصب { قتل } على أنه مفعول زيَّن ، وجرّ أولاد بإضافة قتل إليه ، ورفع شركاؤهم على أنه فاعل زين ، وقرأ الحسن بضم الزاي ورفع قتل وخفض أولاد ، ورفع شركاؤهم على أن قتل هو نائب الفاعل ، ورفع شركاؤهم بتقدير يجعل يرجعه ، أي زينه شركاؤهم ، ومثله قول الشاعر :
ليبك يزيد ضارع لخصومة *** ومختبط ما تطيح الطوائح
أي يبكيه ضارع ، وقرأ ابن عامر ، وأهل الشام بضم الزاي ، ورفع قتل ، ونصب أولاد ، وخفض شركائهم على أن قتل مضاف إلى شركائهم ، ومعموله أولادهم ، ففيه الفصل بين المصدر وما هو مضاف إليه بالمفعول ، ومثله في الفصل بين المصدر وما أضيف إليه ، قول الشاعر :
تمرّ على ما تستمرّ وقد شفت *** علائل عبد القيس منها صدورها
بجر صدورها ، والتقدير : شفت عبد القيس غلائل صدورها . قال النحاس : إن هذه القراءة لا تجوز في كلام ولا في شعر ، وإنما أجاز النحويون التفريق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الشعر لاتساعهم في الظروف ، وهو أي الفصل بالمفعول به في الشعر بعيد ، فإجازته في القرآن أبعد . وقال أبو غانم أحمد بن حمدان النحوي : إن قراءة ابن عامر هذه لا تجوز في العربية وهي زلة عالم ، وإذا زلّ العالم لم يجز اتباعه ، وردّ قوله إلى الإجماع ، وإنما أجازوا في الضرورة للشاعر أن يفرّق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف ، كقول الشاعر :
كما خط الكتاب بكف يوما *** يهودي يقارب أو يزيل
لله درّ اليوم من لامها *** . . .
وقال قوم ممن انتصر لهذه القراءة : إنها إذا ثبتت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي فصيحة لا قبيحة . قالوا : وقد ورد ذلك في كلام العرب ، وفي مصحف عثمان رضي الله عنه «شركائهم » بالياء .
وأقول : دعوى التواتر باطلة بإجماع القراء المعتبرين ، كما بينا ذلك في رسالة مستقلة ، فمن قرأ بما يخالف الوجه النحوي فقراءته ردّ عليه ، ولا يصح الاستدلال لصحة هذه القراءة بما ورد من الفصل في النظم كما قدّمنا ، وكقول الشاعر :
فزججتها بمزجَة *** زج القلوص أبي مزاده
فإن ضرورة الشعر لا يقاس عليها ، وفي الآية قراءة رابعة وهي جرّ الأولاد والشركاء ، ووجه ذلك أن الشركاء بدل من الأولاد لكونهم شركاءهم في النسب والميراث . قوله : { لِيُرْدُوهُمْ } اللام لام كي ، أي لكي يردوهم ، من الإرداء وهو الإهلاك { وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } معطوف على ما قبله ، أي فعلوا ذلك التزيين لإهلاكهم ولخلط دينهم عليهم { وَلَوْ شَاء الله مَا فَعَلُوهُ } أي لو شاء الله عدم فعلهم ما فعلوه ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . وإذا كان ذلك بمشيئة الله { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } فدعهم وافتراءهم فذلك لا يضرك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.