غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞قُلۡ تَعَالَوۡاْ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَيۡكُمۡۖ أَلَّا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗاۖ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُم مِّنۡ إِمۡلَٰقٖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِيَّاهُمۡۖ وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَۖ وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (151)

151

التفسير : لما بين فساد ما يقوله الكفار في باب التحليل والتحريم أتبعه الشافي في الباب فقال : { قل تعالوا } وهو من الخاص الذي صار عاماً لأن أصله أن يقوله من كان في مكان عالٍ لمن هو أسفل منه . و «ما » في قوله : { ما حرم } إما منصوب بفعل التلاوة أي أتل الذي حرمه ربكم فالعائد محذوف . وقوله : { عليكم } يكون متعلقاً ب { أتل } أو ب { حرم } وإما منصوب ب { حرم } على أن «ما » استفهامية فلا راجع . والمعنى أقل أي شيء حرم لأن التلاوة نوع من القول وتقديم المفعول للتخصيص . فإن قيل : قوله { أن لا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً } كالتفصيل لما أجمله في قوله : { ما حرم } فيلزم أن يكون ترك الشرك والإحسان إلى الوالدين محرماً . فالجواب أن المراد من التحريم البيان المضبوط ، أو الكلام تم عند قوله : { ما حرم ربكم } ثم ابتدأ فقال : { عليكم أن لا تشركوا } أو «أن » مفسرة أي ذلك التحريم هو قوله : { لا تشركوا } وهذا في النواهي واضح ، وأما الأوامر فيعلم بالقرينة أن التحريم راجع إلى أضدادها وهي الإساءة إلى الوالدين وبخس الكيل والميزان وترك العدل في القول ونكث عهد الله . ولا يجوز أن يجعل «أن » ناصبة وإلا لزم عطف الطلب أعني الأمر على الخبر . واعلم أنه سبحانه بيّن فرق المشركين في هذه السورة أحسن بيان ، وذلك أن منهم من يجعل الأصنام شركاء لله تعالى فأشار إليهم بقوله : { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة } [ الأنعام : 74 ] ومنهم عبدة الكواكب الذين أبطل قولهم بقوله : { لا أحب الآفلين } [ الأنعام : 76 ] ومنهم القائلون بيزدان واهرمن ومنهم الذين يقولون الملائكة بنات الله والمسيح ابن الله وزيف معتقدهم بقوله : { وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم } [ الأنعام : 100 ] ثم عمم النهي بقوله : { لا تشكروا به شيئاً } ثم حث على إحسان الوالدين وكفى به خصلة شريفة أن جعله تالياً لتوحيده . ثم أوجب رعاية حقوق الأولاد بعد رعاية حقوق الوالدين . ومعنى { من إملاق } أي من خوف الفقر كما صرح بذلك في الآية الأخرى { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } [ الإسراء : 31 ] كانوا يدفنون البنات أحياء بعضهم للغيرة وبعضهم لخوف الإملاق وهو السبب الغالب فلذلك أزيل الوهم بقوله : { نحن نرزقكم وإياهم } فكما يجب على الوالد الاتكال في رزق نفسه على الله فكذا القول في حال الولد ، قال شمر : أملق لازم ومتعد . أملق الرجل افتقر ، وأملق الدهر ما عنده إذا أفسده . وإنما قال هاهنا : { نحن نرزقكم وإياهم } وقال في سبحانه بالعكس لأن التقدير في الآية من إملاق بكم نحن نرزقكم وإياهم ، وهناك زيدت الخشية التي تتعلق بالمستقبل فالتقدير خشية إملاق يقع بهم نحن نزرقهم وإياكم ، ثم نهى عن قربان الفواحش كلها . ومعنى ما ظهر منها وما بطن كما مر في قوله : { وذروا ظاهر الإثم وباطنه } [ الأنعام : 120 ] وفيه أن الإنسان إذا احترز عن المعصية في الظاهر ولم يحترز عنها في الباطن دل على أن احترازه عنها ليس لأجل عبودية الله تعالى وامتثال أمره ولكن لأجل الخوف من مذمة الناس . ثم أفرز من جملة الفواحش قتل النفس المحرمة تنبيهاً على فظاعتها ولما نيط بها من الاستثناء وهو قوله { إلا بالحق } وذلك أن قتل النفس المحرمة قد يكون حقاً لجرم صدر عنها كما جاء في الحديث «لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا لإحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير حق » وينخرط في سلكه جزاء قاطع الطريق . والحاصل أن الأصل في قتل النفس هو الحرمة وحله لا يثبت إلا لأمر منفصل . ثم لما بيّن النواهي الخمسة أتبعه الكلام الذي يقرب إلى القلوب القبول فقال : { ذلكم وصاكم } لما في لفظ التوصية من الرأفة والاستعطاف . ومعنى { لعلكم تعقلون } لكي تعقلوا فوائد هذه التكاليف ومنافعها في الدين والدنيا .

/خ165