غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (199)

199

التفسير : لما ذكر فساد طريقة عبدة الأصنام وبين النهج القويم والصراط المستقيم أرشد إلى مكارم الأخلاق والعفو الفضل وكل ما أتى من غير كلفة . واعلم أن الحقوق التي تستوفى من الناس إما أن يجوز إدخال المساهلة فيها وهو المراد بقوله { خذ العفو } ويدخل في التخلق مع الناس بالخلق الحسن وترك الغلظة والفظاظة ، ومن هذا الباب أن يدعو الخلق إلى الدين الحق بالرفق واللطف كما قال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم { فبما رحمة من الله لنت لهم } [ آل عمران : 159 ] وإما أن لا يجوز دخول المسامحة فيها وذلك قوله { وأمر بالعرف } وهو والمعروف . والعارفة كل أمر عرف أنه لا بد من الإتيان به ويكون وجوده خيراً من عدمه ، فلو اقتصر في هذا القسم على الأخذ بالعفو ولم يبذل في ذلك وسعه كان راضياً بتغيير الدين وإبطال الحق . ثم أمر بالمعروف ورغب فيه ونهى عن المنكر ونفر عنه فربما أقدم بعض الجاهلين على السفاهة والإيذاء فلهذا قال { وأعرض عن الجاهلين } قال عكرمة : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جبرائيل ما هذا ؟ فقال : لا أدري حتى أسأل ثم رجع فقال : يا محمد إن ربك أمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك » قال أهل العلم : تفسير جبرائيل مطابق للفظ الآية فإنك إذا وصلت من قطعك فقد عفوت عنه ، وإذا أعطيت من حرمك فقد أمرت بالمعروف ، وإذا عفوت عمن ظلمك فقد أعرضت عن الجاهل . يروى عن جعفر الصادق رضي الله عنه : ليس في القرآن العزيز آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية ولبعض المفسرين في تفسير الآية طريق آخر قالوا { خذ العفو } أي ما أتوك به عفواً فخذه ولا تسأل ما وراء ذلك فنسخت بآية الزكاة { وأمر بالعرف } أي بإظهار الدين الحق وهذا غير منسوخ { وأعرض عن الجاهلين } أي المشركين وهذا منسوخة بآية القتال . والحق أن تخصيص أخذ العفو بالمال تقييماً للمطلق من غير دليل ، ولو سلم فإيجاب الزكاة بالمقادير المخصوصة لا ينافي ذلك لأن آخذ الزكاة مأمور بأن لا يأخذ كرائم أموال الناس وأن لا يشدد الآمر على المزكي . وأيضاً لا يمتنع أن يؤمر النبي بأن لا يقابل سفاهة المشركين بمثلها ولكن يقاتلهم ، وإذا كان الجمع بين الأمرين ممكناً فلا حاجة إلى التزام النسخ .

/خ206