غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱلۡبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَٱلَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدٗاۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَشۡكُرُونَ} (58)

54

ثم ضرب الله سبحانه مثلاً للمؤمن والكافر وشبه القرآن بالمطر ، وذلك أن الأرض الحرة إذا نزل بها المطر حصل فيها أنواع الأزهار والثمار والأرض السبخة بعد نزول المطر لا يخرج منها إلا النزر القليل من النبات ، فكذلك النفس الطاهرة النقية من شوائب الأخلاق الذميمة إذا اتصل بها أنوار القرآن ظهرت عليها أنواع المعارف والأخلاق الفاضلة ، والنفس الخبيثة لا ترجع من ذلك إلا بخفي حنين . وقيل : ليس المراد من الآية تمثيل المؤمن والكافر وإنما المراد أن الأرض السبخة يقل نفعها وثمرتها ، ومع ذلك فإن صاحبها لا يهمل أمرها بل يتعب نفسه في إصلاحها طمعاً منه في تحصيل ما يليق بها من المنفعة . فمن يطلب هذا النفع اليسير فلأن يطلب النفع العظيم الموعود به في الدار الآخرة بالمشقة التي لابد منها ومن تحملها في أداء الطاعات كان أولى . وفي الآية دلالة على أن السعيد لا ينقلب شقياً وبالعكس ، لأنها دلت على أن الأرواح قسمان : منها ما تكون في أصل جوهرها طاهرة نقية مستعدة لأن تعرف الحق لذاته والخير لأجل العمل به ، ومنها ما تكون بالضد لا تقبل لمعارف الحقيقية والأخلاق الفاضلة كالأرض السبخة التي لا يتولد فيها الأشجار والأنهار والثمار . ومما يقوّي هذا الكلام أن النفوس نراها مختلفة في الصفات ؛ فمنها مجبولة على حب الإلهيات منصرفة عن اللذات الجسمانيات كقوله تعالى : { ترى أعينهم تفيض من الدمع } [ المائدة : 83 ] { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله } [ البقرة : 273 ] ومنها قاسية قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة ، ومنها مائلة إلى الشهوة دون الغضب ، ومنها على العكس ، ومنها راغبة في المال دون الجاه ، ومنها بالخلاف ومن الراغبين في المال من يرغب في العقار دون الأثمان والنقود ، ومنهم من هو العكس . ومما يؤكد هذه المعاني قوله سبحانه وتعالى : { بإذن ربه } أي بتيسيره وهو في موضع الحال كأنه قيل : يخرج نباته حسناً كاملاً لوقوعه في طباق { نكداً } والنكد الذي لا خير فيه . وتقدير الآية ونبات البلد الخبيث لا يخرج ، أو البلد الخبيث لا يخرج نباته إلا نكداً فحذف المضاف الذي هو النبات وأقيم المضاف إليه وهو الضمير الراجع إلى البلد مقامه فانقلب مرفوعاً مستكناً بعد أن كان مجروراً بارزاً . من قرأ { نكداً } بفتح الكاف فعلى المصدر أي ذا نكد { كذلك } مثل ذلك التصريف نردّد الآيات ونكررها { لقوم يشكرون } نعمة الله لأن فائدة التصريف تعود عليهم وإنما ختم الآية بالحث على الشكر لأن الذي سبق ذكره هو أن الله تعالى يرسل الرياح النافعة فيجعلها سبباً للمطر الذي هو سبب الملاذ والطيبات فهذا يدل من أحد الوجهين على وجود الصانع وقدرته ، ومن الوجه الثاني على عظيم نعمته وقدرته فوجب من هذا الوجه مقابتلها بالشكر والله أعلم .

/خ58