غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{كَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنكُمۡ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرَ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا فَٱسۡتَمۡتَعُواْ بِخَلَٰقِهِمۡ فَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِخَلَٰقِكُمۡ كَمَا ٱسۡتَمۡتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُم بِخَلَٰقِهِمۡ وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِي خَاضُوٓاْۚ أُوْلَـٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (69)

60

ثم شبه المنافقين بالكفار الذين كانوا قبلهم في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف وقبض الأيدي عن الخيرات فقال ملتفتاً من الغيبة إلى الخطاب { كالذين من قبلكم } أي أنتم مثل الذين أو فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم . فعلى الأول محل الكاف رفع وعلى الثاني نصب . ثم وصف أولئك الكفار بأنهم كانوا أشد قوة أي جسامة من هؤلاء المنافقين { وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهم } وهو ما خلق للإنسان أي قدر له من خير كما قيل له قسم لأنه قسم ونصيب لأنه نصب أي أثبت . { فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم } قيل : ما الفائدة في ذكر الاستمتاع بالخلاق في حق الأولين مرة ثم ذكره في حق المنافقين ثانياً ثم تكريره في حق الأوّلين ثالثاً ؟ وأجيب بأنه تعالى ذم الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا وحرمانهم عن سعادة الآخرة بسبب استغراقهم في تلك الحظوظ ، فلما قرر تعالى هذا الذم عاد فشبه حال المنافقين بحالهم فيكون ذلك نهاية في المبالغة . قال جار الله : نظيره أن تقول لبعض الظلمة أنت مثل فرعون كان يقتل بغير جرم ويعذب وأنت تفعل مثل فعله . وأما قوله { وخضتم كالذي خاضوا } فمعطوف على ما قبله مستند إليه مستغن بإسناده إليه عن تلك التقدمة . ومعنى «كالذي » كالخوض الذي خاضوه أو كالفوج الذي خاضوا . وقيل : أصله كالذين فحذف النون . ثم بين أن أولئك الكفار لم يحصل لهم إلا حبوط الأعمال أما في الدنيا فبسبب الفقر والانتقال من العز إلى الذل ومن القوة إلى الضعف ، وأما في الآخرة فلأنهم هلكوا وبادوا وانتقلوا إلى العقاب الدائم وخسران الدارين . فهؤلاء المنافقون المشاركون لهم في هذه الأعمال والفضائح مع ضعف بنيتهم وقلة عددهم ، وعددهم أولى بخزي الدارين وخسار الأمرين .

/خ69